إقامة اجتماع «تناسق القلم وآلة التصوير» الثاني بحضور «واسيني الأعرج» و«هوشنج مرادي كرماني»
ثقافة – التلغراف
في اجتماع الكاتبين الإيراني والجزائري بمعهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية، قيل: «إن جميع الكتّاب من أب واحد وأم واحدة. نحن نبدأ من الحياة ونقسمها مع الآخرين».
وأفادت العلاقات العامة لمؤسسة الفارابي السينمائية، أن الكاتبين الإيراني هوشنج مرادي كرماني والجزائري واسيني الأعرج ألقيا كلمتهما في اليوم الثاني من اجتماع «تناسق القلم وآلة التصوير» تحت عنوان «المربى الحلو، الزيتون المرّ».
وقال المدير التنفيذي للمدرسة الوطنية للسينما الدكتور «روح الله حسيني» الذي كان حاضراً في الاجتماع: أريد أن أستخدم تعريف مارسيل بروست في الأدب؛ حيث يعتقد «أن الحياة الحقيقية، الحياة الوحيدة التي عيشت فعلاً، هي الأدب». وكالفينو أيضاًيعتقد أنّ «ما يعلّمنا الأدب ليس بكثير، لكن ليس له بديل، مثل الهمّ، والسخرية وحتى المزاح».
ويقول ميلان كونديرا: «تسعى الرواية، كأحد الأشكال المهمة من الأدب، لتكشف جزءاً مجهولاً من الوجود لنا في كل مرحلة من مراحل تكوينها، كما تعتني بالإنسان إزاء نسيان الوجود». إن سؤالي الرئيس هو: برأيكم أي ضرورة تكمن وراء كتابة القصة؟ ما الذي تتبعونه من وراء الأدب؟ ألم يكن بامكانكم أن تبحثوا عن هذه الضرورة في فن آخر كالسينما أو الموسيقى بدلاً من القصة؟ رجاءً تكلموا لنا حول وظيفة الأدب ومدى صلته بغيره من الفنون، خاصة مع الأخذ بالاعتبار ظروفكم اليومية.
يجتاز الكتاب الحدود
قال الروائي الجزائري «واسيني الأعرج» Waciny Laredj في البداية: إن الكتابة للوجود ولكل كاتب مسيره الخاص، وهذا المسير ينفتح بعد المرور بالتجارب الشخصية. أنا أكتب لأعرف أنني حيّ وهذا ليس بسهل. أتسائل في بعض الأحيان كيف أستطيع تغيير عالم أكبر مني، وأجد طريقاً حتى أسيطر عليه؟.
وأشار إلى أن الإنسان في طفولته يعتبر كل شيء ملكاً له: إن لساني كصياد يمكنه أن يصطاد الفراشات الصغيرة. أنا ملكت الدنيا بلغتي، وهي كانت فرنسية بينما كانت تمنع الأسر الأطفال من تعلم لغة الاستعمار. لكنني أعتقد أنك إذا ملكت لغة فكأنك ملكت العالم. يجتاز الكتاب الحدود وهو جمال الأدب.
جميع الكتّاب من أب واحد وأم واحدة
وقال حسيني: السيد مرادي، إذا طلبوا منك أن لا تكتب، ماذا تفعل؟ لماذا اخترت الأدب بينما أنت ترغب في السينما أيضاً؟ خاصة اليوم، حيث إن سيطرة التصوير على وجوه الحياة كلها واضح.
وقال هوشنج مرادي كرماني: عندما سمعت كلمات السيد الأعرج فهمت كم هناك من نقاط مشتركة توجد بيننا. أنا أعتقد أن كل الكتّاب من أب واحد وأم واحدة. نحن نبدأ من الحياة ونقتسمها مع الآخرين. الصورة التي خطرت ببالي هي؛ لدينا أستاذة في الكتابة، وهي جدتنا. أنا مدين لأستاذتي الأولى في الكتابة والقصة أي جدتي. وقلت في كتاب «شما كه غريبه نيستيد» (أنتم لستم غرباء) قد عشت حياة صعبة جداً فتكونت لديّ خبرات، وجميع قصصي مقتبسة من هذه الخبرات. لم تملك الأرض لي شيئاً فلجأت إلى السماء. كانت الكتابة، سمائي. أنا أتصور لا يمكن لأحد أن يقدم تعريفاً لما يفعله.
