حوار مع الخبير المالي المصري السويسري أحمد دعدور

 سويسرا ليس بها اقتصاد مُوازٍ ولا تعرف التهرب الضريبي

أوضح الخبير المالي المصري السويسري، الدكتور أحمد دعدور، أن السويسريين لا يعرفون التهرب الضريبي عموما، وأن النظام الضريبي في الكنفدرالية نظام تصاعدي علي الدخل، وأن سويسرا “ليس بها اقتصاد موازٍ، مثل مصانع بير السلم الموجودة بكثرة في مصر، لأن كل شيء هنا مقنن وواضح، والقانون يطبق على الجميع″، مشيرًا إلى أن الحد الأدني للدخل في هذا البلد الذي يتوسط القارة الأوروبية يقدر بحوالي 35 ألف فرنك سنويا.

في حوار خاص مع “سويس انفو”، قال دعدور الحاصل على درجة الدكتوراه في مجال المالية العامة والمحاسبات، من جامعة زيورخ إن النظام الاجتماعي في سويسرا يسعى، أو كما يعلن، للمحافظة على الطبقه المتوسطة، وأنه لا توجد مجاملات في الحصول على الوظائف، لأن الكفاءة والجودة هي المعيار الأساسي، ولا مكان للمحسوبية أو المجاملات أو الرشوة، موضحًا أنه توجد بطالة في سويسرا، لكنها لم تتجاوز عموما 3.5٪ في السنوات الأخيرة.

الخبير المالي، اعتبر أن من أبرز ما يميز الحياة في سويسرا، الربط بين التعليم والحياة الاقتصادية والاستثمار والبحث العلمي، وأن الشعب السويسري، يعرف حقوقه وواجباته جيدًا، وأكد أن اللغة هي أساس الاندماج، في المجتمع السويسري، وأن التعرف على العادات والتقاليد السويسرية، والاجتهاد في العمل، تظل مفاتيح النجاح في هذا البلد المعروف بحياده.

في البداية، نود أن نعرف كيف سافرت إلى سويسرا عام 1978؟، ولماذا اخترتها دون غيرها من بلدان أوروبا؟

تعلمت اللغة الألمانية أثناء الدراسة في المرحلتين، الإعدادية والثانوية، وبعد حصولي على البكالوريوس، من كلية التجارة، بجامعة المنصورة، ثم حصلت على درجة الماجستير من جامعة المنصورة، وكان عليَّ أن أختار بين ثلاثة دول، للسفر لدراسة الدكتوراه، وهي: ألمانيا وسويسرا والنمسا.

فتقدمت بطلب للحصول على منحة لدراسة الدكتوراة بإحدى جامعات أيٍ من هذه الدول الثلاث، فجاءتني الموافقة على المنحة من جامعتي برلين بألمانيا، وزيورخ بسويسرا، فاخترت سويسرا، لقناعتي بأنها الأفضل، وبأن سويسرا دولة محايدة، ويرجع اختياري لجامعة زيورخ، لما لها من باع طويل في النظام المالي العالمي، رغم أن الدراسة بها أطول في المدة من جامعه برلين.

وبمجرد وصولي إلى سويسرا عام 1973، حيث كنت في ذلك الوقت عضو بعثات، لأنني كنت معيدًا بكلية التجارة جامعة المنصورة منذ عام 1981، بدأت في مشوار الحصول على الدراسات المكملة للشهادات التي حصلت عليها في مصر، وكانت أبرز الصعوبات التي  واجهتني في البداية، إتrان اللغة، فضلاً عن المزاوجة بين العمل والدراسة، وتزوجت من سويسرية عام 1981، وذلك أثناء دراستي للدكتوراه التي حصلت عليها في عام 1984، ثم أصبحت أستاذًا بجامعة زيورخ عام 1990. وقد عملت خلال تواجدي في سويسرا كرئيس لمشروع الإندماج لشركتي BBC و Asean Boveri، التي أصبحت شركة واحدة وهي الآن ABB، وكنت أيضًا عضوا في رئاسهً مشروع اندماج مصرفي SBG و SBV، وهو الآن يو بي اس UBS، وكذلك عملت كمشرف لبعض الشركات العالمية لدى قيامها بتغيير عُملتها إلى اليورو، في كلٍ من إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا، [في الأنظمة الإلكترونية المُستخدمة لمنظومة SAP].

