نافع فى ذمة الله … رحل من دون أمنيته الأخيرة
لم يمهل القدر الصحفي المصري البارز إبراهيم نافع ليحقق أمنيته الأخيرة بالسماح له بالعودة إلى مصر، إذ وافته المنية في أحد مستشفيات أبوظبي أمس، عن 84 سنة، بعد إصابته بالسرطان الذي استدعى خضوعه لجراحة استئصال البنكرياس والطحال. وأعلنت زوجة نافع الصحافية علا بركات أن جثمانه سيعود إلى القاهرة اليوم، بعدما أرسل السفير المصري لدى الإمارات وائل محمد جاد، مندوباً لإنهاء الإجراءات اللازمة لذلك.
«كده كفاية غربة وأتمنى أن أعيش أيامي الأخيرة في بلدي»، كلمات تناقلها عدد من الصحفيين أخيراً على موقع «فيسبوك» ونسبوها إلى نافع.
وفي 25 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كتب صلاح منتصر في زاويته في «الأهرام»، ملتمساً من السلطات المصرية السماح لنافع بالعودة، «ليمضي البقية الباقية من عمره قبل أن يلقى وجه ربه، ويكون الحساب العادل على حسناته وسيئاته».
وقال نقيب الصحفيين المصريين عبدالمحسن سلامة، إنه يتواصل مع النائب العام المصري نبيل صادق، لرفع اسم أحمد نافع، نجل الراحل، موقتاً من قوائم ترقب الوصول، على خلفية اتهامه في قضية «هدايا الأهرام»، ليتسنى له حضور مراسم الجنازة والدفن وتلقي العزاء بوالده.
بعيداً من تهمة الفساد المالي، التي لم يحسمها القضاء المصري بعد، ينظر إلى إبراهيم نافع باعتباره «قائد معركة التصدي للقانون 93 لسنة 1995»، حتى تم إلغاؤه، علماً أنه كان ينطوي على تغليظٍ لعقوبات في جرائم النشر ويلغي ضمانة عدم الحبس الاحتياطي للصحافيين في هذه الجرائم. وانطلقت تلك المعركة في العاشر من حزيران (يونيو) 1995. وبات ذلك اليوم، بقرار من الجمعية العمومية للصحافيين، «عيداً سنوياً لحرية الصحافة»، بما أنه شهد بداية عمل استمر نحو سنة من أجل إلغاء «قانون اغتيال حرية الصحافة وحماية الفساد».
ويعد نافع، الذي انتخب نقيباً للصحفيين المصريين لدورات عدة، أول مَن تولى رئاسة اتحاد الصحفيين العرب، كما أنه صاحب فكرة هدم مبنى النقابة القديم وإعادة تشييده في الموقع ذاته وسط القاهرة بطراز حديث تميّز بمدخل واسع اشتُهر في ما بعد بسلالم باتت تجتذب المحتجين على سياسات عهد مبارك، وكانت من الساحات البارزة لتظاهرات «الربيع المصري» في عام 2011 وما تلاه، إلى أن صار ذلك مقيداً بقانون حظر التظاهر من دون إذن مسبق من وزارة الداخلية.
النقض تؤيد حكما بسجن مبارك ونجليه فى القصور الرئاسية
ويُحسب لنافع كذلك أن إصدارات مؤسسة «الأهرام» توسّعت في عهده، لكن مع مرور الوقت بات ذلك التطور عبئاً تحت وطأة تفاقم الديون وانحسار التوزيع، حتى أن جريدة «الأهرام» ذاتها، لم تعد تطبع أكثر من 35 ألف نسخة، فيما كانت ذات يوم توزع نحو مليون نسخة من عددها الأسبوعي.
واستند اتهام نافع بالفساد إلى أن ثروته تضخَّمت، وفق تقارير صحافية، مِن 3100 جنيه في العام 1979 إلى نحو 5.3 بليون جنيه في العام 2005، وهي فترة رئاسته تحرير «الأهرام»، ومن بينها 21 سنة جمع خلالها بين ذلك المنصب ورئاسة مجلس إدارة المؤسسة التي تصدر الجريدة.
ولم يتخذ الاتهام صبغة رسمية إلا بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 التي أجبرت الرئيس السابق حسني مبارك على التخلي عن الحكم، ومن ثم فتحت الباب واسعاً لمساءلة مبارك نفسه ونجليه وعدد كبير من رموز فترة حكمه -وبينهم نافع- قضائياً.
وفي آذار (مارس) 2014، طلب القضاء المصري من الإنتربول الدولي القبض على نافع، ووضع اسمه على لوائح الترقب والوصول.
ولد نافع في السويس في 12 كانون الثاني 1934، وحصل على ليسانس الحقوق عام 1956 من جامعة عين شمس، وعمل بعد تخرجه في وكالة «رويترز»، ثم محرراً في الإذاعة المصرية، ومحرراً اقتصادياً في جريدة «الجمهورية»، ثم رئيساً لقسم الاقتصاد في جريدة «الأهرام». كما عمل مساعداً لرئيس التحرير، ورئيساً للتحرير في العام 1979.
له ثلاثة كتب، هي: «رياح الديموقراطية» (1984) و «سنوات الخطر» (1985) و «العالم ونحن وأنفسنا» (1986). وترجم كتاب «شركاء في التنمية» لليستر بيرسون. ترك منصبيه في «الأهرام» في تموز (يوليو) 2005، وواصل رئاسة مجلس إدارة «المنظمة العربية لمناهضة التمييز»، والتي تركز اهتمامها على فضح عنصرية إسرائيل.