مصطفى جودة يكتب: الدولة اليهودية “الفكرة الأولى «2ــ2»”

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

الأمر يعتمد على اليهود أنفسهم إذا ما قدر لهذا الكتيب السياسى أن ينجح. إذا كان الجيل الحالى خاملا فإنه يصبح مجرد عاطفة، وسيأتى جيل أفضل وأكثر فهما له، وأن الذين يشتاقون لدولة لهم سيحصلون عليها ويستحقونها.

بهذه الكلمات اختتم هرتزل مقدمته لكتابه الأشهر والمعنون الدولة اليهودية والذى عرضناه عرضا عاما فى الأسبوع الماضى. لقد وضع كل أحلامه فى ذلك الكتاب.

 يقول فى الفصل الأول المعنون الفصل العام للكتاب ويبدأه بطرح فكرته الأساسية بخصوص المسألة اليهودية ومعاداة السامية، يعرض فكرته بعاطفة تبدو صادقة ومقنعة لقرائه الغربيين ومحفزة وخالقة للتحريض لليهود ببراعة وإيمانا منه بأفكاره الإستراتيجية التى يطرحها مستخدما المفهوم العلمى الذى ذكرته فى المقدمة وهو مفهوم القوة الدافعة أو الطاقة المتاحة لإحداث التغيير وتحقيق فكرته. يقول إنه لا يمكن لأى إنسان إنكار حالتى الاضطهاد والعنصرية اللتين يعانى منهما اليهود، وأن الادعاء أحيانا بالمساواة فى الحقوق والمنصوص عليه فى القوانين لا يطبق عندما يتقدم اليهودى لوظيفة مدنية أو عسكرية وأنه توجد كراهية دفينة ضد اليهود فى البرلمانات والاجتماعات والصحافة والشوارع والرحلات وأماكن العبادة وحتى فى الأماكن الترفيهية، وأنه يوجد الكثير من الحالات فى مجال التجارة والتى سببت الإفلاس للكثيرين منهم لأن الناس لا تريد التعامل معهم. ثم يتساءل: أليس حقيقيا أنه فى البلاد التى يوجد فيها وجود يهودى كثيف فإن المحامين والأطباء والتكنولوجيين والمدرسين والموظفين من كل الأنواع من اليهود يعانون من السخط والعنصرية؟. أليس صحيحا أن كل سخط الجماهير والغوغاء دائما يوجه ضد الأغنياء اليهود؟.

أليس صحيحا أن الفقراء منا يعانون أكثر من غيرهم من الطبقات المعدمة الأخرى؟. إنى أعتقد أن تلك المعاملة توجد فى كل الأمكنة وأن الجميع يريدون التخلص من اليهود. بعد طرحه تلك الأسئلة الثلاثة يعرض فكرته الأساسية بطرح سؤال آخر: هل يجب أن نغادر ونهاجر، وإذا ما قررنا المغادرة فإلى أين نذهب؟.

ثم يضيف أن كل المحاولات السابقة كانت مجرد حلول عبثية رغم صدق النوايا، وذلك لأن المعاداة للسامية راسخة وأنه لا يمكن التغلب عليها والتعامل معها طالما أن الأسباب الخالقة لها ما زالت قائمة على أصولها. ويضيف أن الضغط الممارس ضدنا لا يجعلنا أفضل لأننا مثل غيرنا، غير أننا نختلف عن الآخرين بأننا لا نحب أعداءنا. بعد ذلك يطرح خطته الإستراتيجية لإنشاء الدولة العبرية ويصفها بأنها عملية بسيطة ويلخص الأمر بقوله: إذا ما منحنا جزءا كافيا على سطح الأرض لتحقيق حقوقنا المكفولة لنا كأمة، فإننا سنتكفل باستكمال الأمر بعدها بأنفسنا. نحن ندرك أن خلق دولة جديدة ليس أمرا هينا أو مستحيلا، وستساعدنا فى ذلك كل الحكومات التى توجد بها عداء للسامية.