متى حصلت على الجنسية السويسرية؟ وكيف؟

حصلت على الجنسية السويسرية عام 1984، عقب حصولي على درجة الدكتوراه، فكان هذا العام عامًا مباركًا عليَّ، وأذكر أنني أديت امتحانات للحصول على الجنسية، ثم مواقفة برلمان زيورخ للحصول على الجنسية، وفي نهاية الأمر دفعت 18 ألف فرنك وقتها كرسوم للحصول عليها، أما اليوم فقد أصبح الحصول على الجنسية السويسرية أمرًا سهلا وميسورأ، ولا يكلف سوى 370 فرنك سويسري! (هذا المبلغ يختلف من كانتون إلى آخر – التحرير)، بشرط أن يكون قد مضى على إقامتك في سويسرا عشرة أعوام، تدفع خلالها الضرائب بانتظام، أو متزوّج من شخص سويسري أو سويسرية.

بحكم خبرتك الكبيرة والطويلة في المالية، والسنوات الطويلة التي قضيتها في سويسرا، ما هي برأيك أبرز مزايا النظام الضريبي في سويسرا؟ وما هي أهم عيوبه من وجهة نظرك كخبير؟

النظام الضريبي في سويسرا نظامٌ جيد، لأنه نظام اجتماعي تصاعدي، فكل محافظة (أي كانتون) لها النظام الضريبي والنظام المالي الخاص بها، والضرائب في سويسرا تتوزع على البلدية، ثم الكانتون، ثم الكنفدرالية، والضرائب هنا على ثلاث قطع مالية، توزع في خزائن القرية أو المدينة، والكانتون والدولة، وتقع على عاتق الدولة المسؤولية عن إحداث التوازن المالي بين الكانتونات الفقيرة، والكانتونات الغنية.

النظام الضريبي السويسري، تصاعدي علي الدخل، وسويسرا ليس بها اقتصاد مواز، مثل مصانع بير السلم الموجودة بكثرة في مصر، فكل شيء هنا مقنن وواضح، والقانون يطبق على الجميع، كما ان النظام الضريبي في سويسرا ينقسم إلى ضرائب على الأشخاص الطبيعيين، وضرائب على الشركات والعمل الفردي.

وكل فرد أو شركة في سويسرا، يقدم التقرير المالي سنويًا، لتتم مراجعته ثم تفرض الضرائب عليه، والنظام الضريبي هنا يختلف في كل كانتون عن الآخ، والنظام المالي السويسري ليس مركزيًا، وإنما هو نظام لامركزي، وهناك أمور مالية تنظمها الدولة الفدرالية، وبشكل عام فإن سويسرا بها نظام سياسي لا مركزي، وكذلك النظام المالي فهو لامركزي أيضا.

وهل يوجد في سويسرا ما يسمى في مصر بالحد الأدنى للأجور؟ وما قيمته إن وجد؟

بالفعل يوجد في سويسرا حد أدنى للأجور لكل وظيفة، كما يوجد حد أدنى للمعيشة، والفارق بين الحد الأدني للأجور، والحد الأدنى للمعيشة، أن الأخير تدفعه الدولة، وخاصة لأصحاب المعاشات، لان المعاش هنا موحد لكل فرد، فالمدير مثل الخفير، لافرق بينهما، والفروق فقط في التأمينات المعاشية الخاصة لكل فرد. والحد الأدني للمعيشة في سويسرا يصل إلى 35 ألف فرنك سنويا.

فالمعاش لكل فرد في سويسرا متساوٍ، حتي لو اختلف الدفع لكل فرد، هذا هو معاش الفرد، متزوجًا كان أو أعزب، فضلاً عن أن هناك معاشا خاصا يحدده الفرد بنفسه، يدفع أقساطه هو وصاحب العمل، وهنا يختلف الدفع للمعاش، حيث إن المعاش هنا يبدأ من 65 سنة، والعمل بالجامعة ليس محددًا بمدة، والجامعة هي التي تحدده، وفِي الغالب يصل إلى سن الـ70، أو أكثر، وذلك حسب التخصص والاحتياج إليه.

