مساعد عبد العاطى يكتب : داعش وانتهاك حقوق الأقليات

استطاعت مايعرف بدولة الاسلام في العراق والشام “داعش” إشعال العالم اجمع بجرائمها وفظاعتها،  والتي حولت سوريا والعراق الي عصور الجاهلية بسبب الممارسات اللاإنسانية، حيث لم يشهد المجتمع الدولي اجماعا علي التنديد بحادث او جرم كما حدث لدي اعلان داعش دولتها الاسلامية المزعومة تحت مسمي “الخلافة الاسلامية”.

جاء اعلان دولة الخلافة “داعش” من قبل المتحدث باسم تنظيم دولة الاسلام في العراق والشام ابو محمد العدناني،  وأعلن قيام الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين ومبايعته لابي بكر البغدادي،  ثم تبع ذلك اعلان الوحدة بين داعش وجبهة النصرة اهل الشام في سوريا.

ومن الملاحظ ان داعش والنصرة تنتهجان اسلوبا واحدا لارهاب الناس،  فبعد تنفيذ الاعدامات الجماعية يتم منع دفن الجثث مع الحرص علي إبقائها أطول فترة ممكنة امام المواطنين لخلق حالة من الهلع والارهاب لهم، بالاضافة الي التباهي بقطع الرؤوس منهج جديد ينم عن ارهاب بغيض،  يروج له تنظيم داعش عبر آلته الإعلامية من منتديات ومواقع تواصل اجتماعي.

ومن أنكي الجرائم التي اقترفها تنظيم داعش تلك الجريمة النكراء والمتمثلة في اعدامها لأكثر من ١٥٠٠ شخص من متطوعين مدنيين في الجيش العراقي، كما طال ارهاب داعش النساء حيث تم اجبار نساء الموصل علي جهاد النكاح،  من خلال منح داعش سكان الموصل مهلة طيلة عطلة عيد الفطر المبارك ٢٠١٤،  لتقديم كل فتيات المدينة ل”جهاد نكاح ” جماعي.

اما الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش ضد الاقليات في العراق،  فنجد انه قام بخطف نساء الايزيديات والمسيحيات كسبايا، وتم عرضهن في احدي الاسواق لبيعهن،  كما احتجزت داعش العشرات من العائلات في مطار تلعفر من التركمان والايزيديين والمسيحيين،  ثم قام بعملية قتل جماعي للرجال منهم.

ومن الجدير بالذكر ان داعش قامت بطرد وتهجير قسري لمسيحيي الموصل من أراضيهم وتاريخهم،  حيث اصدر التنظيم الإرهابي بيانا يحمل توقيع “ولاية نينوي “الدولة الاسلامية،  اُذيع عبر مكبرات صوت المساجد خير فيه مسيحيو الموصل بين الاسلام او عهد الذمة – اي دفع الجزية – وفي حال الرفض فليس أمامهم الا السيف – اي القتل – كما تضمن البيان ان ممتلكات المسيحيين ستصادرمن قبل دولة الخلافة وانتهت المهلة في ١٩يوليو ٢٠١٤ ونتج عن هذا التهديد حركة نزوح جماعي من مدينة الموصل.

ولم يقف ارهاب داعش عن هذا الحد بشأن الاعتداء علي الاقليات في العراق،  بل امتد الي الاقليات العرقية والدينية،  وخير مثال علي هذا الاجرام القبيح ما حصل للطائفة الايزيدية عندما سيطرت داعش علي قضاء سنجار في ٣ اغسطس ٢٠١٤،  وقيام داعش بحملة من الاعدامات العشوائية والاعتقالات وحملات التعذيب فيما يرقي الي جرائم التطهير العرقي.

ويمكن القول ان ما يقوم به تنظيم داعش من قتل وارهاب وتهجير قسري للاقليات يدعونا للحديث عن الحماية القانونية المقررة للاقليات بموجب قواعد القانون الدولي العام

فالثابت ان للاقليات انواع عديدة منها اقليات لغوية،  وأقليات دينية وأقليات قومية وآخري عرقية،  ولكل صنف مميزاته وخصائصه المميزة له، كما ان هناك فارقا بين الاقليات وبعض الجماعات القريبة منها كالاجانب والمهاجرين، حيث نجد ان الأجانب هم الأشخاص الذين يعيشون علي اقليم دولة معينة وبصفة موقته ولغرض معين،  بينما الاقليات هم جزء من شعب دولة معينة،  لذا فان لهم حقوق وواجبات.

