أسرار تكوين الجسم البشري “معاني الرموز والألغاز وكيفية تشكيل الأعضاء”

بيروت – تقلا ابراهيم : ضمن سلسلة علوم الإيزوتيريك كتاب نوعي بعنوان “أسرار تكوين الجسم البشري – معاني الرموز والألغاز وكيفية تشكيل الأعضاء” إعداد وتنسيق د. جوزيف مجدلاني (ج ب م). يضم الكتاب 240 صفحة من الحجم الوسط، منشورات أصدقاء المعرفة البيضاء، بيروت.

قالوا قديمًا: “الرموز أبجدية الآلهة”، مثلما البلاغة لغة الإتقان الرائع وتعبير الفكر المبدع! من هنا جاء القول المأثور “إذا فـُقِدَ الرمز سقط المعنى”. والذي هو بحد ذاته إيجاز باهر يخفي حكمة بليغة لا تكفي مجلدات لشرحه، وإليه يعود الفضل في إصدار الكتاب.

هل الرمز صورة معنى الشكل؟ هل لكل معنى رمز؟ وهل نقرأه في الشكل أو نجده في الجوهر؟! ربما الجوهر أعطى الشكل كوسيط يسهِّل الوصول الى المعنى.

وإذا ما كانت رموز الخلق في الجسد وشكل أعضائه من صلب الحقائق الدفينة في أغوار الانسان… فإلى أي حد يصحّ القول إنَّ قراءة الرموز هي الأعمق فكرًا كونها أبجدية الآلهة، أي اللغة الأبدية الوحيدة التي ما خضعت ولا مرة للتعديل والتجدد؟!… هل لأن تعبيرها صامت وسكونها نابض، نابض ابدًا بمعانيها وكأنه يعلـِّم الباحث سرّ الغوص في حلّ الألغاز؟!

الانسان إلهيُّ الرمز في تكوينه وفي شكله، في مضمونه وقوامه، وفي هيئته وملامحه… فإلامَ يرمز المنظور فيه واللامنظور؟!

بداية، ألا يكشف الرمز رسمًا هندسيًا يجعل القارئ يفكـِّر، والمُشاهد يتمعّن، والباحث يحلـِّل؟… ناهيكم أنَّ قراءة الرمز تشحذ التفكير وتغني المخيلة.

وليتذكـّر القارئ أنَّ كل انطلاقة من المحور الى المحيط، من الجوهر الى العَرَض، هي انطلاقة صحيحة. فكم بالحري إذا كان المحور والجوهر هما الانسان؟!

من هنا يبدأ الايزوتيريك كما عوّدنا دائمًا، كاشفًا ما لا يبدو أنه كشف قبلًا، ونحن نسير برفقته في رحلة مشوِّقة نـَدرَ من سارها بين الألغاز والغوامض والأسرار مستنيرًا بمعرفة الايزوتيريك المبسّطة في الأغوار اللامنظورة حيث تهجع الحقائق الخافية عن البصر والجلية للبصيرة!

أمّا لِمَ التركيز الآن على ما ترمز إليه معاني أعضاء الجسم البشري، فلأن ألوهية بنيانه كما يقول الكاتب هي التي جعلته، مع التقدم في العمر والتعمق في المعرفة، يتحسَّس الإيمان الواعي بالخالق، ويستزيد يقيناً ويتلمَّس وعيًا راقيًا. فبقدر ما يعرف المرء ويختبر، يزداد إيمانًا وتساميًا. بذلك يلتقي مفهوم العلوم الانسانية بالإيمان العميق. وقد وجد الكاتب ضالته في علوم الايزوتيريك– علوم باطن الانسان– حيث لا يزال يتعرّف الى كل غامض وخفيٍّ في كل علم واختصاص، لا سيما في أغوار هذا الكائن المدعو انسانًا. فالانسان بكليّته، بظاهره وباطنه وخفاياه، هو محور البحوث والدراسات الحياتية التطبيقية منذ بواكير تقديمها في معاهد الباطن الأصيل في الشرق الأقصى.

