مصطفى جودة يكتب: أحلام نيتانياهو
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
يحلم نيتانياهو منذ نشأته الأولي ودراسته بأمريكا ومعرفته بشعاب ثقافتها،ومنذ توليه سدة الحكم في إسرائيل بأن يذكره التاريخ بأنه أهم شخصية في تاريخ الصهيونية، ربما أكثر من هيرتزل، مؤسس الدولة العبرية، وبن جوريون.
يبدو أنه وضع خطة إاستراتيجية لتحقيق ذلك، مستغلا معرفته بالساسة الأمريكيين، وخصوصا المحافظين الجدد وكأنه مؤسس لهم، والإعلاميين الأمريكيين وصداقته مع الكثيرين منهم، واستخدامه المستمر للكتاب المقدس بهدف استمالة اليمين الأمريكي وكأنه واعظا لهم.
جعل همه الأكبر إيران واعتبرها الخطر الأعظم على إسرائيل والحضارة الغربية.
هو لا يتعامل مع إيران سياسيا، بل كعقيدة تهديد تستدعي التعبئة الدائمة داخليا وخارجيا.
مكنته تلك المعارف من توظيف كل السبل المتاحة له من نشر كتبه، واستمالة وسائل الاعلام الراغبة في وده وتلميعه، إلي خطابات على جلسات مشتركة للكونجرس لتكون منابر لأفكاره وإقناع القاصي والداني بأن منع إيران النووية ليس مطلبا إسرائيليا فقط، بل ضرورة عالمية، وأن العالم لا بد أن يشعر بالامتنان للدور الإسرائيلي وبالتالي لا بد من تقديم كل المساعدات الاقتصادية والعسكرية لتقوم إسرائيل بالمهمة المقدسة نيابة عن العالم المتحضر.
هو يدرك أيضا أنه يقدم خدمات للساسة الكبار عندما تحاصرهم المشاكل، فيمنحهم متنفسا يستطيعون من خلاله تحقيق نوعا من النجاحات في سياستهم الخارجية يقدمونه لقواعدهم الانتخابيات. علي سبيل المثال، كان الأسبوع الماضي محبطا للرئيس ترامب بالداخل الأمريكي، حيث تصدر كل يوم تقريبا أحكاما قضائية ضد سياساته الداخلية، آخرها ما حكمت به محكمة بأن ما قام به من التدخل في كاليفورنيا بأنه غير قانوني، وأن الاعتداء علي عضو مجلس شيوخ الولاية ومعاملته كخارج على القانون يعتبر سابقة خطيرة في التاريخ الأمريكي وشهادة أن إجراءاته التعسفية فيما يخص سياسات الهجرة، وأن شعبيته في تدن متسارع. عندما قرر نيتانياهو الهجوم علىإيران خرج الرئيس ترامب ليعلن أنه مع إسرائيل وأنه ساعد كثيرا في الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
في هذا المقال يمكننا تتبع تطور فكرته الأساسية ونجاحاته في ترسيخها في أمريكا بالذات، ثم تنفيذها من خلال الإمكانات الهائلة التي يقدمها له الغرب الممتن من أحدث الأسلحة وأفتكها ومن الاستخبارات الهائلة، عن رضا وطيب نفس، ثم تحقيق أمله في تغيير الشرق الأوسط،. كانت البداية في عام 1986، عندما كان نيتانياهو يشغل منصب المندوب الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة تمكن من حشد الكثيرين من الأوروبيين والأمريكيين وصناع القرار ليكتبوا مجموعة من المقالات قام بتحريرها ونشرها في كتاب. في هذا الكتاب قام بالتركيز على الإرهاب كأداة في الأنظمة في الشرق الأوسط وعلى رأسها إيران، بتحريره هذا الكتاب حاول التركيز على الإرهاب كأداة في الأنظمة في الشرق الأوسط، لتحقيق مكاسب وطموحات سياسية.
تبع ذلك بكتاب آخر بعنوان مكان تحت الشمس، صدر عام 1993، فكرته الأساسية التركيز علي العداء الشديد في العالم العربي والإسلامي تجاه وجود إسرائيل، مع تركيز خاص على إيران، التي وصفها بالثورية وأنها لا تسعي فقط لزعامة الشرق الأوسط، بل لتصدير أيدولوجيتها الي العالم كله، وهو الأمر المعادي للديموقراطيات الغربية.
تبع ذلك بكتاب آخر بعنوان «الإرهاب»، في عام 1995، شخص فيه إيران بالراعي الأول للإرهاب العالمي، وركز فيه على العلاقة بين الإرهاب والبرنامج النووي، وضرورة الحسم الاستباقي قبل أن تمتلك إيران السلاح النووي، كما قام فيه بتحذير العالم كله من اقتنائها قدرات نووية، وجعل محور الكتاب أن انتظار التطور النووي الإيراني يلزمه التدخل، وأن التأخر في ذلك سيكون خطأ إستراتيجيا وكارثيا، تماما كما كان التهاون مع ألمانيا النازية قبل نشوب الحرب العالمية الثانية. هكذا كانت بداية تبلور أفكاره في جعل إيران أحد أهم المحاور الأساسية في السياسة الاستراتيجية والإعلامية له.
تبع ذلك بتطوير استراتيجيته العدوانية وخصوصا في خطاباته الأربعة التي ألقاها آمام الكونجرس. كانت جميع هذه الخطابات مساهمة من الكونجرس واستخدامه منبرا لتوجيه الرأي العام الأمريكي ضد إيران. أول هذه الخطابات كان في عام 1996، عقب انتخابه رئيسا للوزراء، والخطاب الثاني عام 2011 والثالث في عام 2015، والرابع في يوليو 2024، وسط حرب الإبادة التي تخوضها إسرائيل ضد غزة.
كان الخطاب الثالث هو الأعنف والأكثر إثارة للجدل بين خطاباته الأربع، حيث ألقاه بدون تنسيق مع الرئيس أوباما وإدارته التي كانت تسير نحو توقيع الاتفاق النووي مع إيران، مما سبب توترا دبلوماسيا كبيرا. في هذا الخطاب وصف نيتانياهو الاتفاق بأنه تهديدا وجودى لإسرائيل، وبأنه طريق مؤكد يؤدي الي تصنيع القنبلة النووية الإيرانية.
ووصفه بأنه تحالف مع الشيطان، وطلب من أعضاء الكونجرس رفضه. حظي هذا الخطاب بتغطية واسعة، وساهم لاحقا في انسحاب إدارة ترامب الأولي من الاتفاق عام 2018. شكلت الخطابات الأربعة امتدادا تراكميا لاستراتيجيته بخصوص إيران. في هذه الخطابات نجح نيتانياهو في ترسيخ أن إيران تمثل التهديد الأكبر، وأن إسرائيل تمثل الجبهة الأساسية، وأن أمريكا مطالبة بتقديم الدعم الكامل من سلاح ومال واستخبارات ومساندات في كل المحافل الدولية، لدرجة أنه ذكر في أحد تلك الخطابات أن إيران تدافع عن الغرب. إضافة الي ذلك فإن هذه الخطابات تعد شاهدا على قوة التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وتكشف عن طبيعة الدور الشخصي الذي يلعبه نيتانياهو في توجيه هذا التحالف وتوظيفه لمصلحته الشخصية ومصلحة إسرائيل.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: ما كان لمصر أن تحضر