وقد جاءت قواعد القانون الدولي العام بمجموعة من الحقوق  للاقليات بعضها بوصفهم افرادا وآخري بوصفهم جماعات،  ولكن قبل تبيان هذه الحقوق فإننا نشير ان هذه الحقوق تستند الي مبدأ المساواة باعتباره من اهم المبادئ التي تلعب دورا حيويا ومهما في مجال الحقوق والحريات العامة، فنجد ان اشهر الثورات في العالم، كالثورة الامريكية والفرنسية قد اعتبرت ان مبدأ المساواة هو المبدأ الدستوري الذي يجب ان تشيد عليه جميع المبادئ الدستورية المعنية بالحقوق والحريات،  والاصل ان المساواة تمتاز بالعمومية اي ان تكون مطلقة وشاملة تنطبق علي الجميع دون اي اختلاف،  ولأي سبب كان مما يؤدي الي ان الجميع لنفس الحقوق ونفس الواجبات، وقد نصت علي مبدأ المساواة العديد من الوثائق الدولية أهمها ما ورد في ديباجة ومتن الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في عام ١٩٤٨،  حيث نصت ديباجته علي الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع اعضاء الاسرة البشرية،  ونصت المادة من ذات الاعلان في مضمونها علي ( ان الناس يولدون احرارا متساوين في الكرامة والحقوق )،  كما تبني العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر في عام ١٩٦٦،  والذي دخل حيز النفاذ القانوني في عام ١٩٧٦، التأكيد علي احترام وصون كرامة وحقوق جميع اعضاء الاسرة الدولية.

اما من حيث  انواع الحقوق المقررة للاقليات فنجد ان هناك اولا : حقوق مقررة لهم باعتبارهم افرادا وهي الحق في الحياة والحق في العقيدة والحق في التجمع وتكوين الجمعيات والحق في الجنسية والتنقل والإقامة والامان وايضاً حق التملك والتعليم والعمل والحق في استخدام اللغة،  ثانيا : الحقوق المقررة للاقليات بوصفهم جماعات فتتمثل في الحق في تقرير المصير وهو حق نصت عليه المواد ارقام ١و٥٥ من ميثاق منظمة الامم المتحدة،  وايضاً الحق في الوجود اي حق البقاء في المجتمع كجماعة متميزة،  وعدم ممارسة اي اعمال تهدف الي إبادتها والقضاء عليها، ومن هذه الحقوق ايضا الحق في الحكم الذاتي  والمتمثل في منح الأقاليم التي تضم قوميات او اقليات تختلف عن الأغلبية السكانية في الإقليم،  نوع من الاستقلال بالشؤون الداخلية لتلك الأقاليم.

ونؤكد في هذا المقام علي الأساس القانوني وراء منح الاقليات لتلك الحقوق إنما مرجعه احكام وقواعد القانون الدولي العام، ومن أهمها تلك الالتزامات القانونية الواردة في متن ميثاق منظمة الامم المتحدة الصادر في عام ١٩٤٥،  والذي تبعه انشاء العديد من الأجهزة الدولية التابعة للامم المتحدة والتي أصدرت العديد من الوثائق الدولية المعنية بحقوق الانسان (إعلانات، عهود، مواثيق، معاهدات )،  فضلا عن الوثائق التي وردت إبان عهد عصبة الامم.

 كما نؤكد ايضا هنا علي ان ما يقوم به تنظيم داعش من قتل وفظائع ضد الاقليات في العراق يمثل انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي العام، ويرتب المسئولية القانونية علي هذا التنظيم الإرهابي، وهو الامر الذي دفع بمجلس الامن الدولي، الي إصدار قرارات مباشرة لمجابهة ومحاربة هذا التنظيم،  بل ومعاقبة كل من يقدم اليه العون والمساعدة،  باعتبار ان الجرائم التي يرتكبها تمثل تهديدا مباشرا لحالة السلم والامن الدوليين.

دكتور مستشار : مساعد عبد العاطى شتيوي

شكرا للتعليق على الموضوع