هل يتم الاعتراف بالإسلام كديانة “سويسرية”؟

تقارير – التلغراف: خلال العقود الأخيرة، عاشت الكنفدرالية ولا تزال على إيقاع جدل حاد بشأن حضور الرموز الدينية في الأماكن العامة، وعلى وجه التحديد الرموز الإسلامية كالنقاب والحجاب والمآذن والأطعمة الحلال.. وجميع هذه القضايا، بحسب الكثير من الباحثين والسياسيين والمهتمين بالشأن العام، ليست في الحقيقة إلا مظاهر لقضية أعمق تتعلّق بالمكانة التي يجب أن يحتلها الإسلام في المشهد العام لهذا البلد الأوروبي الذي تدين الأغلبية من سكانه بالديانة المسيحية.

أحدث التصويت لصالح حظر المآذن في 29 نوفمبر 2009 صدمة حقيقية في العالم الإسلامي، ودفع الكثيرين إلى محاولة فهم مبررات ذلك الخيار. وبالنسبة لستيفان لاتيون، الخبير في شؤون الجالية المسلمة بسويسرا: “لا تكمن أهمية مبادرة حظر المآذن في القيمة الرمزية للمآذن، بل في كونها توفّر السياق والمبرر لطرح القضايا العالقة في حوار شائك بين الإسلام والغرب، لم يستقر حتى الآن على صياغات نهائية لتعايش ممكن في عصر تسوده العولمة، وتتشابك فيه الهويات الوطنية والثقافية”، ومن هذه الناحية على الأقل، “يستحق أصحابها الإشادة”.

رجال في المسجد

وبالفعل كان من النتائج المباشرة لمبادرة حظر المآذن انطلاق حوار معمّق بين السلطان الفدرالية والمنظمات الإسلامية في سويسرا من أجل “التوصّل إلى عقد اجتماعي ينظم التعايش بين المسلمين والسويسريين”.

ماريو غاتيكر، نائب مدير المكتب الفدرالي للهجرة والمسؤول عن تنظيم الحوار مع المجموعات الإسلامية آنذاك أوضح في حديث بأن “الحوار انطلق من قناعة واضحة لدى الحكومة تفيد بأن للمسلمين مكانهم في المجتمع السويسري، ولابد من إيجاد الصيغ والقواعد التي تنظم العلاقة بينهم وبين بقية فئات المجتمع المحلي”.

قاد تتابع جلسات الحوار في برن الجميع إلى قناعة بأن ملف “المسلمون في سويسرا” يتسم بقدر لابأس به من التعقيد والتركيب يتجاوز قضايا الأمن والإندماج إلى مطلب أشمل هو تحديد طبيعة وضع الإسلام في سويسرا والاعتراف بالمسلمين “كأقلية دينية، لأن هذا الاعتراف يضمن حقوقنا بشكل رسمي وبطريقة شاملة”، على حدّ قول الدكتور هشام ميزر، الرئيس السابق لفدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا، إحدى المنظمات الرئيسية المشاركة في ذلك الحوار.

أدى تعمّق الحوار وتطرقه إلى قضايا شائكة مثل معضلة العلاقة بين الدولة والأديان، وكيفية تنظيم الشأن الديني بصفة عامة، أو كذلك إثارته لقضايا ملموسة تهم الحياة اليومية  إلى الاصطدام بالحقائق التي يفرضها الدستور الفدرالي السويسري، ومنها أن تنظيم الشأن الديني، والاعتراف بديانات جديدة من اختصاص حكومات الكانتونات ولا دخل للحكومة الفدرالية فيه، وأن القوانين المنظمة للشأن الديني تختلف باختلاف الكانتونات الستة والعشرين المكونة للبلاد.

اختلاف الإطار القانوني من كانتون إلى آخر كان له انعكاسه على تطوّرات العلاقة بين الأقليات المسلمة والجهات الحكومية وعموم المجتمع السويسري في كل كانتون لحاله. وتباينت المسارات من جهة إلى أخرى لكن المشترك بينها جميعا هو سعي الطرفيْن: المسلمون من جهة والجهات الحكومية من جهة أخرى إلى إيجاد حلول براغماتية كلما ظهرت مشكلة هنا أو هناك.

وبالفعل تحققت العديد من الانجازات على هذا المستوى، وان اختلفت درجاتها من كانتون إلى آخر.

أشخاص على خشبة المسرح

ربما لن يتحقق قريبا الاعتراف القانوني بالديانة الإسلامية في سويسرا، رغم قطع خطوات متقدمة على هذا المستوى في العديد من الكانتونات، لكن اندماج المسلمين في المجتمع السويسري الذي حقق بلا ريب تقدما لافتا على العديد من المستويات، يظل بطيئا ويُواجه عراقيل شتى ويعاني من مشاكل من بعض المحافظين والمتشددين من المسلمين، ومن بعض القوى اليمينية في المجتمع المضيف.

ولتسريع هذا المسار وتحقيق أقصى درجات التعايش المنشود، وتحقيق معالجة عادلة لملف الإسلام والمسلمين في سويسرا، دعت الخبيرة السويسرية في مجال القانون وحقوق الإنسان ستيفاني كورت إلى “النظر في مطلب الاعتراف بالأديان غير المعترف بها حتى الآن في سياق عملية إدارية تحكمها معايير موضوعية متفق عليها، من أجل تجنّب أي نوع من التمييز أو عدم التكافؤ أمام القانون”.

بقلم عبد الحفيظ العبدلي (النص)

كورينا ستاف (الرسم المصور)

بيتر سيغنتالر

شكرا للتعليق على الموضوع