طريق الموهبة
بقلم : مشاعل العمر
الموهوب شخص يتمتع بالتفوق في القدرة المعرفية والابتكار في التفكير والإنتاج، وامتلاك الشخص للموهبة شيء عظيم يعطيه شعورًا بالفخر والتفرد.
عندما نضع صفة الموهوب بجانب اسم أي شخص فإنه يعني أن هذا الشخص يتمتع بذكاء يفوق المعدل الطبيعي، فمثلما يوجد أشخاص يكون مستوى تفكيرهم أقل من المعدل الطبيعي، ما يؤثر على قدراتهم الاستيعابية والانتباه، يوجد أشخاص آخرون على الجانب الآخر فوق هذا المعدل وتتوافر لديهم قدرات فائقة في التحصيل والاستيعاب تصل إلى حد التعقيد بما لا يتناسب مع سن الشخص وعقليته في المرحلة العمرية التي يمر به.
عرف «بول ويتي» الطفل الموهوب- في رأي جماعة المربين- أنه الطفل الذي يتصف بالامتياز المستمر في أي ميدان مهم من ميادين الحياة. يرى علماء النفس أن المواهب لا تقتصر على جوانب معينة للفرد وأنها تمتد لتشمل جوانب الحياة المختلفة، وأن الظروف البيئية تؤدي دورًا فيها، فتلك النشاطات تستحث ذكاءه إذا كان مرتفعًا ليصل إلى مستوى أداء مرتفع، وبذلك يصبح موهوبًا، وبناء على ذلك ارتبطت الموهبة بذكاء الفرد أو بمستوى قدراته العقلية العالية فمن خلالها سيعطي إنتاجًا مميزًا.
أدوات الكشف عن الموهوبين
منها مقياس الذكاء، ومقياس التحصيل المدرسي، ومقياس التفكير الابتكاري، ومقياس الموهبة الخاصة والأداء والإنتاج. بالنسبة لمقياس الذكاء كان «تيرمان» أكثر اعتزازًا من غيره به، فقام باستخدام مقياس (ستانفورد – بينيه) للذكاء ورأى أن الموهوب والمتفوق عقليًا هو من يحصل على درجات على هذا المقياس بحيث تضعه أفضل 1% من المجموعة التي ينتمي إليها في ضوء مستوى الذكاء.
للمدرسة دور في اكتشاف الموهوبين من خلال الطرق الموضوعية، وهي مقاييس موضوعية تمتاز بدرجة عالية من الصدق والثبات. بمعنى آخر هي الاختبارات التي جربت قبل استخدامها النهائي لعدد من العينات أو المجموعات تحت ظروف معينة، ومن أهم الاختبارات المستخدمة اختبار الذكاء، إذ تنقسم إلى نوعين: اختبارات فردية، واختبارات جماعية (اختبار ألفا – اختبار بيتا)، إذ يعتبر النوع الأول من أفضل الطرق إلا أنها تتطلب وقتًا أطول لتطبيقها.
ما تقوم به المدارس تجاه الموهوبين
يتمثل في جوانب عدة:
أولاً: الإسراع في نقل الطفل إلى الفرقة العليا: لقد كان الإسراع في نقل الطفل إلى مكان يتناسب مع مستواه وسيلة من الوسائل الأكثر شيوعًا للعمل على تكييف الطفل الموهوب، وقد ظهر أنها طريقة مرضية إذا نظرنا إلى تقدم الطفل ونموه. ولكن هناك اعتراضات على الإسراع في نقل الطفل، إذ إنه من الممكن أن يؤدي إلى سوء التكيف الجسمي والاجتماعي الذي قد ينتج من وضع الطفل مع آخرين يكبرونه في السن، ويبدو أن الأخذ بحال كل فرد على حدة يجب أن يكون هو الأساس الذي يتقرر على ضوئه ما إذا كان الطفل في حاجة إلى وضعه مع من هم أكبر سنًا أم لا.
ثانيًا: التزويد التعليمي في فصول الدراسة العادية: تتحقق الزيادات التعليمية لمنهج الطلبة الموهوبين في الفصول الخاصة عن طريق إمداد المنهج بأنواع متعددة من النشاط وبدراسات مستقلة متنوعة وفق الميول الخاصة للأفراد كذلك عن طريق دراسة المجموعة.
