فاطمة اكبر معمرة في العالم

اوراقها الرسمية تفيد انها اصبحت من عمر التاريخ، اذ طوت من عمرها قرنا وثلاثين عاما.. عمري كتير كتير».. اما عندما كانت تسال عن سر عمرها الطويل، فكانت تجيب بعبارة واحدة، مرفقة بابتسامة، وفي ثنايا وجهها تخبو قصص وحكايات، تتلطى خلف نظراتها العميقة رغم شح البصر: كانت كل ايامنا عز»، وتستفيض بالكلام عن العادات الغذائية التي كان تتبعها: ما كنت اكل الا السمن العربي والبرغل والعدس والعسل، والكشك والقورما، والخضرة والفواكه بموسمها»، وتشير الى انها لم تزر الطبيب الا نادرا، نافية ان تكون قد اتبعت حمية معينة او مارست الرياضة، اذ كان يكفيها عملها في الارض الغالية»، وفق تاكيدها.

قد تكون الحاجة ام محمد» قد كسرت كل الارقام، لتصبح اكبر معمرة في العالم اليوم، وهذا ما يفيد به تاريخ ميلادها المدون على بطاقة هويتها اللبنانية: اسمها الكامل فاطمة محمد سعادة مواليد بلدة كونين في قضاء بنت جبيل- جنوب لبنان في العام 1885، ما يعني انها تجاوزت مع بدء العام الحالي الــ130 عاما من عمرها.

وفيما عمرها ليس حائرا» بين بطاقتي هوية: القديمة الحمراء» والجديدة» اللتين تفيدان بان عمرها تجاوز الـ130 عاما، فان كبار السن في البلدة يوكدون ان عمرها لا يقل عن 120 عاما، وابنها الثمانيني حسن يقول ان والدته عايشت الحربين العالميتين، الاولى والثانية، وكانت تروي له قصصا تعود الى اكثر من 100 عام، ومنها قصص المجاعة التي دفعتها مع ابناء البلدة الى البحث عن حبات الشعير داخل بعير الحمير».. اما هي، فتصر على ان عمرها اكثر من هذا الرقم، فـاصلا ما عطيوني هوية الا وقت تزوجت ابو محمد!.

محطات من حياة اخت الرجال

ولدت في ذاك العام من ابوين لبنانيين، وكانت اكبر اخوتها وسند العائلة، واخت الرجال»، التسمية التي كانت تفاخر بها دوما امام ابنائها، وكان والدها يتمنى لو انها ولدت ذكرا، لذلك كنت اعمل بجد، ولم اجعله يشعر انني قاصرة»، كما تقول.. تزوجت بعمر الـ27، لتصبح اما لثلاثة عشر ولدا، بينهم ولدان توفيا بعد ولادتهما بقليل وابنها الاصغر عباس الذي توفي اثر حادث سير وهو في الـ54 من عمره وثلاثة اخرون وافتهم المنية بسبب المرض والسن، وجدة لاكثر من ثلاثمئة حفيد وحفيدة، والحبل عالجرار» كما تقول، يعيشون اليوم في اكثر من بلدة ومدينة في لبنان والخارج.

وبين الامس واليوم، وبعيدا عن دور العجزة التي باتت في لبنان احدى شواطئ الامان لمن دخلوا العمر الثالث وحزمت شيبتهم داخل حقائب الترحيل اليه، تقيم المعمرة اللبنانية حاليا في منزل متواضع لولدها الاصغر ياسين مهدي، في بلدة عيترون الحدودية في جنوب لبنان. وهي لم تعد تتذكر يوم زواجها من علي احمد مهدي (توفي العام 2002)، الا انها لا تزال قادرة على الحراك وفهم ما يدور حولها، وتستطيع سماع الاصوات المرتفعة من حولها، لكنها لم تعد ترى جيدا، اذ فقدت جزءا من سمعها وبصرها منذ نحو عام تقريبا»، بحسب حفيدها احمد.

وهكذا، رغم سنوات عمرها العتيق»، تسرد ختيارة عيترون» الحكاية بالقليل من الاتقان، وهي التي غلبها تعب السنين، ما جعل اقدامها ضائعة في كرسي متحرك في اكثر الاحيان. تستقبل عامها الجديد متكئة على البصيرة؛ فلا النظر الشحيح ولا السمع الخفيف يعول عليه في مثل سنها.. وعمر بدو يمضى.. والموت حق»، تقول مبتسمة.

بوابة الماضي

من بوابة الماضي البعيد، لا تزال الحاجة فاطمة تتذكر كيف كانت ترافق زوجها الى فلسطين المحتلة سيرا على الاقدام، وتحمل البيض والحبوب على كتفها، وتعود محملة بجرار الكاز، بعيدا عن اعين الجنود الانجليز.. وتتحدث عن العهد العثماني، عندما كان الجنود الاتراك يداهمون المنازل بحثا عن الشباب لتجنيدهم، فـاذا لم يجدوا احدا منهم، عمدوا الى خلط اكياس البرغل والقمح باكياس العدس والطحين، انتقاما».

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *