مصطفى جودة يكتب: قصة السماوات والأرض
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
فى عام 1957، نشرت دار كتاب الشعب كتاب «قصة السماوات والأرض» للدكتور جمال الفندى والدكتور محمد يوسف حسن ليكون الكتاب الثانى لهما وليحقق نجاحا شعبيا وثقافيا كبيرا لدرجة أن طبعه أعيد أربع مرات خلال عام واحد.
عبر 119 صفحة يسردان لنا فى الكتاب بأسلوب قصصى حكاية الكون وما توصل اليه العلم حتى منتصف الخمسينيات. يحكيان فيه قصة الكون بأسره، كيف بدأ، وما هو أمره الآن، والى أين يسير. هى قصة حقيقية رائعة وليست ضربا من ضروب الخيال أو التصور، ولا من تأليف الإنسان أو إخراجه. وكل الكائنات فى هذا الوجود تمثل دورها فى هذه الرواية الواقعية، طال هذا الدور أو قصر. والحوادث الكونية التى توالت سجلت بين طياته كما يسجل «الفيلم» تفاصيل رواية سينمائية.
ما زالت الحوادث تمر تباعا، والمناظر تتغير وتتبدل وما زالت الرواية مستمرة. قراءة الكتاب تمنحك الشيء الكثير عما حولك فى هذا الوجود وتجعلك ملما بملخصات العلوم الحديثة من طبيعة ورياضة وفلك وكيمياء وجيولوجيا ونبات وحيوان وهي عصارة أفكار العلماء والمجتهدين فى الجامعات ومراكز الأبحاث وملخصات النظريات والمشاهدات المبنية على أسس قوية سليمة خلال العديد من القرون.
ولقد تحدثت الكتب السماوية أيضا عن بعض فصول هذه القصة الخالدة ولخصتها لنا حتى نهايتها. لقد حض القرآن على التفكير فى أسرار السماوات والأرض، ودعا الى محاولة إدراك حقيقة الوجود الذى لم يخلق باطلا: « الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك..». إن معلوماتنا الأولية عن الكون تبدأ بالأرض التى نعيش عليها، وهذه قد جاب الإنسان أغلب أركانها وعرفها واستوعب ما فيها، أما باقى الكون فيفصلنا عنه الفضاء الفسيح، ولا سبيل لنا اليه إلا باختراق هذا الفضاء، إما بأجسامنا (داخل مركبات خاصة معدة لكى نذهب الى أرجائه المختلفة بأنفسنا ونشاهدها)، وإما بالعلم الذى يمكننا من أن ندرس ونحلل ما يصلنا منها من أضواء مختلفة الألوان، والحرارة المتباينة والمناظر المتفاوتة، ومن ثم نقف على حقيقة تلك الأرجاء. نحن نطلق لفظ الأرض أو الكرة الأرضية على الكوكب الذى نسكنه سواء منه اليابس أو الماء أو ما يحيط بهما من هواء. وقد قسمت الأرض تقسيما طبيعيا الى أربعة أجزاء هى الغلاف الجوى والغلاف المائى واليابس وجوف الأرض.
بعد صراع مرير بين العلم ومحاربيه عرف الإنسان أن الأرض تدور حول الشمس كتابع لها، ثم لاحظ أغلب توابع الشمس وكشفها جميعا وهى المعروفة بالكواكب السيارة والتى لها أقمار توابع. ومنذ ثلاثة قرون استخدم الانسان التليسكوب فى رصد الكواكب والنجوم من المراصد الفلكية. تتكون المجموعة الشمسية بحسب بعدها من الشمس من عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشترى، زحل، يورانوس، نبتون، وبلوتو.
ومركز المجموعة هو الشمس ويتركز فيها نحو 99.86 من مادة المجموعة كلها. والشمس هى جرم سماوى هائل متوهج يزيد قطرها على مليون وثلث مليون كيلومتر، أى أن قطر الشمس أكبر من قطر الأرض 100 مرة. وتبلغ درجة حرارة سطحها 6000 درجة مئوية وحرارة مركزها 20 مليون درجة. ويمكن تقدير اجمالى ما يصل جو الأرض الخارجى من أشعة الشمس على النحو الآتى: 9% أشعة فوق بنفسجية، نحو 38% ضوء، ونحو 53% حرارة، وتعرف علميا باسم الأشعة تحت الحمراء. أمامنا بعد ذلك أن نطرق أجواء أوسماوات كثيرة تعلو ذلك بكثير. يريد الإنسان أن يعرف ما وراء الشمس ذاتها، وأن يصل الى معالم تلك النجوم. اننا نستطيع أن نرى وأن ندرس تبعا لمدى الرؤية، أجزاء فسيحة من الكون باستخدام تلك التلسكوبات، ومن مثل هذه المشاهدات أمكن أن نجزم بأن أغلب النجوم عظيمة الشبه بشمسنا وبعضها شديد الحرارة، ولشدة حرارته يرسل من الإشعاعات موجات قصيرة مثل الأشعة السينية بدلا من الضوء المعروف أو الحرارة. هذه النجوم تدخل فى بناء المجرات المتعددة فى أعماق الفضاء، وسنقصر حديثنا على مجرتنا، كوحدة من وحدات الكون.
تبدو هذه المجرة للناظر بالعين المجردة كأن بها نحوا من ألفى نجم، أما إذا درسناها بالمناظير الفلكية فإن هذا الرقم سيرتفع فجأة الى 100 مليون نجم موزعة فيما يشبه القرص المفرطح الرقيق نسبيا الذى يبلغ قطره نحو 60 ألف سنة ضوئية. ولا توزع النجوم بانتظام داخل المجرة، اذ تزدحم فى بعض أرجائها، فتكون هذه الأرجاء شبيهة بالسحاب العالى الذى يضيء ضوءا خافتا يعرف باسم «طريق التبانة»، يمر فوق رءوسنا وتتكدس داخله النجوم. وليس الفضاء الذى بين النجوم فارغا تماما، فيمكن أن نرى فى طريق التبانة غازا يتخلل بين النجوم وهو مجموعة من الغازات يغلب عليها غاز الهيدروجين الذى هو عنصر الكون الرئيسى أو مادته الأصلية التى تنتشر فى سائر الفراغ الكونى. وتتعدد المجرات فى الفضاء الفسيح ويتكررحدوثها كلما خرجنا الى أعماق الفضاء، كما تدور تلك المجرات بسرعة فائقة فى أثناء انطلاقها فى الفضاء. يشرح المؤلف بعد ذلك القوانين الحاكمة للكون ونشأته والنظريات الكثيرة التى تشرح ذلك، ويشرح مادة الكون وكيف تنشأ النجوم والنظريات الحديثة وأصل الأرض، ومصير الكون. ويشرح مسألة اتساع الكون باستفاضة علميا وفلسفيا، ويصفها بأنها أعظم نتيجة تمخضت عنها النظرية النسبية، وأن هذا الاتساع تم تحقيقه بالمشاهدة والرصد وليس بالخيال أو مجرد الافتراض والتكهن، ويشير الى ما أشار اليه القرآن الكريم: «والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون»، ويصف تلك الآية الكريمة بأنها ملخص علوم الفلك والطبيعة والرياضة وبأنها الاعجاز بعينه.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: جمال الدين الفندى ومحمد عبدالسلام