أغرب قرية في العالم.. عداد سكانها “امرأة واحدة”
قالت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، في تقرير لها، إن بلدة مونوي المكان الوحيد في الولايات المتحدة الذي يبلغ تعداد سكانه شخصا واحدا فقط، وذلك وفقًا لآخر تعداد أمريكي للسكان.
وأفادت “بي بي سي”، بأن إلسي إيلير البالغة من العمر 84 سنة، تعيش بمفردها في بلدة خالية تماما من السكان، وتدفع الضرائب لنفسها، وتصوت لنفسها في انتخابات عمدة البلدة، وهي آخر السكان الباقين فيها.
وأضاقت “بي بي سي”: “في الأطراف الشمالية النائية لولاية نبراسكا الأمريكية، يمر طريق ترابي وعر وسط الأراضي الخضراء، وحقول القمح الذهبية، يؤدي إلى بلدة مونوي”.
وأوضحت: “في قلب البلدة، توجد كنيسة مهجورة تملأ أركانها إطارات جرارات زراعية قديمة، ويقع أمامها مخزن متهالك للحبوب. ووسط مجموعة من المنازل المهجورة والمتهالكة، يقع منزل إيلير، وهو مبنى أبيض اللون، لكن الدهان المستخدم في طلائه من الخارج أصبح الآن قشورا بيضاء تكسو جميع جوانبه”.
وتدير إيلير بجوار منزلها حانة صغيرة، تعد فيها بعض الأطعمة، وزجاجات الجعة للزائرين المحتملين، وهناك لافتة كُتب عليها: “مرحبا بكم في أشهر حانة عالمية في مونوي”.
وعندما توفي زوج إيلير، وكان يُدعى رودي، في عام 2004، لم يترك لها إدارة الحانة فقط، لكنه ترك لها أيضا إدارة البلدة بأكملها. كما تغير تعداد السكان في البلدة من شخصين إلى شخص واحد فقط.
وتشغل إيلير حاليًا منصب عمدة البلدة، وهي أيضًا الموظفة الإدارية الوحيدة، وأمينة الصندوق، وأمينة مكتبة البلدة، وهي الشخص الوحيد المتبقي في أصغر بلدة أمريكية في الوقت الحالي.
وقالت “بي بي سي”: “في كل عام، تعلق إيلير لافتة على مقر النشاط التجاري الوحيد في البلدة، المتمثل في الحانة التي تديرها، للإعلان عن الانتخابات الخاصة باختيار عمدة البلدة، وبعدها تصوت لصالح نفسها كمرشح وحيد”.
وبالطبع، تصبح إيلير مطالبة بتقديم خطة سنوية لإدارة الشؤون المحلية في مونوي، وذلك لضمان الحصول على تمويل من الولاية.
وتجمع إيلير من نفسها نحو 500 دولار أمريكي كضرائب مستحقة عليها سنويًا، من أجل استمرار الخدمات الحكومية المتمثلة في إضاءة ثلاثة أعمدة إنارة بالبلدة، والحفاظ على استمرار تدفق المياه إلى منزلها.
ونقلت “بي بي سي” عن إيلير قولها: “عندما أتقدم بطلبات للولاية للحصول على تراخيص بيع الخمور والتبغ، فإنهم يرسلونها إلي بصفتي أمينة صندوق البلدة، ثم أوقع عليها بنفسي بصفتي الموظفة الإدارية بالبلدة، ثم أقدمها إلى نفسي مرة أخرى بصفتي مالكة الحانة”.
كما تحتفظ إيلير بقائمة بالأماكن المتوفرة للإقامة في البلدة، في حال أراد أحد الحصول على مسكن يقيم فيه لبعض الأيام داخل البلدة.
عصر ازدهار مونوي
في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت مونوي محطة على طريق السكك الحديدية لمدينة إلكورن، وكان سكان البلدة آنذاك يبلغون 150 نسمة، وكانت تنشط فيها محال البقالة، والمتاجر، والمطاعم، وكانت أيضا تضم سجنا حكوميا.
وقد نشأت إيلير في صباها في مزرعة بالبلدة، وقابلت زوجها الراحل رودي في مدرسة ابتدائية ذات فصل واحد هناك. ثم اعتاد الاثنان أن يستقلا نفس الحافلة للذهاب إلى أقرب مدرسة ثانوية، والتي كانت تبعد عن القرية نحو سبعة أميال.
وبعد ذلك، التحق رودي بالقوات الجوية الأمريكية، وخدم في فرنسا إبان الحرب الكورية، بينما ذهبت إيلير إلى مدينة كانساس لخوض مغامرة جديدة.
وقالت إيلير: “ذهبت إلى هناك للعمل في شركة طيران، وكان يراودني الحلم بأن أصبح مضيفة جوية. لكنني لم أكن أهتم كثيرا بالعيش في تلك المدينة، وكانت بلدة مونوي موطني على الدوام”.
ثم عادت إيلير إلى البلدة لتتزوج من رودي عندما كانت تبلغ 19 سنة، وأنجبت بعد ذلك طفلين.
وعندما أخبرها رودي عن رغبته في إعادة افتتاح الحانة التي كان يديرها والدها، رحبت بالفكرة على الفور، وأعاد الزوجان افتتاح تلك الحانة في عام 1971.
وكان رودي قبل ذلك مباشرة يعمل في مخزن للحبوب في القرية، وفي توصيل الوقود لمحطات التزود بالوقود، بعد أن انتهت خدمته في القوات الجوية.
