محسن عقيلان يكتب: السياسات الترامبية تجر أمريكا والعالم إلى المجهول؟
عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض محمّلًا بمزيج من الملفات المؤجَّلة والطموحات غير التقليدية. شعاره لم يتغير: “أمريكا أولاً، وسنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، لكن الأسلوب بات أكثر جرأة، والقرارات أكثر سرعة وإرباكًا، لدرجة أن الصحافة الأمريكية والعالمية باتت عاجزة عن اللحاق بوتيرة تحركاته وقراراته المتسارعة. ولنبدأ موضوعنا بالتدرج حتى تصل الفكرة في البداية.
هل ترامب فعلا يمسك بخيوط اللعبة و يعرف خطورة قراراته و خاصة الحرب التجارية مع الصين ؟ أم أنه واجهة لخطة أوسع تحرّكها قوى الدولة العميقة؟ وهل الدولة العميقة نفسها متفقة فيما بينها ضمن خطة مدروسة نحو تغيير النظام العالمي بالأسلوب الترامبى الذي لم يخطر على بال احد ام هي منقسمة على نفسها ايضا.
وهل سياساته الصادمة في الداخل الأمريكي لتهيىة الأجواء لشيى قادم و خطير ام مجرد ثار وانتقام وهل الحرب التجارية و فرض الرسوم الجمركية والتهديد باحتلال اراضي الغير لجعل امريكا عظيمة مرة أخرى كما يقول ام بين السطور رسائل خطيرة .
عندما بدأ ترامب خطته سار في خطين متوازيين سياسات وقرارات صادمة داخلية وأخرى خارجية ولكن لكي نستمر بالتدريج نريد أن نعرف ما هو الظاهر وما هو الخفي
ما يظهر على السطح هو
مواجهة الصين ومنع تفوقها التكنولوجي.
إعادة الوظائف الصناعية إلى الداخل الأميركي بعد تراجعها لأقل من ١٠٪
إجبار الحلفاء على الدفع مقابل “الحماية”.
ايضا إعادة رسم خريطة النفوذ الأميركي من خلال
العمل على تقليص القوات العسكرية والبعثات الدبلوماسية حول العالم.
وضع حد أقصى لقيمة الدولار على غرار “اتفاقية بلازا” للحد من عجز الميزان التجاري و زيادة الصادرات الامريكية.
كل هذه التحركات واضحة وتشير إلى محاولة إعادة تموضع أميركا عالميًا، ليس من موقع القيادة الناعمة، بل عبر القوة والضغط الاقتصادي والتهديد العسكري لكن الان ننتقل لما هو خفي والذي بتفكير بسيط ممكن أن نصل اليه.
يبدو أن هناك قوى داخلية تريد إعادة تشكيل العالم بطرق تتجاوز القانون الدولي ويتم ذلك باستغلال نرجسية ترامب كأداة لتمرير سياسات صادمة دون رد فعل داخلي حاد (للعلم وقع آلاف الأطباء النفسيين عريضة بعدم أهلية ترامب في ولايته الأولى و مئات في ولايته الثانية ) لكن المظاهرات الضخمة في الكثير من الولايات الامريكية أثبت عكس توقعاتهم و نظرا لوجود انقسام كما يبدو في الدولة العميقة وجد الفريق ذو الفكر المتطرف في شخصية ترامب ضالته كرأس حربة ليقود مرحلة انتقالية غير تقليدية وهذه التنبؤات ستكشفها الايام والاحداث القادمة.
والان نعود لسياسات ترامب الداخلية ونحن نمتلك تصور عما يدور في سياساته الداخلية يريد أو يريدوا إعادة تشكيل الدولة من الداخل فقام بضرب عمق المؤسسات الفيدرالية. ألغى وزارات، أحال عشرات الآلاف إلى التقاعد، ورفع السرية عن ملفات حساسة. و قام بتغييرات في المؤسسة الأمنية والعسكرية كما عيّن رجال أعمال ومليارديرات في مواقع تنفيذية، أبرزهم إيلون ماسك على رأس “مكتب التطوير الحكومي والتقني”، في إشارة واضحة إلى انحيازه للقطاع الخاص وطبقة رجال الاعمال والان وصلنا للحرب التجارية.
