التمييز بين الحب والأوهام.. الخطوة الثامنة نحو “قوة اللحظة”

يسرد كتاب “قوة الآن” أو The Power of Now ، لإيكارت تول، خطوات عملية على طريق الوصول إلى الهدف الذي يسعى جميع البشر بلا استثناء إلى بلوغه خلال حياتهم، فمن منا لا يريد الوصول إلى السلام النفسي الكامل، والسمو فوق جميع مشاكل الحياة، وأن يضع قدمه على الطريق الصحيح للعلاقات الاجتماعية والعاطفية.

بدأنا في الفصل الأول من الكتاب بالحديث عن كيفية التحرر من التفكير الزائد، ثم تناول الفصل الثاني أهمية عيش اللحظة الحالية فقط وأصل خوف الإنسان وأسبابه الحقيقية، وواصل تول حديثه في الفصل الثالث عن معنى السعادة الحقيقية، وخطورة الانغماس فيما يعرف بـ”الوقت النفسي”، أما الفصل الرابع فقد سلط الضوء عن المعنى الحقيقي للحياة، وفي آخر محطة وصلنا إليها حتى الآن وهي الفصل الخامس ساعدنا تول على اكتشاف الحياة في كل ما حولنا حتى الجماد،  وتحدث الفصل السادس عن أهمية الحضور والوعي في مكافحة أثر تقدم العمر على الجسم وتقوية جهاز مناعته، وقدم الفصل السابع خيارات أخرى غير الجسد لتحقيق حالة الوعي والحضور.

يؤكد تول أن لم يتمكن الإنسان من الدخول في حالة الحضور باللحظة الحالية والوعي بالذات الحقيقية فإن كل العلاقات وخاصة العلاقات العاطفية ستفسد بشكل أو بآخر، إذ أنها ستبدو علاقة مثالية في بدايتها لكن سرعان ما سيعكر صفوها الجدل والصراعات والانتقاد، الأمر الذي يصل إلى حد الإيذاء النفسي أو الجسدي في بعض الأحيان، وبهذا الشكل تكون العلاقة العاطفية في تردد دائم بين الحب والكراهية، حتى يصبح الشعوران وجهين لعملة واحدة.

في بداية العلاقة قد يشعر الإنسان أنه في سعادة تغنيه العالم كله، حتى تصبح العلاقة بين الشريكين كإدمان المخدرات، يشعر كل منهما بالسعادة في حضور الآخر والاضطراب في غيابه، ثم يبدأ هذا الاضطراب يأخذ أشكالا متعددة مثل الغيرة الجنونية وحب التملك، ثم لوم واتهامات متبادلة، لتتحول الحياة بالتدريج إلى معاناة بعد أن كانت العلاقة من أكبر مسببات السعادة، إذن فقد نكون على خطأ إن أطلقنا على مثل هذه العلاقات “علاقة حب”.

تكمن مأساة العلاقات الرومانسية في أنها تقوم بين اثنين اتخذا قرارهما بناء على شعور بالاحتياج والنقص، وهي طبيعة بشرية، أو بمعنى أدق، طبيعة لدى من لم يصلوا بعد إلى مرحة التنوير أو الوعي بذاتهم الحقيقية، وتأخذ حالة الاحتياج هنا صورتان، احتياج جسدي وآخر نفسي.

ويتعرض الفصل الثامن إلى أحد أهم القضايا في حياة الإنسان، وهي فكرة اختيار شريك الحياة ورحلة البحث عن الحب الحقيقي الذي يجد فيه الفرد ذاته الحقيقية. بداية ينفي تول أن يكون انتظار الإنسان لدخول علاقة الحب في المستقبل يعد أحد مسببات السعادة والسلام النفسي الذي ينشده الجميع، فالسعادة لابد أن تكون نابعة من داخل الإنسان أولا ولا تعتمد على أي مسبب خارجي، فحتى وإن تحققت السعادة بسبب علاقة حب فقد تكون نفس العلاقة سببا للألم والمعاناة.

يعد الاحتياج الجسدي من أقوى الدوافع التي تقف وراء اتخاذ قرار إقامة علاقة، فحتى وإن لم يكن هدفا معلنا، فالحقيقة الثابتة أن الرجل لا يشعر باكتماله الجسدي إلا في وجود امرأة والعكس صحيح، إلا أن الخطأ الذي يحدث هو التعامل مع هذا الاحتياج على أنه غاية في حد ذاته، لذا فالإنسان غير المتصل بذاته الحقيقية، بعد إشباع تلك الرغبة الجسدية يجد أنه غير سعيد، وربما يسعى للانفصال الجسدي مرة أخرى.