ليس للكتابة نمط
أضاف مرادي كرماني: أنا لا أستطيع أن أعلّم الآخرين كتابة لا تحمل نمطاً. يجب أن تحس الكتابة بكل مشاعرك. مثل كل كاتب مثل آلة تصوير في المسرح تسجل الصور والأحداث ويراها الآخرون. هذا هو تعريف الكتابة. الكتابة تمر بالزمان، والمكان، والجسد. إذا كان حافظ وفردوسي يعيشان في عصرنا هذا لكانا يكتبان، بدلاً من الملاحم الحماسية والغزل اللطيف، أشياء أخرى، كأنْ يتحول «فردوسي» إلى «كوروسافا». إذا كان من المقرر أن لا أكتب أصلاً فكأنه من المقرر أن لا أتنفس.
حفظ الصلة بالطفولة والرجوع إلى الوطن
وسأل حسيني السيد الأعرج في تتمة الاجتماع عن روايته «سوناتا لأشباح القدس»، أنت قمت بتصوير امرأة فلسطينية كانت ترجو الرجوع إلى الوطن رغم أنها كانت تتمتع بحياة ناجحة في أمريكا. أنت أيضاً تمتلك نفس الظروف.
برأيك هل الرجوع إلى وطن قد تغير سهل؟
أجاب الأعرج: هذا قضية معقدة. توفي والدي تحت تعذيب الفرنسيين ولم نستطع أن نجده، كانت أمي تبحث عنه دائماً. هذا قدر وجودي. كان أبي في فرنسا دائماً و في فترة ثورة الجزائر رجع إلى الجزائر ومات هناك. عندما نكتب نحن عن الآخرين، نكتب في لاوعينا عن الإنسانية. وقد أظهرت البحوث النفسية أن حفظ الصلة بينك وبين الطفولة، تؤدي إلى الاستقطاب نحو الوطن، وأنا لم أستطع أن أحفظ علاقتي بطفولتي أصلاً، لهذا السبب ليس هناك أي استقطاب نحو قريتي. عندما يكبر الإنسان يتذكر الموت، أين يجب أن يدفن؟ تقول السلطات الجزائرية: يتوجب عليك أن تدفن قي مقبرة الفنانين، لكنني أوصيت أن يتم دفني في قريتي، يجب أن أرجع إلى جذوري.
الإيجاز في السينما
وقال مرادي كرماني رداً على سؤال «لماذا ترجع إلى فترة طفولتك»؟: أنا لا أكبر أصلاً وأنا طفل عجوز. لا أفهم هواجس الكبار أبداً. أنا لا أكتب للصغار، بل أكتب لنفسي. إن سحر الطفولة وسذاجتها تستقطبني. أنا أعتقد بالإيجاز وأنظر إلى الحياة بنظرة تصويرية. كان كيارستمي الراحل يقول: أنت تكتب الإيجاز السينمائي. إن قريتنا قضي عليها في ليلة واحدة بسبب الزلزال وأنا لا أزال أرغب فيها. وربما هذا الأمر هو سبب رجوعي إلى الطفولة، لملء الفراغ.
الكتابة والحرية
وسأل المدير التنفيذي للمدرسة الوطنية للسينما عن أيدلوجيا الأعرج قائلاً: السيد الأعرج! لك في كتاب «كولونيل الحروب الخاسرة» جملة جميلة، حيث تقول: «نحن نسير نحو جهنم فرحين لكننا نغض أبصارنا كي لا نراها». هل هذه أيدلوجيتكم؟ وردّ السيد الأعرج عليه: هذا جزء منا. شخصية هذه الرواية كانت تسير نحو جهنم فعلاً، لأن أحلامها كانت في الإطار الذي كانت تعيشه. هذه الرواية أحدثت جدلاً واسعاً. دائماً يسألونني لماذا اخترت شخصية عسكرية؟ لأن عالم العسكري عالم مغلق وهو لا يستطيع أن يخرج من الأطر، ونحن نصنع دوائر ضيقة لأنفسنا.
وأكد الأعرج على أن الكتابة توفر لنا فرصاً أكثر بالنسبة للحياة: لأن للحياة قواعدها والكتابة تعطينا الحرية. إن أفتقر إلى الحرية ولا أستطيع أن أكتب. عندما يتوفى أحد من الرجال الكبار، فكأن مكتبة كبيرة قضي عليها. إن الإنسان يحارب الغربة بالكتابة.