حتى كتابة هذه السطور بلغت الرسوم الجمركية بين العملاقين الفعل ورد الفعل في الرسوم الجمركية إلى 245% على المنتجات الصينية تهدف لردع بكين، لكن الرد لم يتأخر بالمعاملة بالمثل وبنفس النسبة وقامت الصين أيضا بحظر تصدير معادن نادرة تدخل في الصناعات العسكرية والهواتف والبطاريات والرقائق الإلكترونية وقامت بخفض واردات فول الصويا الأميركي بنسبة 60%. هددت بالتخلص من جزء من احتياطاتها من الدولار (ما يعادل تريليون دولار).
وقامت بإصدار أوامر لشركاتها بإلغاء صفقة ضخمة من طائرات النقل الامريكية البوينج
وعززت الشراكة مع روسيا في مشروع “الروبل–يوان الرقمي”.
لكن شرح ردأت الفعل وتأثيراتها تحتاج لمقالة خاصة بها
إلا أن الطرفان يمتلكان أوراق قوة حقيقية:
أمريكا تسيطر على النظام المالي العالمي، وتحتكر التكنولوجيا المتقدمة.
والصين تهيمن على سلاسل التوريد، وتملك أدوات ضغط ضخمة في الاقتصاد العالمي اذا افتعال حرب متهورة مع الصين تبدو انتحار ومغامرة وما يؤكد كلامنا أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول رفض قرارات ترامب بتخفيض نسبة الفائدة و صرح ان هذه السياسات الاقتصادية الحالية تعكس غياب خطة اقتصادية متماسكة لذلك ستسمع الأيام القادمة ممارسة ضغوطات عليه لا قالته.
إذا بعد هذا السرد المتدرج ما هي السيناريوهات المحتملة لتصور العلاقة المستقبلية بين الصين وامريكا.
السيناريوهات المحتملة
1- تصعيد مفتوح: حرب تجارية شاملة تقود لركود عالمي، وتضخم داخلي متزايد.
2- صفقة مفاجئة: تهدئة تكتيكية من نوع “ترامب–شي”، لكنها مؤقتة.
3- حرب باردة جديدة: انقسام عالمي إلى محاور اقتصادية وتقنية.
4- انهيار أحد الأطراف: أزمة اقتصادية مفاجئة في أحد العملاقين
5- استنزاف طويل الأمد: ضغط متبادل دون حسم، وشلل اقتصادي عالمي.
اخيرا سواء كان ترامب يقود أو يُقاد، فإن النتيجة واحدة: أمريكا تدخل مرحلة غير مسبوقة من إعادة تعريف دورها العالمي. إذا كان خلف ترامب تيار من الدولة العميقة، فنحن أمام انقلاب على النظام العالمي وإذا كان يتحرك منفردًا، فإن ما يجري مغامرة خطيرة قد تنتهي بكارثة عالمية لكن الاحتمال الأقرب للصواب أن هناك انقسامًا عميقًا في النخبة الأميركية، وأن ترامب ليس أكثر من أداة لإحداث صدمة تاريخية، يعاد من خلالها تشكيل النظام العالمي من جديد، بطرق لم تكن تخطر على البال.
ملاحظة ١ / رفع السرية بشكل جزئي عن قضية كينيدي رسالة لأطراف متنفذة لعدم التكرار
ملاحظة ٢ / أصبح ترامب ظاهرة تدرس في العلاقات الدولية كنموذج القيادة غير التقليدية مثل اتخاذ قرارات فجائية تجاهل المستشارين والمؤسسات الرسمية الاعتماد على تويتر أو x كأداة دبلوماسية للتفاوض بأسلوب رجال الأعمال والصفقات.
الكاتب / باحث في العلاقات الدولية
اقرأ للكاتب
محسن عقيلان يكتب: جنون الرد الاسرائيلي والتسلل النووي الايراني