إبراهيم رجب.. القمرى اللى زقزق على ورق الليمون
«درجن درجن» و«زوزو» و«البيه البواب» أشهر أعماله السينمائية
«ابن المكوجى» الذى غنى له العندليب «يا بلدنا لا تنامى»
فى العاشرة من عمره عمل فى أغرب مهنة فى العصر الملكى.. «جروم» لسيارة الأميرة حورية حمدى
تقارير – التلغراف : واحنا على باب الرجولة.. كنت أجدنى مبهوراً بصوت محرم فؤاد.. وأشعر بأن به “حشرجة” لا بد منها فى أصوات الرجال.. لم يكن سمعى يستريح على الإطلاق لصوت عبدالحليم حافظ.. ولا من جاءوا بعده من نفسى العينة، رغم نجوميتهم الطاغية ورغم إعجاب معظم أصدقاء تلك الفترة بهم.. ورغم إعجابى أحيانا بكلمات وألحان يغنونها.
ومرت سنوات طويلة وأنا لا أعرف تعبيراً مناسباً يصف تلك المساحة فى الصوت البشرى الذى يخطف سمعى دون سواه، حتى فاجأنى الخال عبدالرحمن الأبنودى فى جلسة غداء “عكاوى” فى منزله بالإسماعيلية بأنه وهو فى سنى فى بلدهم أبنود كان يحب “الأصوات الحرشة”، مثل كارم محمود ومحمد قنديل وسيد إسماعيل.
لحظتها فقط شعرت بأن “الأصوات الحرشة” هذه نطت من “صحن العكاوى” إلى آخر حدود ذاكرتى.. لتكشف لى سر محبتى لصوت محرم فؤاد.
فى المعاجم العربية يقولون إن “حرش” اسم ومعناه خشونة، فيقال “ثوب حرش” أى به خشونة، وإنها أيضاً من الفعل حرش أى خدش.. ويقال حرش الدابة أى حك ظهرها لتسرع.. ويقال أيضاً إنه أثر الجرح “يبرأ فلا ينبت مكانه شعر أو وبر”.. ولا تبتعد كل هذه المعانى كثيرا عما كنا نعرفه ونحن أطفال فى الصعيد، فيقال “فاكهة حرشة” أو “نومة حرشة” أى خشنة الملمس من “كليم الصوف”.
المهم أننى كنت أحب ذلك الصوت الحرش.. وأحب إحدى أغنياته “الحرشة” التى كتبها الخال.. وأرى فيها تعبيرا ملائما لأحلام صبى صعيدى عن “فتاة أيامه المقبلة”..
أنا عايز حبيبة
يكون قلبها عليا
ترسم لى على الطاقية
قلب ويمامة ودار
أما تلك الصورة البديعة التى كنت وما زلت أحسبها من “علامات” الخال.. فهى:
يبقى لنا بيت صغير
وقمر أخضر ينور
ووله دايما يدور
عن حاجة يدشها
كانت صورة الطفل الذى يبحث عن أى شىء ليكسره تبدو لى من روح ولحم ودم.. وتبدو لى أمه “مثل أمى” أو مثل بنات قريتى اللاتى نراهن.. لكن كان يحيرى أمر “القمر الأخضر”.
يبقى أخضر إزاى بس يا خال أبنودى؟!.. وأجابنى صديق تلك الأيام حسام همام “عادى.. ادخل جوه الزرع وبص للقمر هتشوفه أخضر أو طشاش أخضر على عينك وبص.. أو اشترى نضارة بلاستيك خضراء ملونة.. وهتشوفه كده”.
كنت أيامها مشغولا بالمفردات.. تسحرنى ألعاب الكلمة.. وظللت لسنوات أترقب نهاية الأغنية فى الراديو لأعرف اسم ملحنها.. فقد بلغ إعجابى به مداه لأنه استطاع أن يلحن كلمة “يدشها” بهذا الشكل.. وعرفت فيما بعد أن اسمه “إبراهيم رجب” لكننى لم أكن أتصور أبدا أننى بعد عشرين سنة من ذلك الوقت سأجلس إليه وأسمع له ومنه ويلحن لى كلاما “حرش” أكثر من “يدشها”!
