الحالة الاجتماعية والفقر دفعت الأسر لبيع أطفالهم عن طريق تزوجهم مبكرًا!
تقارير – التلغراف
يختلف تعريف مصطلح الزواج المبكر باختلاف النظرة إلى سن الزواج، من حيث النمو العقلي والجسدي والعاطفي؛ فقد عرفت وثيقة حقوق الطفل الصادرة عن اليونيسف الزواج المبكر بأنه الزواج في سن أقل من الثامنة عشر.
بينما يعرفه مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي بأنه زواج الفتاة قبل بلوغها السنة السابعة عشرة من عمرها؛ أي في مرحلة تكون فيها الفتاة على مقاعد الدراسة وتمر بمرحلة المراهقة.
ويعد سن الفتاة والشاب عند الزواج عاملاً مهماً يحدد مدى نجاح بناء الرابطة الزوجية التي ينبغي أن توفر التفاهم والسكن والطمأنينة، المبنية على المودة والرحمة بين الزوجين.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان، إن أكثر من 150 مليونا هو عدد الفتيات اللواتي يمكن أن يصبحن أطفالا عرائس بحلول عام 2030 إذا لم يتصرف العالم بشكل حاسم لإنهاء زواج الأطفال.
بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن زواج الأطفال هو المنتج السام للفقر وعدم المساواة بين الجنسين، إذ تعتقد العديد من العائلات أن الزواج سيضمن مستقبل بناتهن، ولكن في الواقع، فإنه في كثير من الأحيان يعرقل فرصهن، ويخرجهن من المدرسة ويصبحن أمهات دون السن القانونية.
يقول صندوق الأمم المتحدة للسكان إن زواج الأطفال يترك الفتيات ضعيفات للغاية، وغالبا ما يتزوجن من أزواج أكبر سنا، وبالتالي يصبحن أقل قدرة على الدفاع عن احتياجاتهن وحقوقهن وقد يواجهن حتى العنف، مشيرا إلى أن دعم وتمكين الفتيات يمكنهن من تجنب هذه الظروف الصعبة.
العالم العربي لم يكن بعيدا عن هذه المشكلة العالمية، حيث لاتزال تعاني الكثير من الدول العربية من مثل هذه الحالات من الزواج والتي في معظم هذه الدول لا تقوم القوانين على تجريم هذه الحوادث بشكل فعال.
ودفعت الحالة الاجتماعية والفقر إلى قيام الأسر بما يشبه بيع الأطفال من خلال تزويجهم بأعمار صغيرة للتخلص من أعبائهم المالية، بالإضافة للعادات والتقاليد السائدة، والتي تندفع من وراء المطالبة باستمرار نسل هذه العائلات والمكانة الاجتماعية كما ساعدت القوانين على الاستمرار في مثل هذه الحالات ففي باكستان لا يوجد نص قانون حرفي يمنع مثل هذه الحالات من الزواج.
في فلسطين يمثل الزواج المبكر نسبة كبيرة من حالات الزواج بين الأقارب وبخاصة في المناطق الريفية، وتشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء إلى ازدياد ظاهرة زواج الأقارب في الزواج المبكر، حيث بلغت نسبة الإناث المتزوجات من أبناء العم أو الخال من الدرجة الأولى 49 في المئة (52 في المئة بغزة، و47 في المئة بالضفة).
كما أشارت الدراسة أن غالبية الزيجات المبكرة كانت من بين الأقارب حيث بلغت 72.5 في المئة، أو من الجيران بلغت النسبة 25.7 في المئة.
ومن الجدير بالذكر أن الدراسة سجلت 7 حالات فقط من أصل 288 حالة تم فيها الزواج بسبب الاحتكاك في محيط العمل أو المدرسة، وحتى في هذه الحالات، كان هناك حالتان من الأقارب.
من جهتها أصدرت المملكة العربية السعودية عددا من الضوابط على الزواج المبكر، التي قصرت “عقد النكاح” لمن دون الثامنة عشر ذكرا كان أو أنثى على المحكمة المختصة أو من يقوم مقامها وفق الضوابط المعدة بهذا الشأن.
وطلب مجلس الشورى في قراره بمنع عقد النكاح لمن لم يتم الخامسة عشر ذكرا كان أو أنثى، بحسب ما نشرته صحيفة “عكاظ” السعودية.
الزواج المبكر وتأثيراته:
للزواج المبكر تبعات ونتائج تترك أثرها على الفتاة الطفلة وأطفالها، وعلى المجتمع ككل، وأهم هذه التأثيرات ما يلي:
الطلاق: حسب نتائج الدراسة التي قام بها مركز شؤون المرأة؛ بلغت نسبة حالات الطلاق للشابات الإناث 14% في الفئة العمرية 14-17، من مجمل حالات الطلاق؛ مقابل 0.8% للذكور، وذلك خلال العام 2000. كما بلغت نسبة وقوع الطلاق للإناث في الفئة العمرية 18-24 سنة في الأراضي الفلسطينية 44%؛ بالمقارنة مع 26.8% للذكور من مجمل حالات الطلاق للعام نفسه. وهذه النسبة المرتفعة للطلاق عند الإناث يمكن أن تعزى إلى ارتفاع نسبة حالات الزواج المبكر لدى الإناث عنها لدى الذكور.