وهل توجد في سويسرا بطالة، سواء كانت حقيقية أو مقنعة؟

نعم توجد بطالة في سويسرا، لكنها بنسبة 3.5% اَي أنه يوجد في سويسرا حوالي 120 ألف عاطل عن العمل، لكن يوجد تأمين للبطالة، حيث يُدفع للفرد 80% من آخر مرتب، لمده 700 بوم، كما يوجد تأمين للعجز، بإجمالي 80% من آخر مرتب كان يتقاضاه من عمله قبل حدوث العجز، والنظام الاجتماعي في سويسرا يقوم على أساس المحافظة على الطبقه المتوسطة، لكونها عماد المجتمع، ولذا فإن النظم التأمينية تحول دون الوصول إلى خط الفقر.

وهل تلتزم الدولة في سويسرا بتشغيل الخريجين، أم أن القطاع الخاص هو الذي يقوم بالمهمة؟

لا توجد في سويسرا وظائف مضمونة مدى الحياة، والكل معرض للفصل من العمل، تحت أي سبب، ولا توجد مجاملات في الحصول على الوظائف، لأن الكفاءة والجودة هي المعيار الأساسي، ولا مكان للمحسوبية أو المجاملات أو الرشوة.

والدولة في النظام السويسري غير ملزمة بتوفير الوظائف للخريجين، لكنها تعتمد نظم تعليم تخدم الحياة الاقتصادية، وتوفر العمالة لكل خريج، والكفاءة هي المعيار في الاختيار، سواء كان ذلك في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، وهناك ربط بين التعليم والحياة الاقتصادية والاستثمار والبحث العلمي، وخلق فرص عمل متاحة للجميع، فلا فرق عموما بين الأجنبي وابن البلد، إلا بالكفاءة في العمل، والخبرة.

وهل يوجد في سويسرا ما نسمع عنه في مصر، وبعض البلدان العربية، من ظواهر: التهرب الضريبي، الرشوة، الفساد، .. إلخ؟ ولماذا؟

لا يعرف السويسريون التهرب الضريبي عموما، والآن توجد هناك اتفاقات دولية، بين سويسرا والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، للحد من هذا التهرب الضريبي، أما الأموال التي تأتي من دول العالم الثالث، ويتم تهريبها إلى سويسرا، فتقوم بتهريبها حكومات هذه الدول (أو شخصيات بارزة في أنظمتها)، ومن ثم لا تستطيع سويسرا منعها، لأنها من أعضاء في الحكومات، أي أنها دخلت البلاد عن طريق مسؤولين في هذه الدول.

كما أن هناك اتفاقات دولية، بين سويسرا وبعض الدول، بخصوص الازدواج الضريبي، وأعتقد أن مصر وقعت اتفاقية خاصة بالازدواج الضريبي بين شركات الطيران المصرية والسويسرية، وذلك لمنع الازدواج الضريبي لهذه الشركات، في فروعها بسويسرا ومصر.

بعد كل هذه السنوات التي قضيتها في سويسرا، ما هي برأيك أبرز مزايا المواطن السويسري؟، وما هي أهم عيوبه؟

أبرز مزاياهم: العمل والصدق والإخلاص، فهم شعب يعرف حقوقه وواجباته جيدًا، شعب يعشق العمل والتعليم والدراسة، شعب يستمتع بوقت الراحة والإجازات،.. إلخ.

ومن أهم عيوب المواطن السويسري: أن لديه فكرة خاطئة عن الإسلام والمسلمين، وربما لديه أيضًا جزء من العنصرية للأجانب، ولكن هذه العنصرية نابعة – برأيي – من تصرفات بعض الأجانب في سويسرا.

اليوم، وجه “تلغراف” للشباب المصري والعربي المقيم في سويسرا، أو الراغب في السفر إليها، للعمل أو الدراسة؟

أوصيهم بالاهتمام بتحسين قدراتهم في اللغات الأجنبية، خاصة اللغات الثلاث المعتمدة في سويسرا (الفرنسية، الألمانية، الإيطالية)، بمقاطعاتها المختلفة، بالإضافة إلى الإنجليزية، لأن الواقع يقول إن اللغة هي أساس الاندماج، في المجتمع السويسري، وكذلك التعرف على العادات والتقاليد السويسرية، بالإضافة إلى الاجتهاد في العمل، والتمتع بصفتيْ الصدق والصراحة، فضلاً عن معرفة الحقوق والواجبات، والتعرف على القوانين المعمول بها في البلاد، هذه هي مفاتيح النجاح في سويسرا.

شكرا للتعليق على الموضوع