عذاب الأطفال في النزاعات المسلحة
ساهمت عدة قرارات سابقة كانت صادرة عن مجلس الأمن الدولي في دعم جهود تصنيف حماية الأطفال في النزاعات المسلحة باعتبارها مسألة أمن إنساني وعلى أساس أن حمايتهم تقع أصلا ضمن حقوق الإنسان التي ترتكز عليها الاتفاقيات والمعاهدات كاتفاقية حقوق الطفل.
يشاهد العالم يومياالمآسي يقاسيها الأطفال خاصة في قطاع غزة والسودان وفي العديد من الدول الذين يعيشون ظروفا وحشية رهيبة بسبب النزاعات المسلحة والحروب ، يشاهدهم العالم وهم يقضون أحلى أيام طفولتهم مشردين في العراء أو يقبعون داخل مخيمات رثة نصبها اللاجئون من البلاستيك لا تحميهم من البرد ولا من الأمطار، ينتظرون ما يمكن أن ينالونه من طعام ودواء من المنظمات والجمعيات الخيرية ، يقاسون الرعب والخوف من هول الانفجارات والقتل حولهم التي سرقت براءتهم وأنهت حياة الآلاف منهم. في إفريقيا حيث يتسع انتشار الألغام الأرضية ويكثر الاطفال المعاقين و مبتوري الأعضاء.
شكّلت الحرب الجارية في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع فراغا سياسيا معقدا ووضعا أمنيا شديد الخطورة على حياة المواطنين المدنيين. وخلقت ظرفا اقتصاديا بالغ الصعوبة يهدد كل جهود التنمية بالشلل التام، لقد فككت الحرب النسيج الاجتماعي وتعطلت معظم مسارات العمل الوطني، والآن أصبح ما يزيد عن 19 مليون طفل سوداني خارج المدرسة لا يجدون ما يفعلون في الحياة، فصاروا لقمة سائغة تستغل براءتهم جماعات الضلالة ودوائر الشر لخدمة أغراض خبيثة في أعمال السطو وقطع الطرق والنهب أوفي تجارة الأعضاء ، وربما تكونت منهم كتائب الميليشيات المسلحة التي لا تجيد سوى القتل.إن الطفل الذي يعيش في ظروف الحرب سيواجه حتما خطر التعرض للإصابة والإعاقة والتشويه، أو استعماله كجندي وليس كطفل في صفوف المليشيات المسلحة كما هو واقع في الكثير من الدول الإفريقية.
لم تر البشرية أهوالا أصابت الأطفال مثلما هو واقع بقطاع غزة في فلسطين المحتلة جراء الاعتداء العسكري الصهيوني على الآمنين في منازلهم وعلى التلاميذ في مدارسهم وعلى المصلين بالمساجد والمرضى بالمستشفيات، فدفع أطفال غزة ثمنا باهظا في حرب غير متكافئة، الآلاف منهم قتلوا بوحشية تحت الأنقاض وبفعل التفجيرات العشوائية ، وشاهد العالم ما خلفته الاعتداءات المتواصلة من مشاهد لا يحتمل الضمير العالمي رؤيتها، ولا يطيق أن تمر هكذا بدون تنديد وتجريم مرتكبيها الصهاينة ومن ذلك ترك الأطفال الخدج بدون أكسجين يموتون داخل الحاضنات!! واختطاف بعض الأطفال حديثي الولادة بعد مقتل والديهم …واعتقال المئات من الأطفال الأبرياء الصغار في الشوارع دون أدنى سبب أو مبرر او اتهام بل لمجردالاشتباه .
حقيقة أعد ّ المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الأولى سلسلة من القرارات التي تقيد قانونيا وسياسيا انتهاك حقوق الطفل ، وتضمن له من ناحية أخرى حمايته في حالات النزاعات المسلحة ، نظرا للمآسي التي عاش فيها الأطفال خلال هذه الحرب ، فقررت جمعية الأمم المتحدة عام 1919 إنشاء جمعية حماية الطفولة، لكن التدهور المتواصل في مصير الأطفال بعد الحرب جعل منظمة غير حكومية تدعى ” اتحاد حماية الأطفال العالمية” تعترض وأخذت برامج توجيه الطفولة في الاعتبار، وتبنى الاتحاد هذا الاتجاه عام 1924 إعلان جنيف حول حقوق الطفل الذي شدّد على واجب الإنسانية إعطاء الطفل أفضل ما لديها .
بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية يصاعد مجددا القلق في المجتمع الدولي على أمن ومصير الأطفال، فوضعت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة أسسا خاصة لحماة الطفولة ” يونيسيف” أوكلت إليها مهمة العمل على تأمين حماية خاصة للأطفال الجرحى وضحايا الحروب ، وفي عام 1959 صدر القرار رقم 1386 بشأن إعلان حقوق الطفل. وفي منتصف عام 1970 تبنت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة الإعلان عن حماية النساء والأطفال في فترت الطوارئ والنزاعات المسلحة، وفي عام 1989تبنى المجتمع الدولي الاتفاق المتعلق بحقوق الطفل المصدق من 191 دولة. في عام 1990عقدت القمة العالمية للأطفال في نيويورك ، وتبنت القمة الإعلان العالمي المتعلق بحق بقاء وحماية وإنماء الطفل ، ووضعت خطة عمل لتطبيق هذا الإعلان ، وأصبح بذلك أمر تخفيف عذاب الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة هدفا أوليا يوجب تخصيص بروتوكول لحقوق الطفل في 25 مايو 2000
لاحظ مجلس الأمن بقلق بالغ خطر وجود روابط بين تجارة الأسلحة الشخصية الخفيفة والنزاعات المسلحة و وعمليات التهريب الحدودية وبين أثرها الحاسم على الأطفال، وتوافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المتعلق بالتجارة المحظورة في الأسلحة الخفيفة عام 2000 على اتخاذ الاجراءات الكافية للسيطرة على هذه التجارة وقمعها.
كل هذه الترسانة من الأدوات المقيّدة لأعمال العنف وانتهاك حق الأطفال في الأمن والحماية والسلامة لم تجد نفعا أمام التعنت السلوك الإجرامي الصهيوني في غزة ، كما لم يكن لها رجع صدى من السودان وبعض دول الإفريقية والأمريكية والأسيوية .. فبدا وكأن المجتمع الدولي عاجز عن الإيفاء بالوعود التي قطعها والالتزام بالاتفاقيات التي وقعها بشأن حماية الأطفال ، ويبدو أيضا أن هذا العجز أكد أن الوعود والنوايا الحسنة لا تكفي وأنه في الحقيقة يخفي أزمة معنوية جسيمة سيكون لها نتائج خطيرة على مستقبل الأمن العالمي،وتبين الأرقام التالية قسوة ما يعانيه الأطفال ضحايا النزاعات المسلحة حاليا
ـ 300.000 طفل يستعملون للقتال عبرالعالم.
ـ 20 مليون طفل لاجئ ومهجّر ومشرد داخل بلدانهم وخارجها .
ـ 5 ملايين طفل صاروا معاقين .
ـ مليون طفل يتيم.
ـ 10 ملايين طفل أصيبوا إصابات بالغة أثناء الحروب
حاليا لا يتوقف المجتمع الدولي عن التأكيد على الضرورة القصوى لحماية الأجيال الجديدة من تأثيرا الحروب ، لكن منذ عام 1990 أصبح العنف في تزايد أكبر وتراجعت الآمال في التغلب على العراقيل التي تعترض طريق تحقيق بناء مجتمع للأطفال قابل للحياة .
اقرأ ايضاً
وكانت النظـرات أبلغ من الكلمات