زراعة القلب: الجراحة التي جعلت الطب محط اهتمام الاعلام
كان يوم 3 ديسمبر/ كانون أول 1967، يوميا مشهودا في تاريخ العالم والطب عندما تمت أول عملية زراعة قلب لمريض في العالم على يد الجراح كريستيان برنارد، بمستشفى غروت سكور في كاب تاون، بجنوب أفريقيا.
ففي ذلك اليوم حصل لويس فاشكانسكي، 54 عاما، على قلب جديد كان لشابة تدعى دينيز دارفال، 24 عاما، توفيت قبل دقائق من العملية في حادث سيارة، وأصبحت تلك العملية حديث العالم أجمع.
وتوافد مئات الصحفيين والإعلاميين ومراسلو القنوات التليفزيونية على المستشفى لتسجيل حوارات وعمل تقارير ولقاءات مع الطبيب والمريض وتسجيل كل ما دار داخل غرفة العمليات.
وأشادت التقارير الأولية بالعملية ونجاحها الكبير ووصفتها بأنها “ناجحة” و”تاريخية”، على الرغم من أن المريض فاشكانسكي لم يعش أكثر من 18 يوما فقط.
وحققت أول عملية زراعة قلب شهرة هائلة في جميع أنحاء العالم ولفتت أنظار الإعلام بشدة إلى الطب والأطباء، وكانت حقبة جديدة لتحول الطبيب والمريض إلى نجوم عالميين، وظهروا في المؤتمرات الصحفية والتقارير الإخبارية.
وأصبحت تلك العملية من أشهر وأهم أحداث القرن العشرين، مثلها مثل الهبوط على سطح القمر بعد ذلك بعامين.
وقال عنها أحد الصحفيين، إنها تجسد كل شيء يحلم به المراسل الصحفي.
كانت العملية إنجازا تكنولوجيا استثنائيا ينطوي على العضو البشري الأكثر رمزية في حياتنا (القلب)، وقصة رائعة عن شخص يفقد الحياة ويتيح لشخص أخر فرصة الحياة من جديد.
في دائرة الضوء
وفي جناح فاشكانسكي في المستشفى كان يجرى تسجيل نشاطه اليومي وكل حركاته وأقواله ومشاعره دقيقة بدقيقة، سواء كانت الحركة أو الجلوس أو المشي أو النوم او الاستيقاظ وحتى الابتسامة والكلمة، وما يتناوله وما يشربه يوميا، وكانت كل تلك الأشياء تنشر يوميا على صدر صفحات الجرائد.
واهتمت وسائل الإعلام أيضا بزوجته ووالد الفتاة التي منحته قلبها، والتقطت صورهما معا وقدمت زوجة فاشكانسكي الشكر إلى والد الفتاة دارفال للموافقة على منح زوجها الحياة من جديد وتقديم هذه “الهدية الغالية هدية الحياة”.
وبعد عدة أيام من الجراحة توفى فاشكانسكي بسبب الإصابة بالتهاب رئوي، وتم دفنه بجوار الفتاة التي منحته قلبها.
ومع هذا ظل الطبيب برنارد في دائرة الأضواء ومحور اهتمام العالم.
وظهر على غلاف مجلة بكاريزماته وصوره الجذابة، والتقى بكبار الشخصيات ونجوم السينما وتجمع حوله المصورون والجمهور أينما ذهب.
ومع هذا بدأ القلق حول زراعة القلب وانقسم الرأي الطبي. وكان العديد من الجراحين الآخرين مستعدين تقنيا لأداء عملية زراعة القلب، وأدت عملية برنارد إلى موجة من النشاط الدولي.
في عام 1968، تم إجراء أكثر من 100 عملية زراعة قلب في جميع أنحاء العالم، من خلال 47 فريقا طبيا مختلفا. وصاحب كل عملية دعاية كبيرة عبرت خطوطا جديدة لمهنة الطب التقليدية.
وعاش غالبية المرضى الذين خضعوا لهذه العمليات لفترة قصيرة، بل إن بعضهم عاش لساعات فقط، مما أثار حالة عدم ارتياح عام وانتقادات طبية لمعدلات الوفيات الكبيرة.
وظهرت قضايا أخلاقية وقانونية معقدة فيما يتعلق بنقل قلب ينبض، وهو المؤشر الرئيسي للحياة والموت، وعما إذا كان هذا بمثابة قتل للمريض المانح.
معضلات أخلاقية
كما تم التشكيك في دافع الأطباء لإنقاذ حياة المرضى الذين يصنفون على أنهم متبرعون محتملون بقلوبهم، خاصة بعد عملية زراعة القلب الثانية التي قام بها الطبيب برنارد، في يناير/ كانون الثاني 1968، حين نقل قلب رجل “ملون”، وهو المصطلح المستخدم لوصف السود في جنوب أفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري، إلى رجل أبيض.
وجلبت “جراحة قطع الغيار” الأمل للبعض والخوف لآخرين.
وفي حلقة خاصة من برنامج عالم الغد على بي بي سي، في فبراير/ شباط 1968، واجه برنارد منتقديه وشهدت الحلقة حدثا رئيسيا لبحث الآثار الاجتماعية والأخلاقية.
وشهد الاستديو مناقشة مع برنارد وعشرات من الأطباء البارزين، وتطرقت أيضا إلى تحديد قواعد السلوك المهني المتعلقة بعدم الكشف عن هوية المريض وسرية المريض.
وكما هو الحال في أي مكان آخر، تم إجراء أول عملية زراعة قلب في بريطانيا في مايو/آيار 1968 وسط اهتمام إعلامي كبير، وفي نهاية المطاف ساهمت الدعاية المصاحبة للعمليات المثيرة للجدل في وقفها خلال السبعينيات.
واستأنفت عمليات زراعة القلب مع التقدم الكبير في العلاجات المناعية. مثل هذه العمليات توفر حاليا تدخلا جراحيا يطيل الحياة، ولكن الانتقال من عملية برنارد الرائدة إلى الجراحة الروتينية اليوم لم يكن أبدا سلسا، وفق ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.