الخطة بسيطة فى تصميمها ومعقدة فى تنفيذها، وستقوم بتنفيذها وكالتان هما الجمعية اليهودية والشركة اليهودية، ولا يجب أن تحدث هجرة اليهود بين عشية أو ضحاها ولكن نتوقع حدوثها عبر عقود كثيرة. فى البداية يذهب الفقير ليصلح الأرض وينشأ الطرق والكبارى والسكك الحديدية وخطوط التلغراف وتنظيم الأنهار وبناء المساكن، وستنتج أعمالهم تجارة تجذب بدورها المستوطنين. بعد هؤلاء ستهاجر الطبقة الأعلى، ويتعين على كل الداعمين لفكرتنا أن يصطفوا خلف راية الفكرة. ثم يقول إذا ما قررت القوى العظمى منحنا الاستقلال لنكون دولة محايدة فإن الجمعية اليهودية ستتولى المفاوضات بخصوص الدولة التى سيتم اختيارها لتكون وطنا لنا، ويوجد حاليا مكانان تحت الاعتبار هما فلسطين والأرجنتين، وسنمنح حكام البلد التى سيتم اختياره مميزات عظيمة، كما أن خلق دولتنا سيكون ذا فائدة عظيمة للدول المجاورة لنا. بالنسبة للأرجنتين فإنها دولة خصبة ومعتدلة المناخ وستجنى الجمهورية الأرجنتينة أرباحا طائلة جراء تنازلها عن جزء من حدودها لإنشاء الدولة العبرية. أما فلسطين فإنها وطننا التاريخى الذى لا ينسى ومجرد ذكر الاسم سيكون أمرا محفزا وعظيما لمواطنينا، لو قرر جلالة السلطان منحنا فلسطين فإننا سنرد المعروف بتنظيم كل الأمور المالية لتركيا.

ينتقل بعد ذلك لشرح وتشخيص الشركة اليهودية وأنها هى التى ستتولى عملية شراء الأراضى وأنها ستكون مسجلة فى البورصة وستخضع فى إدارتها للقوانين الإنجليزية.يلى ذلك تخصيصه فصلا كاملا للجمعية اليهودية والدولة اليهودية وأنه سيكون للجمعية دور علمى وسياسى فى إنشاء الدولة اليهودية. ستكون الجمعية موسى الجديد، وستقوم بجمع كل الوثائق والإعلانات والجماعات والجمعيات اليهودية سواء كانت مكتوبة أو تفاصيل اجتماعات أو خطابات أو كتابات فى الصحف والكتب.

كما أنها ستحدد عما إذا كان اليهود يرغبون فى الذهاب الى أرض الميعاد. أيضا ستقوم الجمعية بتعيين مجلس تشريعى للدولة، ونتيجة حياد الدولة اليهودية فإن الجمعية على اقتناع بذلك وأنها بالتالى ستكون جيشا حديثا تقتصر مهمته على حفظ النظام بالداخل والخارج. وحيث إنه لا يوجد علم حتى الآن فإنه يقترح علما أبيض به سبع نجوم ذهبية، سيمثل اللون الأبيض حياتنا الجديدة النقية وتمثل السبع نجوم الذهبية عدد ساعات العمل بتلك الدولة. ستتولى الجمعية وضع القوانين للدولة وأهم ما فى تلك القوانين أنه فى البداية سيعامل اليهودى طبقا لقوانين البلد التى هاجر منها حتى تنتهى الجمعية من صياغة قانون موحد.

يخلص بعدها الى فصل التلخيص والاستنتاجات أن اليهود فى دولتهم الجديدة سيكون لهم أعداء متربصون، غير أنهم بمجرد استقرارهم بدولتهم لن يفرقوا ويبعثروا، وان الشتات لن يتكرر بعدها أبدا. فلنعش أخيرا كرجال أحرار أغنياء بثرواتنا وكبار بعظمتنا وأننا سنعمل على تحقيق السعادة وجودة الحياة لكل الجنس البشرى.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: الدولة اليهودية “الفكرة الأولى «1ــ2»”

شكرا للتعليق على الموضوع