رضا عبد السلام يكتب : إلغاء الجمارك على السيارات الأوروبية…لمصلحة من؟!!

لا أدري إلى متى سنظل ندفع فاتورة أخطاء النظام البائد؟! نظام هدم الحرث والنسل، وترك لنا أمة متخلفة اقتصاديا، أنهكها الفقر والمرض والجهل، ليس هذا فقط، بل ورثنا منه اتفاقات تكبل مستقبلنا ومستقبل وطننا؟!

فرح الكثيرون – ولا يمكننا أن نلومهم – بعد خفض الجمارك على السيارات الأوروبية الى “صفر جمارك”.

ولكنها كارثة اقتصادية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تضاف إلى جملة الهموم التي أثقلت هذا الوطن ومواطنوه.

ببساطة شديدة، وقعت مصر اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي، ودخل حيز التنفيذ في يناير ٢٠٠٤،

وفقا لهذا الاتفاق، يحق لمصر أن تدخل منتجاتها الصناعية للسوق الأوروبي بصفر جمارك من اول ٢٠٠٤،

في حين منح الاتفاق مصر فترة انتقالية، تخفض خلالها الجمارك تدريجيا على المنتجات الصناعية القادمة من أوروبا بنسبة ١٠٪؜ سنويا بدءاً من ٢٠٠٦ وحتى ٢٠١٩، بحيث تصبح قيمة الجمارك على المنتجات الصناعية الأوروبية القادمة لمصر مطلع ٢٠١٩ هي “صفر”!!!

هذا الاتفاق – مثله مثل اتفاق انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية عام ١٩٩٥- ظاهره فيه الرحمة، ولكن باطنه من قبله العذاب…نعم..كمل بس معاية واصبر بارك الله فيك.

ظاهريا، يعطي الاتفاق الحق للمنتجات الصناعية المصرية الدخول للسوق الأوروبي بصفر جمارك، ومنها صناعات السيارات المصرية!!! بدءاً من عام ٢٠٠٤….ولكن اين المنتجات الصناعية المصرية لنصدرها لاوروبا؟! أين السيارات المصرية التي نصدرها لاوروبا؟! ولهذا وقع الأوروبيون الاتفاق وفِي بطونهم بطيخة صيفي كما نقول!!

وهل تتخيل أن مستورد مثل منصور أو غبور أو غيرهم سمح أو يمكن ان يسمح بقيام صناعة سيارات في مصر؟!!!! فاكرين وزراء رجال الاعمال ورجال الاخ جمال قبل ثورة ٢٥ يناير؟!!

الكارثة الأخري، في الفترة الانتقالية، وهي من ٢٠٠٦ وحتى نهاية ٢٠١٨، هل ١٢ عام فترة كافية يامؤمن لردم الفجوة التقنية والصناعية بين مصر ودول الاتحاد الاوروبي؟! من يصدق هذا؟! وأي عاقل يقبل بذلك؟!

للاسف مضت الفترة الانتقالية، ودخل عام ٢٠١٩ وسلمنا السوق المصري للمصنع الأوروبي وللتجار مصاصي الدماء تسليم مفتاح!!

سيسأل البعض: وما الضرر يا دكتور، مالك بتقطع الأرزاق، ياباشا السيارات هاتدخل مصر بسعرها في أوروبا، يعني المواطن سيقتني السيارة بسعر رخيص…فما وجه زعلك؟!

للأسف، وباختصار شديد، سيترتب على تطبيق هذا الاتفاق، خسائر وأضرار لا تعد ولا تحصى للاقتصاد وللمواطن المصري، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

أولا: كتابة نهاية لأي فرصة لإقامة صناعة سيارات (صناعة حقيقية) في مصر.

نعم…صناعة السيارات صناعة رهيبة وعظيمة جدا جدا، تخلق ملايين فرص العمل، فالسيارة الواحدة كسيارة فورد، يقوم على تصنيعها وتصنيع مكوناتها مئات المصانع (مئات) التي تخلق مئات الالاف من فرص العمل…الموضوع كبير جدا، ونحن للاسف في وضع المتفرج الساذج.

ما الحاجة إذا لإقامة مصنع سيارات فورد في مصر – مثلا- والسيارة تصنع في برلين وتصل لمصر دون أية قيود؟! خاصة وأن مصر خلال تلك الفترة الانتقالية لم تبني أي أساس لجذب تلك الشركات، فالسوق مشوه والعمالة غير مؤهلة (وهناك دولا أخرى عدت واشتغلت من عشرات السنين بما يرضي الله)،

في نفس الوقت ياباشا المستوردون فرحون ومستريحون بهذا الوضع، ولتذهب مصر وشعبها إلى الجحيم…أي كلام أخر هو للاستهلاك المحلي ومزيد من الضحك على السذج.

