مصطفي جودة يكتب: الجيش الإسرائيلى والمرتزقة

الأمم فى الحروب كالأفراد منها الذى يتمسك بمبادئ الرجولة والشجاعة ويقاتل بشرف عندما يكتب عليه القتال وعندما يتم الاعتداء عليه، ومنها الذى يبنى وجوده كله على التآمر والخداع، ومنها الذى لا يؤذى النساء والأطفال والأشجار، ومنها الذى يجلب المرتزقة لقتلهم وتشويههم. المفارقة الكبرى أن الجيش الإسرائيلى استطاع خداع العالم منذ النشأة الأولى له بأنه أعظم الجيوش أخلاقا، وأنه دائما يلتزم بالمبادئ الأخلاقية فى قتاله مع أعدائه بخلاف جيوش المنطقة والعالم. هو الأمر الذى تردده إسرائيل والميديا الغربية لتقنع به بقية البشرية.

فى حقيقة الأمر هذا وصف مخالف للواقع لأنه هو الجيش الذى هدم فى غزة جميع مساجدها وكثيرا من كنائسها الأثرية، ودمر جميع جامعاتها وأحرق كل ما تحتويه من كتب ووثائق ليمحو ذاكرة الشعب الفلسطينى ويلغى تاريخه، وهو الجيش الذى دمر كل المستشفيات فى غزة، وهو الجيش الذى يستهدف الأطفال والنساء وليتسبب فى بتر أعضائهم، وهو الجيش الذى يقبض على الشباب والأطفال الفلسطينيين ليعذبهم ويودعهم سجونه بتلفيق التهم لهم، وهو الجيش الذى يعتمد على المرتزقة منذ 1948، ليقاتلوا باسمه وتحت رايته. لعب المرتزقة الدور الأهم فى وجود إسرائيل منذ البداية، ففى الحرب الأولى من الصراع العربى الإسرائيلى عام 1948، لعبوا دورا خطيرا لولاه لقضى على الجيش الإسرائيلى فى المهد. هناك فيلم تسجيلى ضمن سلسلة تسمى «تاريخ منسى عن المرتزقة الأوائل» بعنوان: «الطيارون المرتزقة لإسرائيل» يروى أنه عندما بدأت تلك الحرب لم يكن لإسرائيل سلاح جوى وأنه تم تأسيسه فى نفس العام مع بداية الحرب، وكانت مصر تملك حينها 30 طائرة بدائية وسوريا 50 طائرة بدائية أيضا، أما الطيران الإسرائيلى فقد تم تكوينه على غرار سلاح الطيران البريطانى بواسطة ديفيد بن جوريون من خلال المساعدات الكبيرة الداعمة له من بريطانيا التى كانت تؤدى نفس الدور الذى تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية الآن من الدعم الظاهر والباطن والمستدام لإسرائيل وضمان تفوقها وضمان تحقيق الأجندة الاستعمارية. كانت هناك المؤسسات الصهيونية الغنية ورجال المال اليهود الذين يهمهم إنشاء دولة إسرائيل استطاعوا مع ديفيد بن جوريون بأموالهم استقطاب 205 طيارين أو مساعدين لهم من الجيوش الأوروبية والذين اشتركوا فى الحرب العالمية الثانية والذين كانت لديهم الخبرات القتالية الكبيرة المكتسبة إضافة الى الطواقم الأرضية التى كانت تساعدهم وكانت على نفس المستوى، وبالتالى أصبح الجو ملكا لهم، بالمقارنة لم يكن لدى سلاح الطيران العربى والطيارين العرب الخبرات المماثلة، وهو الأمر الذى حسم المعركة فى نهاية المطاف. عندما كانت الدبابات المصرية على أبواب تل أبيب تم إيقافها من خلال ذلك الأسطول الجوى المتفوق كما يروى أحداث ذلك الفيلم التسجيلى. إضافة الى ذلك فإن هؤلاء الطيارين المرتزقة استطاعوا إسقاط غالبية الطائرات العربية البدائية لقلة الخبرة القتالية لدى طياريها ولقلة المساعدة من الطواقم الأرضية الموجهة. لم يقتصر الأمر على المرتزقة فى سلاح الطيران ولكن شمل كل الجوانب الأخرى للحرب. يشرح لنا الفريق سعد الدين الشاذلى رحمه الله فى حديث مطول فى قناة الجزيرة بتاريخ 6 فبراير 1999، أن مجمل القوات العربية التى شاركت فى تلك الحرب كانت فى حدود 40 ألف مقاتل وأنها لم تكن قوات مستعدة للحرب، وكانت غير مدربة للقتال ولم يكن لها جاهزية أو خبرة، وأنها كانت قوات مجهزة فى الأساس للأمن الداخلى، وبالمقابل كانت القوات الإسرائيلية ومعها المرتزقة فى حدود 100 ألف، وكانوا متفوقين علينا فى العدد والعدة وفى التدريب ولم يكن شراء السلاح متاحا حينها.