كما يتحقق ذلك عن طريق إيجاد فرصة أكبر للتعبير الابتكاري، ويمكن أن يدرس المنهج نفسه الموجود في الفصول الدراسية العادية، إذ يمكن أن ينوع وتعمق الخبرات التعليمية بما يتفق مع قدرات الموهوبين وقد وضعت بعض المدارس منهجًا غنيًا بالخبرات للأطفال الموهوبين في كل من مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي.
للمملكة العربية السعودية تجارب مع الموهوبين، إذ وضعت لهم مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، وهي مؤسسة وطنية حضارية تحظى برئاسة خادم الحرمين الشريفين، ليحمل كل منا دوره والمسؤولية تجاه هذا الحدث الذي تعيشه هذه المؤسسة التي ليست حكرًا على أحد، بل هذه شراكة بيننا جميعًا نحن المواطنين من دون استثناء. رؤية هذه المؤسسة تكمن في أن تصبح المملكة مجتمعًا مبدعًا فيه القيادات والكوادر الشابة الموهوبة والمبتكرة ذات التعليم والتدريب المميز ما يدعم التحول إلى مجتمع المعرفة وتحقيق التنمية المستدامة. تهدف المؤسسة إلى بناء بيئة الإبداع والموهبة وتطويرها ودعمها بما يخدم الازدهار والتنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية.
وتحقيقًا لذلك يكون للمؤسسة، رعاية الموهوبين والمبدعين من الذكور والإناث, ودعم القدرات الوطنية في إنتاج الأفكار الابتكارية، والسعي لإيجاد رواد من الشباب المبدع والموهوب في مجالات العلوم والتقنية. ولابد من توفير الدعم المالي والعيني لبرامج ومراكز رعاية الموهوبين، وتقديم المنح للموهوبين والمبدعين لتمكينهم من تنمية مواهبهم وقدراتهم، وإنشاء جوائز في مجالات الموهبة والإبداع المختلفة، وتوفير الدعم والرعاية للموهوبين والمبدعين وأسرهم لمساعدتهم في تذليل الصعوبات التي تحد من نمو قدراتهم ومواهبهم. وتقديم المشورة للجهات الحكومية وغير الحكومية في مجالات الموهبة والإبداع. والتنسيق مع المؤسسات والمراكز داخل المملكة وخارجها في مجال اختصاصاتها. والقيام بمفردها أو بالاشتراك مع غيرها بتأسيس مؤسسات تعليمية أو مهنية متخصصة في مجالات الموهبة والإبداع.
تعتبر تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في رعاية الموهوبين والمتفوقين عقليًا رائدة التجارب العالمية من حيث القوانين الفيدرالية التي تدعمها والتاريخ الطويل المليء بالتجارب والمحاولات والكم الهائل من البحوث والدراسات.
اعتمدت المدارس في أمريكا وبريطانيا حتى منتصف القرن العشرين تقريبًا على اختبارات الذكاء والتحصيل الدراسي في اختيار الطلاب الموهوبين، وكان الأسلوب الشائع حينئذ هو تجميع الطلاب المميزين في الذكاء أو التحصيل الدراسي معًا في فصل خاص جزءًا من اليوم الدراسي أو طوال اليوم بهدف إمدادهم ببعض البرامج التربوية الخاصة أو الأنشطة الإضافية، وهناك أسلوب آخر للتجميع ظهر حديثًا في أمريكا يسمى الفصول (اللاصفية) سواء في المرحلة الابتدائية أو في المرحلة الثانوية، إذ يتم إرسال الطلاب إلى معلمين معينين ليستمروا معهم عامين أو ثلاثة، إذ يمثل ذلك جزءًا من برنامجهم الدراسي.
وفي البرازيل يستخدم أسلوب التسريع مع الطلاب الموهوبين تحت إشراف المركز الوطني للتربية الخاصة بوزارة التربية والثقافة، وتقدم جامعة الحكومة الفيدرالية برنامجًا للتسريع في الرياضيات للطلاب من 12 – 14 سنة، فضلًا عن تقديم برامج تدريبية للمعلمين العاملين مع هؤلاء الطلاب. في روسيا نجد الاهتمام منصبًا على الموهبة بصفة خاصة.