ويحدث أمر مشابه فيما يتعلق بالاحتياج النفسي، فالشخص المستسلم لسيطرة عقله ومنفصل عن ذاته الحقيقية، يندفع نحو الدخول في علاقة إرضاءً لاعتبارات كثيرة، مثل صورته أمام المجتمع أو ربطه النجاح والفشل في الحياة بمثل هذه العلاقات، فضلا عن وجود احتياج عاطفي لشخص يبدي اهتمامه به ومشاركته أنشطته، إلا أن كل هذه الاحتياجات وليدة الأنا أو الذات المزيفة، لذا فسرعان ما يزول أثر السعادة التي تحققه ويبقى الخوف والقلق اللذان يميزان الأنا أيضًا.

لحل تلك الإشكالية انظر إلى ما تشعر به في علاقتك، إن كنت تشعر بالحب تجاه شريكك وفي بعض الأحيان تشعر برغبة في الانتقام ومهاجمته بسبب بعض الأفعال الصادرة عنه، فأنت على الأرجح هنا قد خلطت بين الحب الحقيقي والتعلق بالأنا ومفاهيمها المغلوطة، فالحب الحقيقي لا يجتمع مع الرغبة في الهجوم والأذى، لا يجتمع مع الكراهية التي غالبا ما تظهر في نهاية العلاقات عندما يفشل الشريك في تلبية احتياجات الأنا طوال الوقت.

بالتأكيد ليس الحل في تجنب العلاقات مع الجنس الآخر، بل في التركيز على اللحظة الحالية واستشعار السعادة النابعة من الذات الحقيقية المتحررة من أطماع الجسد ومفاهيم العقل المغلوطة واحتياجات الأنا، لكن البعض يظن أنه إن انتبه للحظة الحالية لن يجد فيها سوى الألم والقلق، لكن ذلك غير صحيح، فالألم والقلق ليسا سوى نتيجة طبيعية للندم على الماضي والخوف من المستقبل، أما جمال وقوة الذات الحقيقية لن تظهر سوى في اللحظة الحالية وفقط.

الحب حالة دائمة للذات الحقيقية لا يحتاج إلى انتظار إنسان بمواصفات محددة لتشعر تجاهه بتلك المشاعر، فهو نابع من الروح التي لا تعرف معنى للوقت النفسي ولا تعترف بقيمة للشكل الخارجي، الحب الحقيقي لابد أن ينبع من ذاتك كضوء الشمس الذي يغمر جميع من تقابله لا يستثني أحدا، وستجد من يبادلك هذا الحب الحقيقي عندما تجد من يستطيع أن يعكس ما تشعه روحك من الحب بنفس الدرجة.

ساعتها ستكون علاقة الحب حقيقية لأنها لن تكون انتقائية قائمة على احتياج جسدي ونفسي زائلين، وستكون خالية من المعاناة لأن شريكك هنا لن يقوم بدور المخدر الذي تدمنه، بل سيكون أحد هؤلاء الذين طغى نور حبك عليهم، ربما سيكون الفارق الوحيد عن غيره أنه هو فقط من استطاع أن يبادلك نفس القدر من الحب.

فمهما كانت درجة وعي الإنسان فاحتياجاته النفسية والجسدية لشريك لا يمكن إغفالها وبالتأكيد نحن لا ندعو لذلك، لكن قبل أن تدخل في علاقة تأكد من أنك على اتصال تام ووعي حقيقي بذاتك، فإن كانت احتياجات الجسد والعقل لا تتوقف لأنهما دائما الشعور بالنقص  فالروح تشعر بالكمال، فإن كنت لا تشعر بالسعادة وأنت وحيدا فلن تشعر بها مع من تتصور أنه شريك أحلامك.

يمتلئ العالم الآن بملايين البشر الذين قرروا استكمال حياتهم بمفردهم خوفا من تكرار تجارب ماضية مؤلمة، وملايين ممن استسلموا لفكرة الاستمرار في علاقات تستنزف طاقة أرواحهم، تحت ذريعة أنهم يفعلون ذلك بسبب وجود أطفال أو لمجرد أن ذلك يعطيهم شعور وهمي بالأمان أو بحكم تعودهم أو حتى خوفًا من الشعور بالوحدة، وهو شكل آخر من أشكال اللاوعي أو الانسياق وراء أفكار العقل، التي لا يضع لها حدًا سوى اتخاذ الخطوة الأولى وهي الاعتراف بأنك غير سعيد في وضعك القائم ومحاولة تقبل الفكرة تمهيدا للتعامل معها وليس إنكارها.

في الفصل التاسع يتحدث المؤلف بتفصيل أكثر عن السعادة وهل يستطيع الإنسان الحياة في سعادة دائمة أم أن هناك ما يجب أن ينغص عليه صفو أيامه، وما دور الوعي والحضور في هذا الصدد، وفقًا لوكالة “سبوتنيك” الروسية.

شكرا للتعليق على الموضوع