المقاومة الفلسطينية كشفت كل تلك الادعاءات واستطاعت تعرية ذلك الجيش وكشف زيف التزكية الذاتية لأسطورته، وأنه نمر من ورق. المقاومة تواجه ذلك الجيش ومعه الغرب بكل أسلحته ومصادره المادية من أسلحة متطورة واستخبارات عملاقة وإمدادات مستدامة ومعونات اقتصادية بغير حدود تفوق فى دورها دور الأسلحة، فهى التى تمول جيوش المرتزقة التى كشفت عنها المقاومة وكشف عنها بعض المرتزقة أنفسهم. طبقا لمقابلة مع أحد المرتزقة الإسبان يدعى بدرو دياز نشرتها صحيفة إلموندو الإسبانية بتاريخ 3 نوفمبر 2023، عندما سئل عن السبب الذى دفعه للقتال مع الجيش الإسرائيلى ضمن المرتزقة الذين يحاربون مع الجيش الإسرائيلى، فأجاب بأنه يوجد الكثير من المرتزقة الذين التحقوا بالجيش الإسرائيلى والذى يدفع لهم مبالغ كبيرة، وإنى على سبيل المثال أقاتل معهم من أجل المال فهم يدفعون لى 4187 دولارا أسبوعيا، كما أنهم يمدوننى بسلاح ممتاز، إضافة أن ذلك ليس بالعمل الشاق ونحن ندعم القوات الإسرائيلية بالاحتياجات الأمنية عند نقاط التفتيش وغيرها، ويوجد أيضا منا الكثير من الشركات العسكرية الخاصة التى تتولى حماية الحدود. هناك مرتزقة من العديد من الدول منها فرنسا وبريطانيا وأمريكا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وأوكرانيا والهند وبولندا وإثيوبيا وجنوب السودان والسلفادور وهندوراس والأرجنتين وكندا وشمال العراق وتايلاند وغيرها تتقاضى رواتب خيالية تبلغ قرابة عشرين ألف دولار شهريا للمرتزق الواحد تمولها المساعدات الأمريكية والأوروبية وتبرعات الجاليات اليهودية. تدفع إسرائيل بهؤلاء المرتزقة لارتكاب أبشع الجرائم خصوصا قتل الأطفال والنساء، كما تدفع بهم لتقليل خسائرها من الجنود والضباط لأنها لا تذيع أعداد القتلى من المرتزقة. بتاريخ 21 يناير الماضى تقدم بعض النشطاء الفرنسيين بطلب بمحاكمة 4185 مرتزقا فرنسيا يقاتل مع الجيش الإسرائيلى طبقا لما ينص عليه القانون الفرنسى والذى يمنع ذلك.

إنه ليس جيش أخلاق ذلك الذى يطلق النار على عجوز وحفيد يرفعان الراية البيضاء، وليس جيش أخلاق من يعدم طفلا فلسطينيا بتاريخ 29 يناير الماضى.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

شكرا للتعليق على الموضوع