زياد شهاب الدين يكتب : عطاء النفس للنفس .. إرتقاء في الحياة
الأرض مدرسة الإنسان، عبارة بليغة ترسم رحلات الإنسان على الأرض في لوحات لامتناهية الألوان. تظهّر كل لوحة صورة مقتضبة عن مسار تطور الإنسان، وبتوقيع ريشة نظام الحياة.
منذ لحظة الولادة، يبدأ الوليد مراحل التعلّم على الأرض. يتطور ضمن أطر إجتماعيّة تتوسع كل دائرة منها مع كل مرحلة من مراحل نموه.ومع توسّع الخبرات، يتحوّل النظري في الفرد الى عملي، والإدراك والفهم الى وعي، وعي حياتي مادي. يبقى هذا الوعي محدودًا، إذ أن الفرد عادة يحجب عن الآخرين خلاصة خبراته، وعصارة تطوره مخافة أن يستفيد الآخر منها على حساب مصالحه الماديّة أو المعنويّة. فيبقى وعي هكذا أشخاص محدودًا، مهما بانت الصورة الخارجيّة على خلاف ذلك.
أما طلاّب الإيزوتيريك فحياتهم تتّسم بعملية تعلم مستمرة أفقيًا حياتيًّا وعموديًا باطنيًّا، يوازيها نشاط فاعل في عطاء معرفتهم. عطاء يأتي كنتاج خبراتهم، وخلاصة وعيهم. طالب الإيزوتيريك يطبّق، ويعطي مما يتعلم ويختبر، ليتوسع وعيه عموديّا وأفقيًا مزامنة، فيرتقي على الصعيدين المادي والباطني النفسي.
لقد أنارت معرفة الإيزوتيريك عقولنا، وأضاءت المسار أمامنا، لتتوضّح لنا أنواع العطاء العديدة. أحد أوجه العطاء هو عطاء النفس للنفس كمسار داخلي باطني يرتقي ويؤهّل النفس لمسارات العطاء الأخرى…
فعطاء النفس للنفس حالة تتّسم بتثقيف النفس نفسها نتيجة عدة عوامل وتفاعلات نفسيّة. تخلص بعدها النفس الى إستنتاجات، تشكل نواة للتطبيق العملي الذي يرتقي بوعيها. فتغدو النفس كمنارة تضيء نفسها بمفاهيم وعي استولدتها من محتويات خبراتها السابقة المسجلة فيهاالى جانب تفاعلها بالمعارف الجديدة المكتسبة بفضل دراسة علوم الإنسان، علوم الإيزوتيريك.
كيف تتم عملية عطاء النفس للنفس؟ وما هي مستلزماتها؟
سؤال قد يطرحه أي مريد للمعرفة لأن أهمية فهم هذه الحالة توضّح عمليًّا مستلزمات تفعيل عمليّة توعية النفس لنفسها. ففي هذه العمليّة، وفي ظل إرادة التطور، تتفاعل المعرفة الجديدة مع مكتسبات المريد السابقة. فتفرز النفس جرّاء ذلك التفاعل أفكارًا أو أحاسيس جديدة على شكل إبداعات فكريّة، أو وسائل تطبيقيّة مبتكرة، توسّع مدارك طالب المعرفة وتعمّق وعيه.
صورة النفس في عطاء نفسها تشابه، الى حد كبير، صورة حديقة تنتصب فيها أشجار مثمرة، وتزيّن تربتها أنواع عديدة من الورد والزهر. فحين يحمل النسيم بذور الأزهار لينشرها في أرجاء هذه الحديقة، نجد أن أنواعًا جديدةً من النباتات قد بزغت من تراب الحديقة. نباتات تحمل ألوانًا بديعة بخصائص جديدة. من هذه الصورة، يتّضح لنا أن أي عطاء داخلي، يتأتى عنه وعي جديد يصب، في أجهزة الوعي جمعاء. فيكون الفكر في هذه الحالة أغنى المشاعر والجسد ممّا إكتسب من وعي، والمشاعر شاركت تطورها الجديد مع الفكر والجسد، وهكذا دواليك…
لقد عوّدنا الإيزوتيريك أن لا يترك مريدي معرفته من دون مواد تطبيقيّة عمليّة توصلهم الى مبتغاهم وتحقق مرادهم. لذا يطيب لي أن أقدم نقطتين تساعد أي مريد عمليًّا في التوصلالى مبتغاه: أوّلهما الإنفتاح على عالم الباطن وفهم تقنيات عمله عن طريق دراسة كتب الإيزوتيريك وتطبيق محتوياتها. فهذه الكتب ناهزت المئة إصدار حتى تاريخه، وترجم بعضها الى سبع لغات، وثانيًّا التعرّف الى سلبيّات النفس البشرية من ثم العمل على إستئصالها، وإستبدالها بالإيجابيّات المضادّة عمليًّا…
نهايةً، أود مشاركتم بما لفت نظري له أحد مريدي المعرفة حين قال: “أن محبّة النفس تختلف عن الأنانيّة. فمحبة النفس تتجلّى شغفًا للتطور بالوعي دائمًا، فيما الأنانيّة هي الرغبة في الأخذ والإجحاف في الإعطاء”. فلنحب أنفسنا! ولنسع لتطويرها عن طريق المثابرة على التطبيق العملي للمعارف الإنسانيّة وتقديمها الى الآخر. حينها، تبرعم أنفسنا وتتفتّح إدراكًا، تزهر وعيًا، وتنثرعبير إبداعاتها.