يا تداوى جروحى يا بلاش
عندما نجحنا فى الإعدادية بمجموع كبير اتفرعنا.. وقررنا الذهاب إلى المدينة لنبحث عن مدرسة ثانوى.. كنا فى عام 1984 ولم تكن قريتنا قد بنيت فيها مدرسة ثانوى.. وكانت وسيلة المواصلات من القرية إلى المدينة هى عربات “البيجو” سات السبعة مقاعد.. وبمجرد أن انحشرنا فيها وانطلق السائق مد يده إلى كنزه الجديد.. قالها لى وهو ينظر ناحيتى.. فقد جاء به من العتبة طازة.. شريط كاسيت جديد من “نجمة العتبة”.. وحاولت أن ألمح اسم المطرب لكنه كان قد خبأ الشريط خوفا عليه من الغبار، أو ربما أراد لفت نظرنا إلى أهمية ما جاء به.. وفجأة انطلق الصوت الخشن جدا:
“يا بلاش يا تداوى جروحى يا بلاش
جميل فى رسمك عرض وطول
ما جرحنى إلا عيونك دول
أصل المحبة مش بالقول
يا تداوى جروحى يا بلاش”
وانتبهت إلى سحر خاص جدا فى ذلك الصوت الذى يغنى، وفى الآلات المصاحبة له.. راجل بيغنى شبه الرجالة اللى من طينتنا.. واستمر صاحبنا يقطع الطريق بغباره، لم يكن هناك رصف بعض، فيما استمر ذلك الصوت يرصف فى قلوبنا طريقا آخر..
“جدف يا مراكبى وعدينا
وع البر التانى رسينا
فى الشمس الحمرا اسمرينا
وف ليل الغربة مرينا
وجينالك يا مراكبى يا عترة
قاصدينك لجل تودينا
يادى النهار اللى مش فايت.. شمس حمرا طب جابها منين دى؟.. ووصلنا للموقف وجاء موعد دفع الأجرة وأصررت ألا أعطيها للسائق إلا بعد أن يخبرنى عن ذلك الرجل النواح.. فقال: “اسمه محمد حمام.. والشريط مش بيتباع غير عند نجمة العتبة فى العتبة”!
وكان أول ما فعلت عندما هبطت قدمى للقاهرة أول مرة أن ذهبت إلى العتبة أبحث عن النجمة ووجدتها.. ووجدت كل أشرطة محمد حمام.. وبمجرد أن فتحت الغلاف كان اسمهما معا “كلمات عبدالرحمن الأبنودى.. وألحان إبراهيم رجب”، فمن هو ذلك الملحن الذى لم أعرف به من قبل؟.. كنا لا نعرف غير السنباطى وعبدالوهاب وفريد الأطرش والموجى وبليغ إلى حد ما.. دى الأسماء اللى الراديو كان بيذيعها ويسبقها بلقب ملحن.. إنما إبراهيم رجب مين ده؟!
الناس كتيرة ليه
منذ اللحظة الأولى التى رأينا فيها أحمد زكى ممثلا فى مسلسل “الأيام”.. أحببناه.. ورحنا نحجز مقعدا فى أى سينما تعرض أفلامه.. ومدينة سوهاج وقتها كان فيها سينما قصر الثقافة، وسينما الحرية “تم هدمها الآن” وسينما أوبرا.. وكانت كل سينما منها تعرض ثلاثة أفلام فى اليوم، وكان “البيه البواب” أحدها.. بعد العرض تقريبا خرجت نصف السينما تغنى “أنا بيه أنا بيه أنا بيه”.. لكننى لم أفعل.. ربما لأننى لم أقتنع بقدرة أحمد زكى على الغناء.
كنا فى نهاية عام 1989 على ما أعتقد.. ورغم عدم إعجابى باللحن ولا الكلمات.. فإنها ظلت تطن فى أذنى لسنوات:
الناس كتيرة ليه
هوه النهارده إيه
يوم الخميس كان بكرة
يبقى الثلاث كان إيه
واكتشفت حينما أدركت تلك التطويعة المقصودة فى اللحن للتعبير عن حالة السكر التى كان عليها عبدالسميع البواب أن عمنا إبراهيم رجب هو نفسه من صاغ ذلك اللحن.. فرحت أفتش عن أغنياته فى عالم السينما.. لكننى لم أجد ما أبحث عنه وقتها.. وفجأة أخرج داود عبدالسيد فيلمه البديع “الكيت كات” وعرضته السينمات.. وكانت تلك التحفة التى كتبها سيد حجاب، وغناها محمود عبدالعزيز مع شريف منير، وكنت أخمن فى البداية أنها من ألحان سيد مكاوى، وكانت مفاجأتى من جديد.. أن “درجن درجن” من ألحان إبراهيم رجب:
ياللا بينا تعالوا
نسيب اليوم بحاله
وكل واحد فينا
يركب حصان خياله
درجن درجن
أظن أنكم مثلى تتذكرون الآن أنها كانت أغنية على العود فقط، لا توجد موسيقى ولا آلات.. وفقط صوت الشيخ حسنى الحرش:
فيه جلد كان جمل
وجلد كان حمل
وأهو كله بيتعمل
جزمة وحزام وشنطة
فيه جلد مالهش لون
وجلد بألف لون
لو تغسله بصابون
يطلع لونه أونطة
سيبك من البغبغة
وسباغة المسبغة
وبص بص شوف
شوف الناس والظروف
يمكن تلقى الديابة
لابسة فروة خروف
يمكن تلقى الغلابة
فى أول الصفوف!
انتم تشاهدون الموسيقى الآن أليس كذلك؟!.. وهذا ما حدث معى لأيام.. فرحت أفتش عن الرجل، ولكن بعين الصحفى هذه المرة.. فقد كنت دخلت بقدمى إلى عتبتها الأولى وكان أن عرفت أنه أحد أهم ملحنى جيل الستينات فى مصر، وأنه يعيش فى منزل بسيط بمنطقة السيدة زينب، وأن رحلته مع التلحين بدأت من مسرح العرائس.. وأنه صاحب “مجاريح” لمحمد رشدى، و”بيوت السويس″ لمحمد حمام، و”يا بلدنا لا تنامى” لعبدالحليم، و”تعيشى يا بلدى يا بلدى تعيشى”، وعشرات من الأغنيات لمحمد قنديل وشريفة فاضل وماهر العطار.. وسعاد حسنى.
قصر السلطان.. حجرة فضة وحجرة مرجان
هل سمعت عن الأميرة حورية محمود حمدى؟!.. أنا لم أكن قد سمعت.. ولم أكن أعرف أن زوجها هو ابن الخديو إسماعيل.. لكننى عرفت أن عمنا الموسيقار إبراهيم رجب هو الذى لحن تلك المقدمة المدهشة لمسلسل على الزيبق والتى تقول:
قصر السلطان عالى البنيان
حجرة فضة وحجرة مرجان
وأراضى بتاع ألفين فدان
اسمها بستان
مليان أجراس مليان حراس
وقلوب مالهاش شبابيك وبيبان
جدران تولد فى الليل جدران
وده كله واقف على عمدان
أمال ازاى يبقى السلطان؟!
تلك الأغنية التى كانت فى بداية مسلسل “على الزيبق” الذى كتبه يسرى الجندى عن السيرة الشعبية المعروفة وقام ببطولته فاروق الفيشاوى، تلك الأغنية كانت تتحدث عن سلطان، وقصره، لكنها حتما لم تكن تتحدث عن ذلك القصر الذى عمل فيه إبراهيم رجب وهو طفل فى أغرب مهنة سمعت عنها فى حياتى “جروم”.. فهل تعرف يا صديقى الذى يحب عصر الملكية ماذا تعنى هذه المهنة.. ولماذا كان يعمل فيها الأطفال؟!.
عمنا إبراهيم يشرح لكم: “كانت الأسرة الملكية تستعين بطفل وسيم وتجعله يرتدى بدلة سموكن وبابيون، ويجلس بجوار السائق، وكل مهمته أن يفتح للأمير أو الأميرة باب السيارة بكل أدب”.
هذه الأميرة التى تقول المصادر ومنها كتاب “نساء الأسرة العلوية” أوقفت ما يعادل ألفى فدان لأعمال الخير. هذه السيدة الحنون وقعت من السيارة بعد أن فرمل سائقها بغشم.. فما كان منها إلا أن طردت الطفل إبراهيم رجب، الذى اضطرته ظروف أسرته إلى العمل كصبى ميكانيكى مرة.. وفى محل طرابيش.. وفى ذلك القصر الذى كان أحد أفراد أسرته يعمل به “مكوجيا”.
