كيف تساعد التقنيات الرقمية في حل أزمة توطين اللاجئين؟

توصل باحثون إلى خوارزميات (نظم حسابية) يمكن من خلالها إيجاد حل لمشكلة توطين اللاجئين بشكل ناجح، بل وإيجاد أعمال مناسبة لهم، وفق ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

هناك ما يقرب من 65,6 مليون نازح في العالم اليوم هربوا من النزاعات، أو الملاحقة، أو الفساد، وفقاً لسجلات وكالة شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وفي البلاد التي يحلم النازحون إليها ببدء حياة جديدة وناجحة، كما في أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، تظل مسألة إعادة توطين اللاجئين أمراً معقداً.

فكثير من الدول اليوم توزع اللاجئين على مناطق محددة بشكل عشوائي فحسب، وفقاً لمدى وجود أماكن لهم في تلك المناطق التي يمكنها أن تستوعب أكبر عدد منهم.

لكن ليس هناك ضمان بأن توفر تلك المناطق فرص عمل للقادمين الجدد، وهذا يجعلهم عاطلين عن العمل، ويشكل حاجزاً أمامهم لإيجاد فرص عمل جيدة، أو القدرة على تأمين المعيشة والاستقرار في موطنهم الجديد.

لكن فريقاً من الباحثين في جامعة ستانفورد توصل إلى نظام حسابي يمكن من خلاله، بحسب اعتقادهم، زيادة نسبة حصول اللاجئين الجدد على فرص عمل بشكل كبير.

توصل أعضاء الفريق، كما أوضحوا في بحث نشر في دورية “ساينس” العلمية حديثا، إلى حلول حسابية مبنية على البيانات، ويمكنها توزيع النازحين إلى مناطق معينة حسبما توفره تلك المناطق من فرص محتملة للعمل.

ولم تختبر هذه النُظم الحسابية في الحياة العملية بعد، لكن الباحثين يعتقدون أنها سترفع احتمالية التوظيف لكل عائلة من اللاجئين بنسبة قد تصل إلى 70 في المئة.

حالياً، يقوم النظام باستخدام الجداول الإلكترونية لتوزيع العائلات في مواقع محددة وفقا للطاقة الاستيعابية لهذه المواقع، حسبما يقول جينز هينمولر، أحد الباحثين في مختبر سياسات الهجرة في جامعة ستانفورد، والمشارك في هذا البحث.

ويضيف هينمولر: “إذا وُجد سرير شاغر في مينيسوتا على سبيل المثال، تذهب إلى مينيسوتا، وليس هناك توزيع قائم على أهداف محددة، أو مغزى محدد”.

وإذا استطاعت وكالات إعادة توطين اللاجئين تحليل الصفات الديموغرافية للمهاجرين، وإرسالهم إلى بلدة أو مدينة أو منطقة ترتفع فيها احتمالية توظيفهم، ستكون فرص نجاحهم أكبر.

وقد حلل الفريق أرقاماً من دولتين متقدمتين: الولايات المتحدة (التي تستخدم بيانات من أكثر من 30 ألف لاجئ تتراوح أعمارهم بين 18و64 عاما، ممن وصلوا إلى أراضيها بين عامي 2011، و2016) وسويسرا (التي استقبلت أكثر من 20 ألف لاجئ بين عامي 1999و 2013).

وبحث أعضاء الفريق فكرة استخدام تلك النُظم الحسابية المبنية على احتمالية إيجاد اللاجئين فرصاً للتوظيف في البلد المُضيف.

في البداية، نظر الفريق إلى بيانات اللاجئين الديموغرافية، مثل مستوى الثقافة، والعمر، والجنس، ومدى إتقانهم للغة الإنجليزية. ثم نظر الفريق إلى ما إذا كان هناك توافق بين هذه الصفات وبين المناطق التي لديها أعلى نسبة توظيف لأشخاص يتمتعون بمثل تلك المواصفات.

وتوصلوا إلى وجود توجهات معينة، فعلى سبيل المثال، كان بعض اللاجئين الأفارقة يجيدون التحدث بالفرنسية، وبالتالي هؤلاء بالطبع يمكنهم أن يجدوا فرصاً في المناطق السويسرية التي تتحدث الفرنسية، أكثر من تلك التي تتحدث الألمانية.

