هربوا من جحيم سوريا ليكونوا ناديا بالنمسا
تقرير – التلغراف : فريق كرة قدم سوري فريد من نوعه في العاصمة النمساوية فيينا، فعدا عن تحقيقه مجموعة من الانتصارات الكروية المحلية، يفتخر أعضاء هذا الفريق بأن فريقهم هو الوحيد في النمسا الذي يجمع لاعبين كردا وعربا في إطار واحد. فريق عامودا، الذي ترقى الآن إلى الدرجة الثالثة على مستوى فيينا، يحاول تحقيق هدف أكبر من الربح بمباريات كرة القدم.
استقبلنا أبو أراس، رجل يبلغ من العمر 49 عاما، فاتح البشرة، طويل بعض الشيء، البسمة لا تفارق محياه. يتحدث بصوت هادئ يوحي بالثقة والأمان. قادنا الرجل عبر شارعين فرعيين قصيرين لنجد أنفسنا أمام ملعب أخضر تتوسطه مجموعة من لاعبي كرة القدم بثيابهم الملونة وأصواتهم التي تملأ فضاء المساحة.
يمكن للقادم أن يميز الأصوات المتداخلة في فضاء الملعب على أنها ليست نمساوية، حتى أن اللهجات تختلط بين عربية وكردية، الأجواء على الملعب ودودة جدا، الجميع مبتسم ويريد لعب الكرة.
يبدأ أبو أراس الحديث عن نادي فريق عامودا وبداياته، فهو أحد المؤسسين له ومن أشد المتحمسين لفكرته، “انطلق النادي بدايات 2015. قبل ذلك كنا نلتقي نحن، مجموعة الأصدقاء التي قامت بتأسيس النادي، مرة واحدة أسبوعيا في إحدى الحدائق العامة لنلعب كرة القدم”. يسترسل أبو أراس في الحديث عن اللعبة ليبدو لك كم هذا الرجل متعلق بها وكيف شكلت على مدى حياته شغفا حقيقيا.
“بدايات 2015 وصلت مجموعة من اللاجئين الشباب من عامودا، قريتي الأصلية في سوريا، منهم من كان يلعب الكرة معي قبل خروجي من سوريا”، يبدأ أبو أراس بسرد قصة انطلاقة النادي الذي يحمل اسم القرية، مسقط رأسه الكائنة شمال الحسكة السورية على الحدود مع تركيا.
“كنا حينها حوالي 10 أشخاص، وبدأنا بعد وصول اللاجئين الجدد بدعوتهم تدريجيا لمشاركتنا اللعب، وهكذا رويدا رويدا وجدت فكرة النادي طريقها إلى الوجود”. شدد أبو أراس على فكرة التشارك والتفاعل المشترك داخل النادي “عندما كنا نريد اختيار اسم للفريق، اجتمعنا كلنا، كنا أكثر من 20 شخصا، اقترح اسم عامودا والجميع وافق عليه، مع أنه هناك أعضاء ليسوا من عامودا وليسوا حتى كردا، ولكن كان هناك إجماع على الاسم”.
خلال سرده لقصة نشأة هذا النادي الرياضي الفريد من نوعه في فيينا، يظهر مدى تعلق أبو أراس بالنادي وبلعبة كرة القدم إجمالا “بالنسبة لي كرة القدم هواية قديمة، يمكنك أن تقول هوس جميل… لست وحيدا هنا بعشقي للعبة، معنا في النادي أشخاص كانوا شبه محترفين في سوريا وخبرتهم أفادتنا كثيرا عندما جاؤوا هنا”.
إلا أن وراء هذا النجاح يكمن هم كبير لأبو أراس وباقي أعضاء إدارة الفريق “نحن مقبلون على تحد كبير، إذا ربحنا دوري السداسيات القادم في فيينا سنتأهل للعب ضمن البطولة على مستوى النمسا، ولكن هذا سيترتب عليه التزامات إضافية، تحديدا مادية، نحن بحاجة ماسة للدعم، ففي النهاية لا يمكننا الاستمرار هكذا إلى ما لا نهاية، هناك مصاريف وتكاليف علينا الوفاء بها إذا كنا نريد الدخول إلى مصاف الأندية الاحترافية”.
ويضيف “استطعنا تحقيق نتائج مهمة على مستوى المباريات والبطولات التي نلعبها مقارنة بطاقاتنا وقدراتنا. جميعنا متطوعون في النادي، لا بل نأخذ من الأعضاء مبلغ 10 يورو شهريا لتغطية المصاريف العامة، كإيجار ملعب التمرين أو غيره”.
