مصطفى جودة يكتب: الدعايات والشائعات

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

دائما هناك تركيز كبير واستهداف لمصر من خلال سيل لا ينقطع من الدعايات المغرضة والشائعات، من باب محاولات استقطاب كبيرة للتأثير ونشر الفوضى بها. بصفة عامة عبر التاريخ كله، لعبت الدعايات المغرضة والشائعات أدوارا كبيرة وخطيرة في تشكيل أفكار ومواقف الناس في كل مكان وفي أوقات السلم والحرب عبر كل الأزمنة، وفي زمننا هذا، الدور مختلف وأكثر خطرا نتيجة التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات ووجود الإنترنت وكل ما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة، ووجود مئات المحطات التليفزيونية التى تذيع عبر الساعات كثيرا من الدعايات المغرضة والشائعات المؤثرة، وبالتالى فإن مواجهة ومقاومة كل من العمليتين أصبحت شاقة ومكلفة.

 بداية لا بد أن نفهم كلا من العمليتين، فرغم أنه لا يوجد تعريفات محددة لكل منهما، فإنه يمكن تعريف الدعاية المغرضة أو البروباجندا، بأنها عملية منظمة تستخدمها منظمات ومؤسسات وجهات لنشر الفوضى ولإحداث تغيرات مجتمعية من خلال نشر أفكار ورسائل مقنعة مدعومة بمعلومات كاذبة مبالغ فيها، ومعتقدات لا تقل عن المواجهة في حرب ضارية حقيقية ذات تأثير بالغ ومؤثر على عقول الأفراد وسلوكهم وجوانب حياتهم.

 أما الشائعة فيمكن تعريفها بأنها معلومات أو أخبار غير مؤكدة تنتشر بين الناس دون التحقق من مصدرها وصحتها، وتستخدم لإحداث الفوضى والقلاقل والتأثير على قرارات الأفراد والمجتمعات.

 ورغم التشابه في ذلك التعريف بين العمليتين، فإن هناك اختلافات عديدة منها أن البروباجندا تهدف في إستراتيجيتها إلى تأثير طويل الأمد على الجماهير، وتخدم أهدافا سياسية أو تحقيق مكاسب سياسية، أما الشائعة وتعرف على أنها معلومات أو أخبار غير مؤكدة وتنتشر بين الناس بسرعة كبيرة دون التحقق من صحتها وتهدف الى إحداث تأثير فورى وتنتشر دون تنظيم، وقد تكون بلا هدف واضح سوى إثارة البلبلة سماها القرآن «إرجاف».

 أيضا الدعاية المغرضة أو البروباجندا فهى عملية منظمة ومخطط لها وتدار من جهات تمتلك موارد كبيرة، وبالمقابل فإن الشائعة غالبا ما تكون عملية عشوائية وتنتشر بصورة تلقائية بين الأفراد. أيضا تقدم البروباجندا بطريقة منحازة وملتوية لتحقيق الهدف المرجو، أما الشائعة فهى عملية غير مؤكدة ومزيفة بالكامل وتفتقر للمصداقية لإحداث رجات مجتمعية من خلال الأكاذيب.

هناك فروق أساسية أخرى بين الدعاية والشائعة نتيجة اختلاف وسائلهما واستراتيجيتهما الممكنة وتأثيرهما الزمنى، فممكنات الدعاية هى وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والمجلات والتليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعى المتزايدة يوما بعد يوم بشكل مدروس ومنظم، أما الشائعة فتنتشر عادة عن طريق التواصل الشفهى أو عبر الرسائل النصية ومواقع التواصل الاجتماعى بطريقة عفوية وسريعة، كما أن استراتيجية الدعاية تستهدف تحقيق تأثير طويل المدى من خلال تمكين وتعزيز الأيديولوجيات وتغيير المفاهيم.

 ورغم الاختلافات الكبيرة بين العمليتين، فإنه يجب ملاحظة وجود بعض التشابه بينهما، فكلاهما يعتمد على التأثير النفسى والانتشار السريع والغموض واستهداف جماهير محددة سواء كان التأثير سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا. يمكن تبين الدعاية المغرضة بسهولة فيما نسمع ونشاهد ونقرأ لأنها تعتمد في أساسها على مبادئ اساسية منها استخدام الشعارات والتعميم ومحاولات الإلصاق وركوب الموجة.

 وكل هذه الأمور يمكن اكتشافها بسهولة ويسر في الشخص أو الجهة التى تستخدم الدعاية أو المادة المقروءة والمسموعة. كان جوبلز وزير البروباجندا في عهد هتلر هو المنظر الأكبر لها، وله 19 مبدأ تلخص كل مبادئ الدعاية أو البروباجندا، منها: لا بد لناشر البروباجندا من الاطلاع على الاستخبارات الخاصة بالحوادث والرأى العام، وأنه يجب أن تختص جهة واحدة فقط بعملية تخطيط الدعاية وأنه يجب أن يكون للدعاية تأثير ملموس على سياسات وأفعال العدو.

 وأنه يجب أن تتوافر كل المعلومات الضرورية لتنفيذ عمليات الدعاية، وأن وقت الدعاية يجب أن يكون في ميقاته، وأن الدعاية لا بد أن تستخدم الشعارات والإلصاق ضد المستهدفين. يمكن إدراك مفهوم الدعاية المغرضة من بعض الأقوال المأثورة عنها: «الدعاية لا تخدع الناس، بل تساعدهم فقط على خداع أنفسهم» (جاك ايلول).

«من خلال الاستخدام الذكى والمستمر للدعاية يمكن جعل الناس ينظرون الى الجنة على أنها الجحيم والعكس صحيح، بحيث ينظرون الى أبشع أنواع الحياة على أنها الجنة» (هتلر).

«وسائل الإعلام هى الكيان الأكثر نفوذا على وجه الأرض، فهى تملك القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء لأنها تتحكم في عقول الجماهير» ( ملكوم إكس).

«إن سيطرة الشركات على الرأى العام في الولايات المتحدة تشكل واحدة من عجائب العالم الغربى، فلم تنجح أى دولة من دول العالم الأول قط في محو كل مظاهر الدعاية من وسائل إعلامها» (جور فيدال).

«الفكرة الأساسية في الدعاية الناجحة هى أنك تريد أن تخلق شعارا لن يعارضه أحد وأن يؤيده الجميع، ولا أحد يعرف ماذا يعنى هذا الشعار لأنه لا يعنى شيئا». (ناعوم تشومسكى). «إن أقوى الأساليب الدعائية لن تحقق أى نجاح ما لم يتم أخذ مبدأ أساسى واحد في الحسبان باستمرار وهو أنها يجب أن تقتصر على بضع نقاط يتم تكرارها كثيرا». ( هتلر).

 في بداية الإسلام كان المنافقون هم الناشرين للشائعات بغية تقويض رسالة الإسلام والقضاء عليه، ونتيجة خطورة ذلك الدور اقتضى الأمر تدخلا إلهيا لكشفهم وذكرهم في مواضع كثيرة وتفنيد أكاذيبهم وإنذارهم بصراحة وعنف: «لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا» 60 الأحزاب. يفسر الطبرى المرجفون بأنهم أهل الإرجاف بالكذب والباطل.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: فن الحرب وفن الصفقة «2-2»

شكرا للتعليق على الموضوع