المساواة بين المرأة والرجل ثورة ولكن من أي نوع؟

بيروت – تقلا ابراهيم : عقدة المفاضلة، هي عقدة العقد منذ أزمنة وعصور خلت، ولا تزال… فإلى متى ستستمر؟ ومتى يشرق فجر المساواة المنشودة بين الجنسين؟!… وهل سيشرق يومًا؟!… ثمّ ما هي مبادئ المساواة بين الجنسين؟… ما هي شروطها؟… ومن هو المسؤول عن تحقيقها؟ المرأة أم الرجل؟ أم الإثنين معًا؟…

اسئلة واسئلة يضجّ بها واقعنا وتقوّض كل امكانية لتحقيق الحبّ بين الجنسين!!!… في المقابل، لا يتّفق إثنان على صورة المساواة المنشودة بين الجنسين! فمجرّد طرح الموضوع يبرز التباين في الآراء إلى درجة التضارب أحيانًا، وينتهي الأمر إلى جدل عقيم على اعتاب أبواب موصدة… فإذا بنا نبدأ من جديد، من جيل إلى آخر…

النظرة الفاحصة إلى الواقع، تكشف أنّ المرأة باتت مثقلة بمسؤوليات متشعّبة داخل العائلة وخارجها، بعدما اقتصرت مسؤولياتها على الإنجاب والتربية لعصور…

والرجل قد يعترف أو لا يعترف بالحاجة إلى المساواة، لكنّه مثقل أيضًا جرّاء التناقضات المتفاقمة والتحوّلات السريعة التي يشهدها نمط الحياة اليومية ومسارها العام… بالتالي قد يُخيّل إلينا أنّه من الممكن إيجاد الحلول لأكثر القضايا السياسة والاجتماعية والاقتصادية تعقيدًا، باستثناء عقدة المفاضلة بين الجنسين… ولكن هل هذه فرضية صحيحة؟ أوليست المساواة بين الجنسين عقدة متشعبة في أوجه الحياة المختفلة؟ ناهيكم أنّ جذور هذه العقدة ضاربة عميقًا في اعماق اللاوعي في الجنسين…

مما لا شك فيه أنّنا نحتاج إلى مقاربة جديد لعقدة المفاضلة… مقاربة تقلب الموازين إذ تستنبط منهجًا عمليًا وحياتيًا للمساواة بين الجنسين… منهجًا يضع حدًا للجدل العقيم، ويشق دربًا مستقيمة ومباشرة إلى المساواة الحقّ فعلًا لا قولًا…

هذا المنهج رسمه علم الإيزوتيريك، أو علم الوعي، أو علم إنسانية الإنسان… رسمه في مقاربة غير مسبوقة، قدّمها للفرد وللمجتمع منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن، ساعيًا إلى تطوير وعي الفرد وصولًا إلى رفع مستوى الوعي الجماعي.

أمّا الاختلاف في مقاربة علم الإيزوتيريك فيعود إلى كونه علم الأسباب قبل النتائج، بالتالي فإنّ معالجة أي نتيجة تبدأ من الغوص في عمق مسبّباتها لتقويمها ما يؤدي إلى نتائج سوية… وعن مسبّبات عقدة المفاضلة، كشف علم الإيزوتيريك أنّ مسبّباتها غائرة في القدم، وترتبط بنشأة عقيدة الكارما في نظام الوعي التي تزامنت مع نشأة السلبية في النفس البشرية…

كتاب “المرأة والرجل في مفهوم الإيزوتيريك” للدكتور جوزيف مجدلاني، يعالج هذه المسألة في العمق رابطًا ما بين حاضر المرأة والرجل كنتيجة، وماضيهما التليد كسبب… وقد اخترتُ من بين صفحات هذا الكتاب القيّم بعض المقاطع التي ادرجتها في هذا المقال بتصرف، كونها تضيء ببساطة السهل الممتنع على جوانب خافية في علاقة المرأة والرجل… جوانب هي مساحات كامنة في لاوعي كل منهما، وفي وعيه على حدّ سواء…

