حفتر.. قائد مخضرم ينافس على السلطة وسط رمال ليبيا المتحركة
عندما طار خليفة حفتر، القائد المخضرم الذي قد يصبح زعيم ليبيا المستقبلي، إلى تونس في سبتمبر/أيلول أحضر معه قوات ملثمة مسلحة ببنادق آلية وقاذفات قنابل في استعراض للقوة أثار استنكار خبراء من الأمم المتحدة.
وفي فرنسا وإيطاليا وتونس صافح وزراء ورؤساء في قاعات استقبال فخمة مستحضرا صورة مختلفة: صورة رجل يستعد لتحويل المكاسب العسكرية للجيش الوطني الليبي الذي يقوده إلى نفوذ مدني.
ويصور حفتر نفسه باعتباره شخصا يمكنه إعادة الاستقرار إلى ليبيا بعد سنوات من الصراعات وتخليص البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من الإسلاميين المتشددين وكبح عمليات تهريب المهاجرين إلى أوروبا.
ويصفه بعض من عملوا معه باعتباره رجلا عسكريا مثيرا للانقسام لا يجد وقتا كافيا للسياسة وقد يحاول إعادة البلاد إلى حكم سلطوي وإثارة المزيد من العنف في بلد تسيطر فيه جماعات مسلحة على إقطاعيات خاصة تحرسها بضراوة.
وكان حفتر (75 عاما) حليفا سابقا للزعيم الليبي معمر القذافي وعاد لليبيا قبل سبع سنوات من الولايات المتحدة للانضمام إلى ثورة مدعومة من حلف شمال الأطلسي أنهت حكم الرجل الواحد الذي استمر أربعة عقود.
وبعد حملة عسكرية طويلة في مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية وعد ”بتحرير“ العاصمة طرابلس التي انفصلت عن الشرق منذ 2014. والانتخابات التي تقول الأمم المتحدة إنها يمكن أن تنظم بحلول نهاية العام رغم العوائق الكثيرة قد تكون مسارا آخر لوصوله للسلطة.
ويبدو أن حفتر يسعى للتحوط لتقليل احتمالات خسارته. فقال الشهر الماضي إن الجيش الوطني الليبي لديه ”خلايا نائمة“ يمكنه تنشيطها للسيطرة بالكامل على ليبيا لكن أولويته هي التوصل إلى حل سياسي لتجنب إراقة الدماء.
لكنه قال ”صبرنا له حدود“ في حديث نشرته مجلة جون افريك الفرنسية قبل أن يشير إلى أن ليبيا ليست جاهزة للديمقراطية.
ويقول محمد بويصير وهو مهندس مقيم في الولايات المتحدة كان يعمل مستشارا لحفتر في الفترة من 2014 إلى 2016 قبل أن يختلفا إن حفتر يريد سلطة مطلقة.
وأضاف: ”يريد دخول أحد القصور الكبيرة في طرابلس وان يحكم ليبيا- هذا هو الأمر“.
وقال مكتب حفتر، إنه ليس لديه وقت قريب لإجراء حديث.
*”قوس التاريخ“
كان حفتر ضمن الضباط الذين دعموا القذافي عندما استولى على السلطة من الملك إدريس عام 1969 لكن القذافي نفاه بعد أن قبض عليه أثناء قيادته للقوات الليبية في تشاد عام 1987.
وأقام في فرجينيا خارج واشنطن العاصمة ثم عاد إلى ليبيا عندما اكتسبت الانتفاضة ضد حكم القذافي زخما.
وقال جوناثان وينر المبعوث الخاص الأمريكي السابق لليبيا الذي التقى حفتر عام 2016 ”كان موجودا في البداية مع القذافي… تخلى عنه القذافي فغادر ليبيا لعقود. ويرغب في رؤية قوس التاريخ يصحح“.
وبعد الإطاحة بالقذافي وقتله في نهاية الأمر اختفى حفتر عن الأنظار ليعاود الظهور في فبراير شباط 2014 ببيان بثه التلفزيون يتعهد فيه بإنقاذ البلاد من الاضطرابات.
وفي مايو/أيار من العام نفسه أطلق ”عملية الكرامة“ في بنغازي فدمج قواته غير النظامية مع قوات الجيش ليواجه الإسلاميين المتشددين، الذين يلقي عليهم اللوم في موجة تفجيرات واغتيالات في المدينة الساحلية، وتحالف مسلح سيطر على طرابلس بعد فترة وجيزة.
وانتقل برلمان معترف به دوليا إلى شرق ليبيا وعين حفتر قائدا للجيش في 2015 لكنه لم تصبح له اليد العليا على حملته في بنغازي حتى أوائل 2016 وسط تقارير عن دعم دول أجنبية له منها مصر والإمارات.
*رفض حكومة طرابلس
رفض حفتر حكومة الوفاق الوطني الانتقالية المدعومة من الأمم المتحدة التي تشكلت في طرابلس عام 2016 في الوقت الذي اندلع فيه القتال في بنغازي، قائلا إنها غير منتخبة وتدين بالفضل لمسلحين في العاصمة.
وقال مارتن كوبلر مبعوث الأمم المتحدة السابق لليبيا في حديث في يوليو/تموز 2016: ”أتصل بالجنرال حفتر مرة كل أسبوع لأطلب منه موعدا لاجتماع… لكن رقصة التانجو تحتاج لشخصين“.