تخبرنا مخطوطات الايزوتيريك العتيقة أنَّ خلق الروح الانسانية سبق خلق النظام الشمسي في طبقات الفضاء العليا… فجاء النظام الشمسي تجسيمًا باطنيًا لهندسة تشكيل الانسان بعدما استوى شكل جسده.

إذ إنّ رموز كيانه هي انعكاس الهندسة الباطنية من التكوين الكامل للكون الى الحركة الكاملة في الجسد. وهذه على تواصل دائم مع حركة النظام الشمسي. وتضيف المخطوطات أن الجسم البشري مجموع عدة اشكال… وأنَّ لكل شكل، كما لكل عضو، رمزًا… وهذه الرموز تصنـّف في نوعين: مادي جسدي، وباطني خفي. وهذا ما يستفيض الكتاب في شرحه.

وها نحن نفسح في المجال أمام القارئ (غير المطلع بعد على مؤلفات سلسلة علوم الايزوتيريك المتنوِّعة المواضيع) كي يغور في أبعاد ربما ما خطرت في باله قط، أو هي تطال حقائق أغرب من الخيال… حقائق ايزوتيريكية تستهوي تأملات طلاب المعرفة الذاتية ومدارس تحقيق الذات… حقائق أسدل عليها الزمان ستارة النسيان كي تبقى بمنأى عن التلهّي بالقشور لاستدارك المهم أولًا، فيما الأهم ما زال غير مطروق أو معلوم!

هذا الكتاب ليس أكاديميًا بالمعنى المألوف، وليس تشريحيًا ولا طبّيًا. هو فقط كتاب حياتي يشرح معنى رموز وأشكال أعضاء الجسم البشري من جهة علم الباطن، يشرحها حينًا بالتشبيه والمقارنة، وأحيانًا بالاستعارة والمجاز، وإن استعنـَّا في بعض المرات بالوظيفة الفيزيولوجية لتوضيح المقصود وجلاء الغموض، والتنويه أحيانًا بما كان قبل خلق الجسد.

هذا الكتاب دراسة في جغرافية الجسد من مواقع أعضائه ورموز أشكالها ظاهرًا وباطنًا… وذلك من منطلق التشريح المعرفي الايزوتيريكي الحياتي الذي يبدأ بالأعمال الوظائفية وينتهي بالمفاهيم الباطنية؛ ولعلـّه الكتاب الأول الذي يشرح معاني رموز البواطن الخفية وعلاقتها بموجودات الفضاء.

ومن منطلق “إذا فـُقِدَ الرمز سقط المعنى”، تناولتْ موضوعات الكتاب معاني رموز أعضاء الجسد وألغاز تكوين الكائن البشري كما رسمتها هندسة الباطن القائمة على قاعدة علم الأرقام ومغازيها… وزيادة في الإيضاح، استعان الكتاب ببعض العبارات والمقاطع الرمزية التي وردت في الأساطير الشرقية، بغية تثبيت إضافي للمقصود وإغناء الموضوع بحقائق مستورة. فضلًا عن أن الإلمام بمعاني البواطن الخافية يكشف مغازي الأساطير… ما يهوِّن على القارئ إيجاد مفاتيحها!

يقول الكاتب إنه لجأ الى القيِّمين على الدراسات الباطنية العليا بطلب المشورة والمساعدة– رافق أحدهم الى قاعة الأرشيف حيث تحفظ المخطوطات الباطنية النادرة والوثائق السرية الخاصة التي تعود الى حضارات غابر الزمان! نظر مشدوهًا إليها وكأنه وجد كنزًا… مخطوطات ايزوتيريكية قديمة قِدَم التاريخ… وثائق عتيقة تعلوها هالة الخشوع والإجلال، إذ ترمز الى علاقة الخالق بالمخلوق… أبحاث متنوِّعة في الغوامض وعلوم الأسرار والالهيات، مسكوبة كلـّها في معادلات رقمية وكأنها بنيان هندسي متكامل… ومعظمها مدوَّن بأحرف غير اللاتينية، إنما ترجماتها باللغة الانكليزية مرفقة بها– وما كان من الكاتب غير تعريب ما يلزم. وقف طويلًا، مبهورًا، أمام مجلدات ومخطوطات ووثائق وأبحاث، وتوصلات شخصية تفوق الحصر… جميعها مبوّبة المواضيع ومرصوفة على رفوف قديمة في خزائن عتيقة تتحدّى الغبار بنظافتها، إنما لم تستطع تحدّي الزمن باصفرار أوراق محتوياتها!