التأثير الصحي: أشار ملخص نتائج الدراسة التي قام بها “مركز شؤون المرأة” بعنوان “الزواج المبكر في المجتمع الفلسطيني أسباب ونتائج” إلى أن للزواج المبكر أثر كبير على صحة المرأة، حيث بينت الدراسة أن 40.8% من النساء اللواتي تزوجن في سن مبكرة عانين من مشاكل صحية بعد الزواج، كما بينت الدراسة حصول تعقيدات أثناء الحمل والولادة المبكرة، وعدم القدرة على استكمال فترة الحمل. كما بينت الدراسة أن الاعتلال أثناء الحمل يؤثر على الجنين؛ ما يعرض الطفل المولود إلى الإصابة بالمرض، أو الإعاقة ، أو الوفاة.
التأثير النفسي والاجتماعي: أشارت دراسة “مركز شؤون المرأة” إلى أن 37.8% من الفتيات، لم يكن مهيئات ليلة الزفاف؛ وأن 20% منهن واجهن ضغوطات من عائلة الزوج من أجل حمل سريع؛ وأفادت نحو 40% من نساء العينة أنهن لم يكن مرتاحات في زواجهن؛ وأفادت 40.3% من العينة أنهن يتعرضن لاعتداءات من أزواجهن؛ بينما أفادت 26.7% أنهن يتعرضن إلى إهانات لفظية واعتداءات جسدية من عائلة الزوج.
كما أفادت الدراسة بأن 48.1% يشعرن بالخوف والقلق، وأنهن مررن بأزمات حادة خلال زواجهن. وأفادت 45.6% من نساء العينة أنهن يعانين من حالات الاكتئاب والقلق وانعدام الثقة بسبب زواجهن في سن مبكرة؛ وأفادت 9.1% من العينة أنهن فكرن في الانتحار. وأفادت 60.5% من النساء المتزوجات في سن مبكرة أنهن صغيرات على الزواج؛ و42.6% أفدن بأنهن لا يشعرن بالسعادة ويعانين من عدم التفاهم مع الزوج؛ وأفادت 91.4% من النساء أنهن لن يعدن التجربة مع أطفالهن.
تأثير الزواج المبكر على التنمية: الزواج المبكر يعني بالضرورة زيادة فرص الحرمان من التعليم، بسبب الانقطاع عن الدراسة، كما يعني نسبة عالية من الخصوبة؛ وهذا يعني بالضرورة، تكريس للدور الإنجابي للمرأة، وحرمانها من الفرص المتساوية في التعليم والتطور والنمو، كما هو محدد في اتفافية حقوق الطفل، كما يعني الانعزال عن الحياة العامة والمشاركة المجتمعية.
وبالتالي فإن الزواج المبكر مؤشر على مدى الفجوة في التمكين ما بين الرجال والنساء. والفتاة التي تتزوج قبل الثامنة عشر هي طفلة، لم تعط فرصة كافية لتنضج من ناحية عاطفية، اجتماعية، جسدية، وعقلية، ولم يتح لها المجال لتطوير مهاراتها وتنمية إمكاناتها المعرفية، واكتشاف ذاتها، ومعرفة مدى قدرتها على تحمل المسؤوليات العامة والأسرية. وتصبح أسيرة وضع لم تتنبأ به، حث تصبح في أقل من عام، أمًا وهي طفلة؛ وبالتالي يتكرس دورها المحتوم، وتصبح مشاركتها في المجال العام، مسألة شبة مستحيلة.
الزواج المبكر وحقوق الإنسان: رغم ما نصت عليه المادة 16 من اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، ومساواة الرجل والمرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية؛ فإن الفتاة في مجتمعنا تظل هي الحلقة الأضعف، وتصبح عرضة للزواج المبكر بحجة “الحماية”؛ وبناء على هذه الاتفاقية، فإنه “لا يكون لخطوبة الطفل أو زواج الطفل أي أثر قانوني”، وتحث على اتخاذ “جميع الإجراءات الضرورية، بما فيها التشريع، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا”.
الزواج المبكر يحرم الفتاة الطفلة من حقوقها التي عبرت عنها وثيقة “اتفاقية حقوق الطفل” ووثيقة “حقوق الإنسان”، واتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، في الحماية، وفي الرعاية ، وفي الشعور بالأمان، وفي الصحة ، وفي التعليم والتنمية، وفي تحقيق قدراتها، وفي التمتع بوقت الفراغ الذي يستحقه كل طفل.
والزواج المبكر يعمل ضد مصلحة الطفل الفضلى، وينتهك حق الطفل والطفلة في التعبير عن الرأي في المجالات التي تخصهما، وربما يكون أكثر الأمور ظلمًا للفتاة الطفلة، حرمانها من التعليم، الذي هو ضروري لتطوير قدراتها وإمكانياتها.
ومن الواضح أن التعليم يمكن أن يشكل صمام أمان للحد من الزواج المبكر؛ لكن الاستمرار في التعليم قد يعني في كثير من الأحيان قطع مسافات بعيدة، والمرور المتكرر على الحواجز، واحتمالات التعرض للأذى، وربما للموت؛ كما قد يعني في مرحلة ما و ظروف متقلبة وقاسية اقتصاديا، ترفا عندما تصبح لقمة العيش صعبة المنال؛ عند مواقف مثل هذه؛ هل تصمد الأم على موقفها من الزواج المبكر، أم أن الزواج المبكر هو حل سريع لمشكلات لا تجد حلا في الأفق.
ويعد التعليم إستراتيجية للوقاية من القرارات التي لا تقوم على أساس من الوعي أو الاختيار الحر، وهو بشقيه (الرسمي وغير الرسمي)، يستهدف الأسرة نفسها، وهو حق للجميع، وبشكل خاص، للفتيات اللواتي يتحملن وزر قرارات غير مبنية على اختيار واع؛ الأمر الذي يناقض حقوق الإنسان.