وهكذا، فإن استخدام وكالات إعادة توطين اللاجئين لمثل تلك النُظم الحسابية يساعدها في تحليل المواصفات الديموغرافية المختلفة، واستخدام البيانات لوضع اللاجئين في أماكن تزيد فيها فرص نجاحهم.

ويقول هينمولر: “إذا كان هناك مصنع لتعليب اللحوم ممن يوظف لاجئين ذكورا من البالغين، وهناك طلب على مثل هؤلاء، فيمكن للنظام الحسابي أن يلتقط ذلك”.

ويمكن التفكير في ذلك بطريقة مُبسّطة، حسبما يقول الباحثون، من خلال استخدام مثال لشابين أفغانيين لهما نفس مستوى التعليم، وفي نفس العمر.

وقد أُرسلا إلى موقعين مختلفين في البلد الجديد، وأحدهما يجد عملاً في المكان “أ”، والثاني لا يجد عملا في المكان “ب”. فيتعلم النظام الحسابي من ذلك المثال، وعند وصول شخص ثالث بنفس الخلفية، يعرف البرنامج أنه يجب أن يرسل هذا الوافد الجديد إلى المنطقة “أ” إذا أمكن ذلك.

وهناك أيضا مراعاة لاختلاف الحالات الفردية، لذلك يدرك الفريق أن المسؤول عن التوزيع يمكن في بعض الأحيان أن تفوته معلومة معينة بشأن توافق الوافد الجديد مع مكان ما، وبهذا، فإن النظام الحسابي يُكمّل العمل البشري، ولا يحل محله بالكامل.

ويقول كيرك بانساك، العضو الآخر بفريق البحث: “تقنيات تعلم الآلة التي نستخدمها مرنة للغاية، حيث يمكنها استكشاف وإيجاد أنماط متكررة داخل بيانات معقدة للغاية”.

وعلى سبيل المثال، لو تم تطبيق ذلك النظام الحسابي في الولايات المتحدة بين عامي 2011 و2016، يعتقد الباحثون أنه كان سيزيد من نسبة التوظيف من 34 إلى 48 في المئة (وهي زيادة بنسبة 41 في المئة)، وفي سويسرا كان سيرفع تلك النسبة من 15 إلى 26 في المئة.

ويضيف هينمولر: “ما نراه هو أن اللاجئين بهذه الطريقة لديهم احتمال أكبر لإيجاد فرص عمل، وسيتعلمون اللغة، ويندمجون بشكل أسرع، ولن يأخذوا بالتالي مخصصات مادية أكثر، سواء للرعاية الصحية أو غيرها، فهم سيصبحون مندمجين اقتصادياً، ويدفعون الضرائب، ويساهمون في المجتمع”.

بالطبع يحتاج الأمر لأبحاث أكثر، لكن فريق البحث يعمل مع الحكومات والمنظمات من أجل تدشين أنظمة تجريبية لاختبار مدى فعالية هذا النظام الحسابي على أرض الواقع.

ويتمنى الباحثون أن تستخدم كل من الولايات المتحدة وسويسرا مع الوقت تلك النُظم المتطورة (التي تتوافر للمنظمات بشكل مجاني حسبما تقول الجامعة) عند مطابقة اللاجئين مع الأماكن المناسبة لهم في وطنهم الجديد.

وقد أبدت الحكومة السويسرية اهتمامها علناً بهذه الفكرة، وفقاً للفريق البحثي الذي يقود أيضا محادثات مع وكالتين لإعادة توطين اللاجئين في الولايات المتحدة لتطبيق ذلك النظام.

ويتمنى باحثو ستانفورد، في حال تطبيق هذه النظم، أن يدعم نظامهم الحسابي القوى العاملة، وأن ينعش الاقتصاد المحلي، وهو ما قد يساعد أمما مختلفة في التعامل مع قضايا سياسية شائكة.

ويختتم هينمولر قائلاً: “لدينا البيانات التاريخية في كل الأحوال، وربما يمكننا أيضاً التعلم منها”.

شكرا للتعليق على الموضوع