كندة سمارة تكتب : الاستشراق والاستغراب

تجمع العرب مع الغرب علاقة متناقضة، فهم من جهة مصدر معرفي يشغل حياتنا، لكنهم من جهة أخرى مصدر للنقمة السياسية.

وما زلنا في كثير من الأحيان عاجزين عن التوفيق بين العداء السياسي والاهتمام العلمي والثقافي.

عُني المستشرقون الأوربيون والأميركيون ومنذ ثلاثمائة عام بدراسة الشرق، حيث قاموا بتأسيس مراكز لرعاية المستشرقين والعناية بدراساتهم.. وعلى الرغم من رأي البعض بدوافع الغرب في تأسيس تلك المعاهد والتي قد ينطوي بعضها على أهداف سياسية واستعمارية، إلا أنه لا يمكننا إنكار أن بعضها الآخر كان لأسباب علميّة ثقافيّة وحضاريّة.

بقي موقفنا من مراكز الاستشراق موقف المتفرج والمراقب، وبقيت عواصم الاستشراق غربية وغريبة عنا، فمن باريس إلى لندن فميونخ وبرشلونة وغيرها … ضمّت دراساتهم أقساماً عديدة، فقسم لدراسات الشرق الأوسط، وقسم للدراسات الإسلامية، وآخر للدراسات العربية، وأقسام للدراسات السامية واللغوية.

وحتى المستشرقين الذين اعتمدوا قرار السفر إلى بلادنا نجدهم تائهين بين مؤسستين، الأولى المؤسسة الأكاديمية الرسمية، والثانية المراكز والمعاهد الدينية، وكلتاهما لا توجد فيهما أي كلية أو معهد للاستشراق وسيلتقون بمدرسين لا يفهمون مطلبهم، هذا بالإضافة إلى ما سيلحقهم من نظرات الشك.. لم نقم بأي دور فاعل ولم نؤسس أي معاهد لا للعناية بالمستشرقين، ولا حتى لنوازيهم بدراسات تشمل الغرب والاستراتيجيات الاوروبية والأميركية… هذا الغرب الحاضر في حياتنا يومياً، في المقاهي والمطاعم والإعلام واللغة.

فعلينا أن ندرك أهمية فتح تلك المراكز والتأسيس لها، وذلك لنكون جاهزين أكاديمياً وعلمياً بالتحاور والتقدّم بخطاب فكري إلى العالم.

يجب اعتماد مشروع وطني في إطار أكاديمي تكون الجامعات فيه اللاعب الأساسي، وبعده يكون الرهان على الشرفاء في الشرق والغرب الذي سيعكس حتماً نتائج إيجابية. على الرغم من ان الفعل الأكاديمي، قد لا يكون ربحياً، إلا أن نتائجه على المدى البعيد سوف تعكس استثماراً بشرياً في وعي وفاعلية الأجيال القادمة.. فإذا كان “الاستشراق” وكما يعتقد البعض رافداً للغرب ضدّنا، فليكن “الاستغراب” مرجعنا لمقاومته.

التلغراف – ملبورن

اقرأ للكاتبة :

نحن والآخر

شكرا للتعليق على الموضوع