إبراهيم رجب حين كان يحكى لى ذلك الموقف.. وتلك الأيام.. لم يكن فى ذهنى سوى لحنه “قصر السلطان” وكلمات الأبنودى فى لحن النهاية:
حكموكى ما حكموكى
برضه المصرى مصرى
والمملوك مملوكى
اوعى تباتى حزينة
يا حرة يا زينة
لو ربطوا إيدينا.. بكرة
بكرة نحرروكى
م السلطان والوالى والعبد المملوكى
وتحررت مصر من كل هؤلاء.. وجاءت الثورة التى غنى لها إبراهيم رجب فى أول ما كتب سيد حجاب من أغنيات لصوت ماهر العطار:
ياما زقزق القمرى
على ورق اللمون
علشان بلدنا يا وله
وجمال بدلنا يا وله
كله يهون.. كله يهون
الغريب أن هذه الأغنية الشعبية تم منعها من أيام السادات. وسبب المنع “نكتة”.. آه والله نكتة.. لقد ظن المسئولون فى بداية عصر الرئيس السادات أن الأغنية تقول “وجمال بلدنا يا وله” يعنى جمال عبدالناصر.. فمنعوها من الإذاعة مثلها مثل كل أغنيات فترة الخمسينات والستينات الوطنية والتى لم تعد للوجود إلا بعد عام 1983.
القمح زى الفلاحين
كانت أول أغنية يلحنها إبراهيم رجب من كلمات صلاح جاهين الذى صادقه مع الشيخ سيد مكاوى الذى كان يصحبه رجب لسنوات حتى فى “الفرجة على السينما”..
تلك الأغنية هى “القمح مش الدهب.. القمح زى الفلاحين”.. تلك البداية مع هذا النوع من الأغنيات الشعبية الشيك، هى التى أخذت ابن حى البقالة إلى عالم شعراء العامية الكبار وفى مقدمتهم فؤاد حداد الذى لحن له حلقات شاعر عباد الله، التى شارك فى غنائها عدد كبير من المطربين الشعبيين فى مقدمتهم قنديل ورشدى الذى غنى له أيضاً “مجاريح”:
كان لى غزال والغزال
له سنة سلطانى
وشرخة العين كده
والضحكة آه يانى
كان لما يدخل عليا
يدخل معاه المى
وفى يده ياخد ايديا
أفتح له أحضانى.. الخ
هذه الأغنية كتبها الأبنودى فيما هو أقرب للحكاية الشعبية ذات النفس الملحمى.. وكان من المفترض أن يضمها فيلم “شفيقة ومتولى” فى البداية عندما كان أبطاله سهير المرشدى ومحمد رشدى.. ومخرجه ومنتجه سيد الطباخ.. الذى جاء بسعاد حسنى ثم اختلف معها وذهبوا للمحكمة وتوسط يوسف شاهين لحل الأزمة فاشترط المنتج المخرج أن يقوم شاهين نفسه بإخراج الفيلم.. ووافق الرجل الذى طلب تغيير السيناريو على يد صلاح جاهين الذى كتب الأغنيات والسيناريو.. ولم يعد الأبنودى ولا رجب ولا رشدى موجودين.. لكن بقيت الأغنية:
والله غلابة اللى راحوا
واترموا فى الهوى
لم ليهم طبيب ولا دوا يابا
دول مجاريح يابا
دمع وتفاريح والله وغلابة
راجعين لغيطك يا زتونة
قبيل هزيمة الخامس من يونيو 1967 بأيام كتب محمد العجمى وغنت عزيزة عمر.. ومن بعدها المجموعة وشريفة فاضل.. لحنا غزله إبراهيم رجب من التيمات الشعبية.. فى حارات السيدة:
تعيشى يا بلدى وزرعك أخضر وهندى
تعيشى يا بلدى وعلمك مرفوع على يدى
تعيشى اسمك فى الكون ينادى
تعيشى ومكنك شغال طوالى
تعيشى يا بلدى يا بلدى تعيشى
وعقب النكسة جاءت الأغنية التى كانت قد تم تسجيلها قبل أيام إلى ما يشبه النشيد القومى، وغناها كثيرون ضمن أول أغنيات تحدى الهزيمة.. وقبل أن يصنع الأبنودى أغنيته الأشهر “عدى النهار”..
يا ولدك وناسك دهب.. يا بلدنا
رملك وطينك دهب.. يا بلدنا
عينك وبلحك دهب.. يا بلدنا
شمك وقمرك دهب.. يا بلدنا
وقتها عاد الأبنودى من هجرته إلى السويس وكتب “يا بيوت السويس” ولحنها إبراهيم رجب وغنى محمد حمام على أنغام السمسمية:
هيلا هيلا يا بلديا
شمر دراعاتك الدنيا أهيا
إن باعوا العمر فى سوق المنية
رفاقه هنروح السوق نجيبه
ونعود ونغنى ع السمسمية
ليكى يا مدينتى يا اللى صمدتى..