وكسبت حكومة الوفاق الوطني وقتا وسط انقسامات سياسية وكسب حفتر أراضي في الشرق واستولى على العديد من الموانئ النفطية في جنوب شرق بنغازي وأعاد فتحها في سبتمبر أيلول 2016 واستبدل رؤساء بلديات منتخبين بعسكريين معينين.
وفي عام 2017 تعززت مكانته على الساحة الدولية فنظمت له جولة على حاملة طائرات روسية في البحر المتوسط في يناير/كانون الثاني. وفي يوليو تموز بعد أسبوعين من ظهوره على التلفزيون بزي عسكري أبيض لإعلان النصر في بنغازي استضافه الرئيس الفرنسي المنتخب حديثا في ذلك الوقت إيمانويل ماكرون في باريس مع فايز سراج رئيس حكومة الوفاق الوطني. وبدأ مسؤولون غربيون بارزون القيام بزيارات منتظمة لقاعدة حفتر في الرجمة قرب بنغازي.
وارتفع إنتاج النفط فوق مستوى مليون برميل يوميا وأغلبه من حقول يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي وتملك شركات أجنبية منها هس كورب وماراثون أويل وكونوكو فيليبس وإيني ووينترشال حصصا فيها.
وعلقت صور ضخمة لحفتر في بنغازي كتب عليها ”وعدت فأوفيت“. وأعد أنصاره التماسا يدعو حفتر لتولي السلطة في البلاد وقالوا إنهم جمعوا مئات الألوف من التوقيعات.
*حدود السيطرة
لكن الأمور أكثر تعقيدا على الأرض.
فالمناطق النفطية سيطر عليها منافسو حفتر لفترة وجيزة والقتال استمر في بنغازي لشهور بعد إعلان النصر.
ووجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات لمحمود الورفلي قائد قوات خاصة مرتبطة بالجيش الوطني الليبي بعد مزاعم عن إشرافه على إعدام عشرات السجناء.
وظلت درنة الواقعة على مسافة 250 كيلومترا باتجاه الشمال الشرقي تحت سيطرة تحالف من الإسلاميين وغيرهم من المقاتلين المحليين رغم تطويق الجيش الوطني الليبي لها وشنه غارات جوية عليها.
ويقول محمد الجارح المحلل المقيم في شرق ليبيا، إن التناحر ظهر على السطح بين القوات الخاصة ووحدات الجيش الأساسية وشبان محليين قاتلوا إلى جانب الجيش الوطني الليبي وألوية السلفيين المتطرفين التي زاد نفوذها في عهد حفتر.
وقال الجارح: ”إنهم ليسوا متفقين… بعد الاعلان عن أن بنغازي أصبحت محررة اختفى العدو المشترك لذلك عادت الآن هذه الخلافات“.
ويقول دبلوماسيون غربيون، إن الدعم الأجنبي لحفتر اهتز كذلك. فقد طبعت له روسيا النقود واستضافته في موسكو لكنها في الوقت نفسه أقامت علاقات مع منافسيه في غرب ليبيا متطلعة لعقود الطاقة والسلاح التي خسرتها في 2011.
وقال مراقبون من الأمم المتحدة في تقرير سري اطلعت عليه رويترز، إن استعراض حفتر لقوته العسكرية في تونس يرقى إلى ”انتهاك خطير لحظر السلاح“ المفروض على ليبيا.
ويقول مسؤولون غربيون، إنه يحافظ على شكليات الضباط من جيله الذين تلقوا التدريب على يد السوفيت ويشككون في صلته بالسياسة.
وقال زائر أجنبي استقبله حفتر عدة مرات وطلب عدم نشر اسمه: ”خطابه يعتمد بالأساس على أن الأمن يأتي أولا والسياسة تأتي لاحقا“.
ويفترض بعض الدبلوماسيين أن وعد حفتر بإجراء انتخابات وطنية يمكن أن يحتويه لكن الافتقار لمرشح قادر على توحيد الصف وعدم تحديث قوانين الانتخابات تجعل من غير الواضح على الإطلاق كيف يمكن أن تجري الانتخابات. ويشككون كذلك في مدى تمسكه بالحكم المدني.
وقال مبعوث أجنبي: ”إنه ليس مقتنعا بالديمقراطية“ مضيفا أن حفتر قال له إنه يعتزم الترشح. وتابع ”يقبل الانتخابات كوسيلة مقبولة للوصول شريطة أن يكون هو الفائز“.
وقال بويصير، إن حفتر أحاط نفسه بمستشارين يدينون بالولاء له وبأقاربه ومنهم اثنان من أبنائه صدام وخالد اللذان حصلا على رتب عسكرية.
وبعض المقربين من حفتر يتهمون بويصير بدعم سيف الإسلام القذافي أبرز أبناء القذافي الذي لا يُعرف مكانه لكن بويصير يقول إن حفتر ينظر إلى سيف الإسلام باعتباره منافسا محتملا.
وانشق العديد من حلفاء حفتر ومنهم المتحدث السابق باسم الجيش الوطني الليبي ووزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني.
وقال أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، إن 90 بالمئة من القوات من الجنود النظاميين ونفى تقارير انه يعتمد على دعم أجنبي وأكد أن المسلحين الذين رافقوا حفتر في زيارته لتونس كانوا لحمايته الشخصية وتم الأمر بالاتفاق مع السلطات التونسية.
وقال إن الجيش الوطني يؤيد الانتخابات وأعلن استعداده الكامل لتأمينها، وفقًا لوكالة “رويترز”.