يقول الدكتور جوزيف مجلادني في كتابه المذكور أعلاه، “لعلّ أكثر ما يلفت الانتباه في واقع مجتمعنا هو التمييز المجحف بين الرجل والمرأة… وفي حين أنّ الانظمة الاجتماعية اخفقت في تجسيد عامل المساواة بين المرأة والرجل، لم لا تسعى الحياة نفسها إلى تصحيح المسار أو فرض المفهوم السليم؟! فمنطق العدل يقول أنّ الرجل والمرأة كائنان متكاملان متساويان، يكمل واحدهما الآخر، لا بل هما يمثّلان معًا القوى الخلاقة في الكون، القوى التوأم، أي الموجب والسالب، القوة المركزية الدافعة والقوة المركزية الجاذبة، الحياة الظاهرة والحياة الخافية”… ويتابع في سياق آخر:

“إنّ مسيرة المساواة الكلية بين الجنسين هي درب صعود من حضيض الوعي، نُظّمت وفقًا لمخطّط التطوّر، وبحسب ما يمليه ميزان أعمال الطرفين، أو قانون الكارما. فلا الاله يفضّل أحدهما على الآخر، ولا الروح تميّز بينهما، ولا القانون الطبيعي، إنّما ’أفضلية الجنس‘ في نظر الرجل والاستكانة في المرأة، هما ما أوجدا التفرقة، وعمّقا في التمييز بين الاجيال… ومسؤولية التوعية الذاتية تقع على عاتق كل منهما كي يجاريا قانون الحياة، القانون الطبيعي ويسيرا بموجبه. فلا الرجل يقود المرأة، ولا المرأة تنقاد للرجل أو تقوده، بل يسيران معًا متكافئين متضامنين نحو المساواة الكلية في سائر شوؤن الحياة. بذلك يكتمل هدف الخلق والخليقة. والجدير بالذكر أنّ نظريات التحرّر والمساواة تذوي مع الأيام، فالتطبيق العملي هو ما سيرفع من شأن المرأة، وهو ما سيساويها مع الرجل. لأنّ توعية المرأة تقع على عاتق المرأة قبل كل شيء… فاصول التعامل بين الرجل والمرأة ليست المعاملة المباشرة فحسب، بل الشعور الداخلي والاقتناع والتقدير العام تجاه الجنس الآخر. فهذا كلّه مسجّل في الوعي الباطني، ويملي التصرف المطلوب في الحياة. فإنسان المستقبل، شابًا أو فتاة، ستكون له الحرية الواعية، حرية تحقيق الذات في كل مجال… ما دام الوعي يسيّره في مساره الصحيح نحو الهدف السامي”، انتهى الاستشهاد…

في ضوء ما تقدّم نستدرك أنّنا بحاجة إلى بناء إنسان جديد… بناء المرأة- الإنسان والرجل- الإنسان جنبًا إلى جنب… بناء إنسان العدل، الإنسان الطامح إلى سعادة العيش والكفاح في سبيلها… علمًا أنّ هذه السعادة، كما العدل والمساواة جميعها تمرّ عبر معمودية الحبّ، عبر عاطفة الحبّ الواعي كما قدّمها علم الإيزوتيريك… فمستوى وعي الفرد يحدّد خياراته… ومستوى وعي الوالدين، يحدّد مبادئ التربية التي يوفّرانها لأولادهم… ومستوى الوعي الاجتماعي، يحدّد مستوى التعامل بين أفراد المجتمع…

فمستوى الوعي هو الذي يحدّد الصورة النهائية لكل نتيجة على أرض الواقع، وهذا الوعي هو محور وجود الفرد وغاية وجوده… والوعي هو لازمة الحبّ كما الحبّ هو لازمة الوعي في منهج علوم الإيزوتيريك. وخارج أطر الوعي والحبّ ما من مساواة ترتجى…

المهندسة هيفاء العرب

www.esoteric-lebanon.org

Haifa.circles.3@gmail.com

شكرا للتعليق على الموضوع