شهر رمضان
شهر رمضان هو تاسع الأشهر الهجرية، حيث يأتي بعد شهر شعبان، وقبل شوّال، ويبلغ عدد أيّامه تسعة وعشرين أو ثلاثين يوماً، ويثبت دخول شهر رمضان المبارك بأحد أمرين، أوّلهما رؤية الهلال في ليلة التاسع والعشرين من شعبان، مصداقاً لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُم علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)، وقد حرص الصحابة – رضي الله عنهم- على رؤية الهلال في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- وبعد وفاته.
وتثبت رؤية الهلال بشهادة مسلمٍ عدلٍ واحدٍ، وهو ما ذهب إليه الشافعية، والحنابلة، وفريقٌ من السلف رحمهم الله، واستدلّوا بما رُوي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه)، وأما في حال ترقّب الهلال في التاسع والعشرين من شعبان وعدم رؤيته، فيثبت دخول شهر رمضان بالأمر الثاني وهو تمام شعبان ثلاثين يوماً، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء، واستدلوا بما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (فإنْ غُم علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)، ولا يجوز صيام الثلاثين من شعبان، تحسّباً أن يكون أول أيام رمضان، وهو ما يُعرف بيوم الشك.
سبب تسمية شهر رمضان وحكمه
اختلف أهل اللغة في سبب تسمية شهر رمضان بهذا الاسم، حيث ذهب بعضهم إلى أن كلمة رمضان مشتقّةٌ من الرمض وهو شدّة الحر، وأن سبب التسمية يرجع إلى أن الشهور كانت تسمّى بالأزمنة التي تقع فيها، ووافق شهر رمضان شدّة الحر، وقيل إن سبب التسمية يرجع إلى ارتماض الصائمين فيه من شدّة الجوع والعطش، وقيل لأن القلوب تتأثّر فيه من حرارة الموعظة والفكرة كما تأخذ الحجارة والرمال من حرّة الشمس، وقيل إن سبب التسمية يرجع إلى أنه يرمض الذنوب، أي يحرقها بالأعمال الصالحة، بينما قال فريقٌ آخر من أهل العلم أن كلمة رمضان مشتقةُ من الرميض، وهو المطر والسحاب في آخر الصيف وأول الخريف، وسمي بهذا الاسم لأنه يرمض الذنوب، أي يغسلها بالعمل الصالح.
وقيل إن سبب التسمية يرجع إلى أن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم في شهر رمضان، أي يجهّزونها استعداداً للحرب في شوال، ومن الجدير بالذكر أن شهر رمضان من الأزمنة المباركة، لا سيّما أن الله -تعالى- فرض صيامه على المسلمين في العام الثاني للهجرة، حيث أنزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسع رمضانات قبل أن يتوفّاه الله -تعالى- في العام الحادي عشر للهجرة.
فضائل وخصائص شهر رمضان
من حكمة الله تعالى أن فضّل بعض الخلق على بعضٍ، وبعض الأماكن على بعضٍ، وبعض الأزمنة على بعضها الآخر، ويُعدّ شهر رمضان المبارك من الأزمنة الفاضلة، حيث ميّزه الله -تعالى- بالعديد من الخصائص والفضائل، وفيما يأتي بيان بعضها: فتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النيران، وتصفيد الشياطين: رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)، وقد بيّن أهل العلم أن الحديث النبوي قد يُحمل على ظاهره، أي عند دخول شهر رمضان تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النيران، تعظيماً لحرمته، وتصفّد الشياطين حقيقة، حتى لا تشوّش على المؤمنين في عبادتهم، وقد يكون المقصود الإشارة إلى كثرة العفو والأجر، وقلّة إغواء الشياطين للعباد حتى تصبح كأنها مقيّدة.
تكفير الذنوب: حيث إن صوم رمضان سببٌ لتكفير الذنوب، بشرط اجتناب الكبائر، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، مكفِّراتُ ما بينهنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائر).
صيام رمضان من أركان الإسلام
خصّ الله -تعالى- شهر رمضان بأن فرض صيامه وجعله ركناً من أركان الإسلام، وخصّ الصائمين ببابٍ في الجنة اسمة باب الريان لا يدخله غيرهم، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ، فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّلَاةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِن بَابِ الجِهَادِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِن بَابِ الرَّيَّانِ).
نزول القرآن الكريم
من أعظم خصائص شهر رمضان أن الله -تعالى- أنزل فيه القرآن الكريم، مصداقاً لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
الأعمال الصالحة في شهر رمضان
يعدّ رمضان من الأزمنة المباركة التي ينبغي للمسلم الحرص على استغلالها، ويمكن بيان بعض الوسائل المعينة على استغلال رمضان فيما يأتي:
تفطير الصائمين: يُعدّ تفطير الصائمين من الأعمال التي يترتّب عليها الأجر عظيم، لا سيّما أن من فطّر صائماً فله مثل أجره، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن فطَّرَ صائمًا كانَ لَهُ مثلُ أجرِهِ، غيرَ أنَّهُ لا ينقُصُ من أجرِ الصَّائمِ شيئًا).
ترك المعاصي: يُعدّ شهر رمضان فرصةً ذهبيةً لمجاهدة النفس على ترك المعاصي، لا سيّما أن الشياطين مصفّدة، والروح متأثّرة، والنفس منكسرة، وبيئة الخير والصلاح منتشرة في المجتمع.
العمرة: من أعظم الأعمال في رمضان الذهاب إلى العمرة، فقد ثبت أن العمرة في رمضان تعدل حِجّة، ويُنصح أن تكون العمرة في العشرة الأوائل لتجنّب الأزمة والاكتظاظ وارتفاع التكاليف في العشرة الأواخر، والتفرّغ للاعتكاف في العشرة الأواخر.