إلتهم نظره هذه المخطوطات الفريدة قبل أن تمسَّها يداه… إذ إنّ طبيعته الفطرية تتعشـّق الألغاز والأسرار والرموز، وتهوى كل ما هو نادر وغريب وعسير الوصول. انكـبّ الكاتب عليها يغبُّ من محتوياتها ما يروي الغليل ويكوِّن مواد بحثه الباطني.

إلامَ يرمز شكل الكائن البشري؟… وإلامَ يشير كل عضو فيه؟ ما هو الرابط الخفي الذي يصله بالوجود من حوله؟ هل ثمة غوامض وأسرار يدلـّـنا عليها أو يكشفها لنا؟ ما هو وجه التقارب بينه وبين الطبيعة؟ وما هي علاقة هندسة تكوينه بالكون وبالرقم؟… وأمور عديدة غيرها وردت في سياق النص، إضافة الى تساؤلات غير متوقعة أفرزتها الأبحاث المختلفة والدراسات المتعمقة، بما يتبعها من استنتاجات أولية من خلال التقصّي في بعض المخطوطات والوثائق الايزوتيريكية العتيقة!

لقد تركـّزت الأبحاث التي قام بها الكاتب على أوجه الشبه بين أعضاء الجسم الخارجية والداخلية وعلاقتها بمكوناته الباطنية (الأثيرية) غير المنظورة، وبين موجودات الكون… ثم شرح رموز تكوين الجسم البشري ومعاني وجودها… الى تفسير غوامض أشكال الأعضاء الداخلية ووظائفها الباطنية، من منطلق إدراك فحوى الموجودات الطبيعية والكونية الى جانب المغازي الباطنية لكل كائن أو كيان أو مخلوق.

جديد هذا الكتاب هو خلاصة ما انتقيناه من معرفة مستورة تفكـِّك الألغاز وتجلي الغوامض بغاية إيضاح ما خفي على الانسان، بغية التوعّي والامتثال بالأفضل في حياته إثر التعرُّف الى جسده ومكوِّناته الباطنية وعلاقتها بالفضاء الخارجي… استعدادًا لصولات وجولات مستقبلية في ميادين معرفة حياتية تفيض بمعلومات طبّية وعلميّة تميط اللثام عن أشكال هندسة باطنية بديعة تقدِّم وسائل متقدِّمة في كيفية معالجة الحالات المرضيّة وفقًا لأحجام وقياسات الأعضاء المصابة… انتهاءً الى علاقاتها بالمقاييس ما بين الكواكب والنجوم! لعلّ هذا ما يضع القارئ في خشوع وتأمل، وفي تقشـُّف وابتهال للغوص في غوامض تكوينه الداخلي أساس وجوده.

حقائقُ الكتاب تفوق الخيال… فهي تكشف علاقة الانسان بالكون، تفصِّل علاقة الموجودات بكل ما يكتنف حياة الانسان، ثم تربط الظواهر بأصلها الباطني من منطلق علاقة الانسان بموجودات الكون!

كتابٌ يجمع بين العلم والفلسفة والالهيات، رابطًا منطق العلم بايمان اليقين عبر كشوفات الباطن الانساني. فريدٌ في نوعه هذا الكتاب، نادرٌ في طروحاته، غنيٌّ في مضمونه، واسعُ الآفاق وعميقُ الأغوار… يصوغه المنطق الحياتي بأسلوب السهل الممتنع.

لم نستطع اختصار مواضيع الكتاب، فهي كلٌّ من كلٍّ.

حقًا، إنه كتاب تفخر به المكتبة العربية، لأنها تفتقر الى محتوياته. فهنيئًا لكل قارئ به.

شكرا للتعليق على الموضوع