وفي الوقت الذي أعيد فيه افتتاح الحانة في مونوي، كانت أنشطة أخرى في القرية قد بدأت في إغلاق أبوابها، بعد أن ساءت أوضاع الزراعة، وانهارت الأنشطة الريفية في منطقة “السهول العظمى” بالولايات المتحدة، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ثم بدأت مجتمعات كاملة في الاختفاء من هذه المنطقة.
وكانت آخر مراسم جنائزية في كنيسة مونوي قد عقدت في عام 1960 من أجل تشييع والد إيلير. ثم أغلق مكتب بريد القرية، وثلاثة متاجر للبقالة بين عامي 1967، و1970، وبعد ذلك أغلقت مدرسة القرية في 1974.
وقد انتقل ابنا إيلير إلى خارج القرية بحثا عن فرص عمل في أواسط فترة السبعينيات، وقبل حلول عام 1980، كان تعداد سكان القرية قد انخفض إلى 18 شخصا فقط.
وفي عام 2000، لم يبق في القرية سوى إيلير وزوجها رودي، وكان الاثنان يعملان في الحانة.
واليوم، أصبحت مونوي واحدة من ثلاث بلدات إدارية تقع في مقاطعة بويد بولاية نبراسكا، يقل سكان كل منها عن عشرة أشخاص.
مجتمع خاص
ربما تعيش إيلير بمفردها، لكنها لا تشعر بالوحدة، فهي تسير يوميا لبضع خطوات من بيتها إلى الحانة كل صباح في الساعة التاسعة (ما عدا يوم الإثنين الذي تخصصه كإجازة أسبوعية لها).
ويعيش أغلب زبائنها المنتظمين على بعد 20 أو 30 ميلا، وهم أشخاص قد عرفتهم جيدا خلال سنوات حياتها، بينما يقود آخرون سياراتهم لمسافة 200 ميل من أجل زيارتها، والاطمئنان عليها.
وتقول إيلير، عندما كانت تجلس مع صديقة لها في الحانة: “إنها عائلة واحدة كبيرة. فهناك زبائن من الجيل الرابع أو الخامس يأتون إلى هنا، ويبدو الأمر رائعا حقا عندما يأتي الأشخاص الذين كانوا أطفالا صغارا في البلدة بصحبة أطفالهم الصغار لكي أراهم”.
ويأتي بعض الزبائن إلى الحانة، في رحلة تستغرق عشر ساعات تقريبا، لقضاء أمسيات يوم الأحد، ولا تغلق إيلير أبواب حانتها إلا بعد التاسعة والنصف من مساء ذلك اليوم، بعدما يعود الهدوء إلى البلدة مجددا.
مكتبة القرية
وهناك أيضا مبنى عاما في مونوي يقع بجوار تلك الحانة، ويبعد خطوات عن بيت إيلير، وهو “مكتبة رودي”، التي تحمل اسم زوجها.
كان رودي قارئا نهما، مولعا بالكتب، وقبل وفاته بوقت قصير في عام 2004، قال إن أمنيته الأخيرة هي أن تتحول مكتبته الخاصة إلى مكتبة عامة في البلدة.
وكان رودي قد جمع ما يقرب من خمسة آلاف كتاب ومجلة، لكنه توفي قبل أن يكمل مشروعه.
وبعد وفاته بأشهر قليلة، تعاون أبناؤه وأحفاده من أجل إكمال بناء المكتبة، وساهموا في بناء الأرفف، ودهان الحوائط بأنفسهم، وكتبوا لافتة بخط اليد تحمل اسم “مكتبة رودي”.
شهرة غير متوقعة
بعد وفاة رودي، وطبقا للتعداد السكاني للولايات المتحدة، أصبحت مونوي البلدة الأمريكية الوحيدة التي يسكنها شخص واحد فقط. ومنذ ذلك الحين، أصبحت إيلير والبلدة مادتين خصبتين في وسائل الإعلام.
واليوم، وبعد مرور 14 عاما من العيش بمفردها، تحتفظ إيلير بأربعة سجلات تمتلئ بتوقيعات الزائرين الذين قدموا من جميع أنحاء العالم لرؤية هذه المرأة والبلدة التي تعيش فيها.
وتقول إيلير: “يجعلني هذا الأمر أشعر بالفخر لأنني جلبت بعض الاهتمام إلى هذا الجزء من العالم”.
وتمتد عائلة إيلير لتشمل، بجانب ابنيها، خمسة أحفاد، واثنين من أبناء الأحفاد، لكن أقرب فرد في عائلتها يعيش على بعد 90 ميلا منها، في مدنية بونكا بولاية نبراسكا، بينما يعيش الآخرون في أماكن متفرقة تشمل أريزونا، وهولندا.
وتقول إيلير: “أعرف أنه كان بإمكاني أن أنتقل للعيش مع ابناي، أو أن أبقى معهما وقتما أشاء، لكنني كنت أفكر في أنه ينبغي علي أن أكسب أصدقاء جددا مرة أخرى. فطالما كان بمقدوري البقاء هنا، فهذا هو المكان الذي أرغب أن أكون فيه حقا. وأعتقد أنه من الصعب أن تغير عاداتك عندما تكبر في السن”.
وبعد قضاء 12 ساعة في الحانة كل يوم، تعود إيلير إلى بيتها، وتفتح كتابا من الكتب التي تركها زوجها رودي. وقبل الساعة 11 مساء، تستعد إيلير للذهاب إلى فراشها، ولاستقبال الزائرين المحتملين في صباح اليوم التالي.