ثانيا: الحصيلة الجمركية، وهي بالمليارات، فمصر كانت تحصل ضرائب جمركية على السيارات القادمة من أوروبا (فقط) تقارب ال ١٠ مليار جنيه، هذا المبلغ ذهب أدراج الرياح، وكان يغذي الخزانة العامة، وهنا ستضطر الحكومة لتعويض تلك المليارات من خلال التركيز على الضرائب على الأرباح والمصنعين المحليين!!

ثالثا: تخيلوا معي دخول مئات الالاف من السيارات للسوق، لتنضم الى ما هو في داخل مصر، هل فكرنا في التأثير على الطلب على البنزين الذي نستورده بالعملة الصعبة؟! هل فكرنا في التأثير بالتالي على مدى قدرة الدولة على الاستمرار في الدعم وبالتالي مزيد من عجز الموازنة؟! هل فكرنا في التأثير على الزحام وطرقنا والبنية الاساسية والمليارات التي ننفقها لبناء الطرق (بالقروض) هل فكرنا؟!….الخ.

رابعا: ماذا عن ما نسميه اقتصاديا “تكلفة الفرصة البديلة”؟!

أي ماذا لو كانا قد تمكنا من إقامة صناعات ومدن لتصنيع السيارات وقطع غيارها على أرض مصر؟!

تخيلوا معي الحصيلة الضريبة التي كانت ستحصلها الدولة المصرية (بعشرات المليارات) أو لو كنّا بلدا مصدرا للسيارات وحصيلة البيع بالعملة الصعبة التي ستتدفق لمصر، وملايين فرص العمل التي ستخلق للملايين من العاطلين من أبناء مصر….الخ.

كل هذا تبخر، للأسف تبخر، نعم…الخسارة كبيرة، وبالقطع ستضيف المزيد من الأعباء على الوطن وعلى المواطن.

للاسف ربح من ربح وخسر من خسر وتحديدا الدولة المصرية، في حين يواصل لصوص نهب وهدم مصر رحلة المكسب والاستفادة على أطلال وطن يئن وهم يخرجون ألسنتهم…

نعم…هدموا الصناعة، بل لم يسمحوا بقيام صناعة من الأساس، وهاهو الاتفاق يطبق ولَم يفكر أحد في التوقف والتفكير للحظة في تداعيات تنفيذ هذا التحرير الكامل على الاقتصاد المصري الذي يعاني فعليا قبل تنفيذ الاتفاق.

الخطير في الموضوع هو ماذا جنينا من هذا الاتفاق…فقد كانت صادراتنا لدول الاتحاد الاوروبي قبل تطبيق الاتفاق تقارب ال٥ مليار دولار، وكانت وارداتنا منهم نحو ٧ مليار دولار، الان وبعد مضي نحو ١٥ عام من هذا الاتفاق المجحف، زادت صادراتنا الى نحو ٨ مليار، في حين زادت صادراتهم لمصر لنحو ٢٢ مليار دولار، وبالتالي بعد أن كان عجز الميزان التجاري المصري مع دول الاتحاد يدور حول ٤ مليار دولار صار يفوق ال١٥ مليار دولار!!! ألا تستحق تلك المؤشرات وقفة حاسمة؟!

أعلم بأنني أتحدث عن ميراث بالي يضاف إلى ما ورثناه من فقر وتخلف ومرض وجهل وانهيار تعليم قامت عليه ثورة ٢٥ يناير العظيمة ومن بعدها ثورة ٣٠ يونيو المجيدة، ولكن لا ينبغي أن نظل في وضع المتفرج أو غير المدرك للتداعيات!!

وبناء عليه، أقترح على سيادة الرئيس (وهذا هو واجبي الوطني) تشكيل فريق من كبار الاقتصاديين الوطنيين لدراسة وتحليل تداعيات تنفيذ هذه الاتفاقية على الاقتصاد المصري، بل وعلى مستقبل التنمية والاستثمار في مصر وبدائل التعامل معها…الخ.

في ضوء ما سينتهي إليه هذا الفريق المتخصص والوطني والنقي، يمكننا أن نفتح حوارا مع الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن هذا حق لنا لا ينازعنا فيه لا اتحاد أوروبي ولا اتحاد إفريقي…اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

ا.د رضا عبدالسلام : محافظ الشرقية الأسبق وأستاذ ووكيل كلية الحقوق جامعة المنصورة 

اقرأ للكاتب

رضا عبدالسلام يكتب : شباب بسمة أم شباب القهاوي؟

شكرا للتعليق على الموضوع