علاء الأسواني يكتب : هل خسرنا معركة التغيير في مصر ؟!

تنتشر حالة من الإحباط بين الثوريين في مصر لأنهم يشعرون بأن الثورة التي صنعوها تمت سرقتها مرتين.

 مرة عندما خانهم الإخوان المسلمون وتواطئوا مع المجلس العسكري ضد الثورة مقابل وصولهم إلى السلطة ثم في 30 يونيو حدثت موجة ثورية حقيقية طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة ضد رئيس ألغى القانون بالاعلان الدستوري.

عندئذ قفز النظام القديم على الأحداث وأنشأ ديكتاتورية عسكرية قمعية تمثل الثورة المضادة. فهل خسرنا معركة التغيير في مصر وانتهى الأمر؟ بعيدا عن الشعارات والعبارات العاطفية سنحاول الإجابة ببضع حقائق موضوعية:

أولا: طبيعة الثورة                                                  

الثورة لحظة فريدة في السلوك الإنساني ينسى فيها الناس مصالحهم الشخصية ويكونون على استعداد للموت من أجل تحقيق الحرية والكرامة.

الثورة تختلف عن الاحتجاج على قرار معين أو الانتفاضة من أجل تحسين ظروف المعيشة، الثورة تستهدف تغييرا جذريا للدولة والمجتمع.

 إن عبارة “الشعب يريد اسقاط النظام” التي رددها الملايين في ثورة يناير لم تكن تعني فقط تغيير حسني مبارك وانما إسقاط كل الطرق القديمة في التفكير والسلوك.

 38 في المائة من المصريين أعمارهم تقل عن 35 عاما.

هؤلاء الشباب ثاروا ليس فقط لأنهم يرفضون الأوضاع، وانما لأنهم يرفضون طريقة آبائهم في التعامل مع هذه الاوضاع.

 بينما الآباء يرون الحل في الحصول على عقد عمل في الخليج من أجل تكوين الثروة، كان شباب الثورة يرفضون الحلول الفردية ويصرون على تغيير بلادهم بأيديهم.

 إن نظام السيسي ينكل بالأسماء المعروفة من الثوريين فيلقي بهم في السجون ويسعى لكسر إرادتهم بالحبس الانفرادي والتعذيب.

اللواءات حكام مصر لا يفهمون أن التعذيب قد يقضي على حياة الثوري لكنه لا يقضي على الثورة لأنها فكرة والأفكار لاتموت.

إن الملايين الذين أجبروا حسني مبارك على التنحي وأجبروا المجلس العسكري على محاكمة مبارك لازالوا على قيد الحياة وهم موجودون في كل أسرة وكل مدينة وكل قرية وكل حي.

 إن المستقبل سيكون ملكا لهؤلاء الشباب وليس ملكا للحكام المسنين بحكم قوانين الطبيعة والتاريخ.

ثانيا: دياث مقابل السيسي  الديكتاتور بروفيريو دياث(PORFIRIO DIAZ )

حكم المكسيك بقبضة من الحديد منذ 1884 وحتى 1911 وعندما تولى السلطة دعا إلى اجتماع حضره كل الوزراء  ثم أمسك بيده اليسرى رغيف خبز  وبيده اليمنى عصا غليظة وقال للحاضرين:

– ها هي طريقتى في الحكم: هذا الخبز سيكون في متناول جميع المواطنين ولكن أي مواطن يطلب أكثر من الخبز سأهوى بهذه العصا على رأسه.

كانت هذه معادلة دياث: أن يحرم الشعب من حقوقه السياسية ويمنحه فرص العمل والسكن والتعليم.

 لقد طبق حكام كثيرون معادلة دياث فاستقروا في الحكم سنوات لكن نظام السيسي لا يطبق معادلة الخبز أوالعصا و إنما يطبق معادلة العصا أو العصا.

 إنه يغدق الامتيازات على الفئات التي يعتمد عليها في فرض سيطرته بينما لا يهتم بمعاناة غالبية الشعب، لأن ماكينة القمع الجبارة كفيلة بسحق كل من يفتح فمه ليعترض على الظلم.. الإعتماد على القمع وحده لم ينجح قط في تثبيت أي نظام سياسي كما أن الإفراط في قمع الناس سلاح ذو حدين، ففي لحظة ما سيدرك الناس أن القمع سيقع عليهم في كل الاحوال ولن يكون لديهم ما يخسرونه.

  ثالثا: تاريخ صلاحية البروباغندا                                   

يستعمل نظام السيسي ماكينة دعائية (بروباغندا ) من الطراز القديم تقوم على السيطرة الكاملة على الاعلام وتوجيهه واعطاء مساحات إعلامية لمجموعة من “الموجهين السياسيين” الذين يشرحون للشعب جوانب عبقرية الزعيم وخطورة المؤامرات التي يصنعها الخونة والعملاء (وهم بالطبع كل من يعارض الزعيم أو لا يعترف بعبقريته).

هذا النوع من البروباغندا كان شائعا منذ عقود واستعملته الأنظمة النازية والفاشية والاشتراكية والبعثية والناصرية، لكنه ببساطة لم يعد صالحا في زمن ثورة الاتصالات.

لقد أنفق نظام السيسي المليارات على البروباغندا حتى يشكل أذهان المصريين بالمواصفات المطلوبة، لقد نجحت البروباغندا قليلا في البداية لكنها الآن تفقد صلاحيتها يوما بعد يوم، لأن المواطن يستحيل أن يصدق دعاية النظام ويكذب معاناته اليومية كما أن نسخة البروباغندا التي يطبقها نظام السيسي رديئة فعلا فالموجهون السياسيون الذين يطلون علينا كل ليلة من التليفزيون بدلا من أن يكونوا صناعا للرأي العام تحولوا إلى شخصيات كاريكاتورية تثير ضحك المشاهدين وتندرهم.

إن الثورة المصرية لم تحقق الديمقراطية حتى الآن، لكنها أحدثت وعيا جديدا في المجتمع ومنحت المصريين رؤية جديدة للعالم جعلتهم يعيدون النظر في كل شيء، بدءا من تقديسهم الخاطئ لدعاة دينيين تبين أنهم دجالون وحتى اكتشافهم أن الفساد في كل مكان حتى إدارة كرة القدم وإدراكهم أن مصر لن تتقدم الا بفصل الدين عن الدولة وعودة العسكريين إلى ثكناتهم. هذه دروس الثورة التي علمتنا ماذا نريد وكيف تكون الدولة التي سنؤسسها.

يقول المؤرخون إن “المعاصرة حجاب” بمعنى أننا عندما نعاصر الأحداث تقل قدرتنا على رؤيتها في سياقها التاريخي.

 إن الثورة قد لا تحدث لكنها لو حدثت لا تنهزم أبدا ويستحيل أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة.

إن بضع سنوات في حساب التاريخ مجرد لحظة لا تكاد تذكر في عمر الشعوب.

إن من يحكم مصر الآن لم يقرأوا التاريخ وسوف يتعلمون قريبا أن الثورة يستحيل القضاء عليها لأنها قد تتعطل أحيانا لكنها في النهاية لابد أن تنتصر وتحقق أهدافها.

مقاله لـDW عربية

شكرا للتعليق على الموضوع