يا بيوت السويس
ومن كلمات محمد العجمى.. لحن مجددا لشريفة فاضل أجمل أغنيات المهجرين
راجعين لغيطك يا زتونة
راجعين لبيتنا وأرض أبونا.. يا زتونة
ماتقلقش علينا يا شجر بلدنا
جايين نقطف خيرك
جايينك فى ميعادنا
راجعين للشمس الدهبية
وهنزرع شجر الحرية.. راجعين
ورغم أن مؤلف الأغنية محمد العجمى إسكندرانى وهو بالمناسبة زوج خالة المطربة أنغام.. فإنه نقل أشواق مهجرى القناة وكان منهم.. وهذا ما فعله إبراهيم رجب الذى عاش حياته كلها فى مصر القديمة المنطقة الشعبية ولم يغادرها إلا لسنوات عمل فيها مدرسا فى طنطا.
وفى واحدة من أكثر الأغنيات التى تفسر قدرات إبراهيم رجب اللحنية وتنوعها يغنى سلطان الأغنية الشعبية فى السبعينات وما بعدها أحمد عدوية من كلمات صلاح جاهين.. ومن لم يستمع لتلك “النادرة” من المؤكد أنه سيتذكرها لو تذكر فيلم “أنا المجنون” الذى قام ببطولته عادل أدهم وأخرجه نيازى مصطفى:
مجنون مجنون سيبونى
مجنون وسعيد بجنونى
واللى بحبه ما اتوب عنه
حتى ولو لو دبحونى
ذلك الرجل البسيط الذى لحن لفؤاد حداد وجاهين وحجاب والأبنودى وعشرات غيرهم من كبار ثوار مصر.. تصادف أن لحن لى قبل أن ألتقيه.. عبر أغنيتين فى مسلسل “أجنحة الشمس” من إخراج إبراهيم الشوادى.. إحداهما عبارة عن “إعلان” درامى يؤديه رامز جلال وحنان شوقى.. وهو مجرد محاكاة لأغانى الإعلانات وقتها.
وحينما التقيته ليحكى لى قصة تلحينه لـ”تحت الشجر يا وهيبة” قبل عبدالعظيم عبدالحق تحفظ فى البداية.. ولما عرف أننى نفس الشخص لذى لحن من كلماته دون أن يراه تحولنا إلى صديقين.. وحكى لى كيف أنه لحن الأغنية وسجلت وأذيعت فى التليفزيون بصوت فكرى محمد وهو مطرب من الدرب الأحمر تم اعتقاله أيام عبد الناصر بتهمة الانتماء للإخوان.. وأن الأبنودى أعاد تلحينها وتقديمها مع رشدى بعد عام كامل.
المهم حكى لى الرجل الذى كان يحب زواره فى بيته فى “سكة راتب” فى السيدة.. حيث منعه الأطباء فى السنوات الأخيرة من ممارسة العزف على العود أو التلحين.. فجاءت له ابنته التى تعيش فى الخارج بجهاز يحول شرائط الكاسيت إلى سيديهات.. وتحول هو إلى “مهندس صوت” يقوم بنقل ما هو موجود على الأشرطة من ألحان تفوق الألفين ليسهل إتاحتها لجمهوره وللناس أجمعين عبر الإنترنت.. من هذه الشرائط أهدانى مجموعة من الأغنيات التى لم تصدر بعد.. ومنها لحن “ليل” وهو إعادة صياغة لأغنية سابقة كتبها الأبنودى ولحنها جمال سلامة لعماد عن الحليم
مانيش خاين
ولا باين عليا هاخون
وأخون إزاى
وأنا العاشق
أنا المجنون
جن إبراهيم رجب منذ كان طفلا فى قصر الأميرة حورية بالناس، بالحوارى، بالشعب.. فجاءت أغنياته مثل “وشوش الغلابة”.. حادقة، ومثل أياديهم وأصواتهم “حرشة”، ولهذا نظل نغنى معه وله..
ولا غنى ولا صيت
وكأنى بسيط
ومعايا الشمس مراية
الأرض سراية وأغنى وأقول
مهما اتأخر.. الفجر بيطلع يتمخطر
راكب مهرة ولابس أخضر
ويهز البيرق والراية
وعد قريب
مجلة الإذاعة والتلفزيون