كرد وعرب في فريق واحد
أبو أراس مقيم في فيينا مع عائلته “زوجتي وأولادي الأربعة. ابني الكبير يدرس المحاسبة الآن، الأصغر يتحضر لنيل الشهادة المهنية العامة وهو يلعب في أحد أندية الدرجة الخامسة في النمسا، والصغار في المدرسة”.
ويكمل “النادي بالنسبة لنا أصبح مثل عائلة صغيرة، جميعنا نعرف بعضنا… همي إبعاد هؤلاء الشباب عن الممارسات الخاطئة عموما، أحاول دائما أن أنصحهم بإكمال دراستهم وعدم التلهي. جميعهم لديهم أحلام يجب أن يسعوا لتحقيقها”.
خلال حديثه، تلمع عينا أبو أراس لحظة يأتي على ذكر أن النادي جهد مشترك لكافة أعضائه بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو القومية، فعلى الرغم من أنه سمي باسم قرية كردية سورية، إلا أن أعضاءه مختلطون بين عرب وكرد، “وهذا مدعى فخر لنا خاصة في هذا الوقت الذي يقوم فيه الناس بإرساء الحواجز في ما بينهم عوضا عن البحث عن الأشياء المشتركة”.
نريد أن نلعب كرة القدم فقط
خلال الحديث مع أبو أريس، جاء إبراهيم، أحد أعضاء إدارة الفريق. شاب سوري كردي من عامودا أيضا، وصل إلى النمسا قبل نحو سنتين ونصف. إبراهيم، 28 عاما، طباخ متخصص بالمطبخ العربي والإيطالي، ويخضع حاليا لدورات باللغة الألمانية ليتمكن لاحقا من تحقيق مسعاه، “الالتحاق بإحدى مدارس فن الطبخ في فيينا. أريد أن أحصل على شهادة تثبت خبرتي، ففي النهاية لا يمكن القيام بأي شيء هنا دون أن تكون متمكنا من اللغة وحائزا على شهادة تخصص”.
إبراهيم، كما سائر أعضاء النادي، يتحكم به شغف النادي ولعبة كرة القدم، “الفريق أثبت أنه يمكن الجمع بين الناس، نحن هنا عرب وكرد، نترك كافة انتماءاتنا وخلافاتنا وقومياتنا خارج عتبة النادي، ندخل لنلعب كرة القدم ونقدم صورة إيجابية عن أنفسنا”.
غير بعيد عن مكان إبراهيم، يقف روج حارسا لمرمى تدريبي يحاول صد الكرات التي يسددها صوبه غوران. الاثنان شابان يبلغان من العمر 19 عاما، وصلا إلى النمسا قبل نحو عامين. خلال الحديث معهما يمكن ملامسة الإصرار والتفاؤل في حديثهما. ببسمة واثقة يقول روج “مع صعوبة اللغة ولكنها الطريق الوحيد لنا لنمكن من الاندماج في هذا المجتمع وتحقيق ذاتنا”.
بنفس الإصرار يرد غوران “أريد أن أكمل تعليمي، أريد الالتحاق بكلية التمريض، هذا ما أريده”.
أما روان، الذي وصل عام 2014، فالحياة في البداية كانت صعبة جدا بالنسبة له، والفضل في تطوره وتعلمه اللغة يعود لكرة القدم، “كرة القدم حياتي… لذا كان من الطبيعي أن أمارسها بعد خروجي من سوريا”. يحلم روان باحتراف اللعبة ولكنه يريد إكمال تعليمه أيضا، يريد أن يصبح طبيبا.
وحول اللعبة، يقول “كرة القدم أفضل وسيلة للاندماج في المجتمع النمساوي، فمن خلالها تعرفت على الكثير من الأشخاص… كرة القدم لغة عالمية”.
…ليس فقط ممارسة الرياضة بل تطبيق قيمها أيضا
كميل، أحد أعضاء إدارة الفريق، وصل إلى النمسا منذ 12 سنة. بالنسبة له “الفكرة من الفريق، إضافة إلى لعب كرة القدم، هي جمع الشباب في ناد لإبعادهم عن المشاكل، كالمخدرات والكحول… أنا موجود في النمسا منذ مدة طويلة وأعرف الإغراءات التي قد ينجر وراءها الشباب هنا، يجب تحفيزهم على السعي وراء أحلامهم وتحقيقها”.
ويؤكد “يجب إعطاء الشباب سببا للنهوض في الصباح للسعي وراء أهدافهم… بالنسبة لي النادي ليس فقط لممارسة الرياضة، بل لتطبيق قيم الرياضة أيضا مثل التسامح والاهتمام والانتماء”.
مهاجرنيوز