ويؤكد المسؤولون في روسيا، وكذلك المعلمون، على ضرورة تقديم خدمات معينة بأساليب مختلفة لهذه الفئة، إذ يوجد عدد من المدارس الثانوية الخاصة بالطلاب المتفوقين في المدن الروسية الكبرى، وهناك طلاب يتم قبولهم عن طريق مسابقات سنوية تسمى «الأولمبياد الأكاديمية».
وفي بولندا قاموا بتجربة وضع المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية بحيث تستثير قدرات الأطفال ومواهبهم، كما تراعى حاجاتهم الفردية مع إتاحة الفرصة أمامهم لإنهاء هذه المرحلة في وقت مبكر قدر استطاعتهم، وكذلك إنشاء بعض الفصول الخاصة في المدارس الثانوية للطلاب الموهوبين في مجالات عدة.
في أستراليا من خلال تقرير «تربية الطلاب المتفوقين» الذي نشرته لجنة المدارس الأسترالية عام 1980 توجد برامج الإثراء والإسراع وتعديل المناهج الدراسية مع إعداد المعلم الجيد.
وفي ألمانيا المبدأ العام للتربية هو إتاحة الفرصة لكل طالب للتعلم بحسب قدراته ومواهبه مع التأكيد على التحصيل الدراسي بصورة أساسية، فبعد انتهاء المرحلة الابتدائية يجد الطالب أمامه أربعة أنواع من المدارس الثانوية الأساسية والمتوسطة والأكاديمية.
أما في اليابان فإن النظام يجمع بين أسلوب إثراء المناهج في مراحل التعليم المختلفة في الفصول العادية وبين المدارس المتخصصة لقدرات الموهوبين وبين المدارس التي تقدم خدماتها طوال الوقت وبعض الوقت وبالمراسلة مع توفير تعليم مسائي أيضًا. يتصور البعض أن المتفوقين لا يواجهون مشكلات أو معوقات أو صعوبات، وأنهم قادرون على توجيه أنفسهم وتدبير أمورهم والسيطرة على كل ما يواجهونهم بموهبتهم التي يتمتعون بها. بالفعل لقد أثبتت بعض الدراسات التي أجريت على المتفوقين أنهم يتمتعون بقدرة عالية على مواجهة كثير من المشكلات الشخصية والأزمات، وبطبيعة الحال يختلف ذلك تبعًا لظروف كل منهم. من أهم المشكلات الشخصية التي قد تعوق مسيرة المتفوق عدم التناسب بين مستويات النضج العقلي والنضج الانفعالي والوجداني أو الجسماني لديه مما يزيد من شعوره بالقلق وعدم الرضا عن نفسه، هناك دلائل لدى بعض الدراسات وهي أنه كلما زاد العمر العقلي للمتفوق زاد ميله للوحدة، وبذلك تزيد الفجوة بينه وبين زملائه فتظهر له الكثير من المشكلات الاجتماعية مثل الانعزال والانطواء وصعوبات التوافق الاجتماعي.
رعاية الموهوبين تبدأ مبكرًا
الموهوبون في عالمنا العربي عمومًا، وفي المملكة خصوصًا، يواجهون ظروفًا غريبة فهم لا يكادون يحظون بالرعاية إلا بعد أن يثبت تفوقهم، وهذا أمر قد لا يتاح للكثيرين منهم، ومن المهم هنا أن تتم متابعة الموهوب من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية بالطرق العلمية وبالاعتماد على ملفات شاملة، وبخاصة لكل موهوب، تسير مع الموهوب عند انتقاله من مرحلة لأخرى إلى أن يصل إلى المرحلة الجامعية التي تقوم بدور مواصلة الجهود في توفير الرعاية الشاملة بناء على معطيات الموهوب في المراحل السابقة وعلى أن تأخذ بيد الموهوب لإلحاقه بالتخصصات العلمية النادرة وإتاحة فرص الابتعاث والدراسات العليا للاستفادة من إبداعات الموهوبين.