الرُّمَّانْ وتَأَوَّبَ طَيْفٌ ” قَصِيدَتَا وَرَائِعَتَا ” محسن عبد المعطي و محمود سامي البارودي
الشاعر الدكتور والروائي: محسن عبد المعطي محمد عبد ربه
{1} مُعَلَّقَةُ الرُّمَّانْ
تَـأَلَّـقْـتُ فِـــي حُـبِّـي وَقَـلْـبِي يُـغَـامِرُ … عَــسَـى أَنْ تَـهِـلِّي أَوْ تُــزَاحَ الـسَّـتَائِرُ
قَـصِـيـدَةُ حُـــبٍّ فِـــي مَــلَامِـحِ بَـضَّـةٍ … تُـعِـيـدُ شَـبَـابَ الْـحُـبِّ وَالْـقَـلْبُ طَـائِـرُ
مَـلَاحِـمُ لِـلْأَبْـطَالِ فِــي بَـيْـدَرِ الْـهَـوَى … تُـــدَاوِي جِـــرَاحِ الـصَّـبِّ وَالْـبَـدْرُ حَـائِـرُ
تَـمَـهَّـلْ فَـــإِنَّ الْــحُـبَّ فَــنٌّ وَبَـسْـطَةٌ … وَدُنْــيَـا غَـــرَامٍ فِـــي الْــبِـلَادِ تُـخَـاطِـرُ
عَــوَاطِـفُ فِـــي بَــحْـرِ الْـفُـؤَادِ تَـقُـودُهُ … إِلَـــى عَــالَـمِ الـنَّـجْـوَى وَتِــلْـكَ مَـآثِـرُ
قَــصَــائِـدُ بَــلْـقِـيـسُ الْأَمِــيــرَةُ ثَــــرَّةٌ … فَـفَـاضَـتْ بِـأَطْـيَـافٍ وَهَــلَّـتْ خَــوَاطِـرُ
أَلَا يَــــا سُـلَـيْـمَـانُ الْــمُـكَـرَّمُ هَـاتِـهَـا … وَحَــــاذِرْ فَــأَرْبَــابُ الْــحَـيَـاةِ كَــوَاسِــرُ
وَأَتْـــرِعْ كُــؤُوسَ الْـحُـبِّ فَـالْـهَمُّ زَائِــلٌ … بِــغَـيْـبَـةِ أَفْــكَــارٍ وَخَــطْــبٌ يُــكَـاشِـرُ
فَـقَـدْ جِـئْـتُ أَعْــدُو والْـغُبَارُ مُـسَابِقِي … لِــيَـمْـلَأَ شَــعْــرِي وَالـصَّـبَـايَـا نَــوَاظِـرُ
وَأَطْـنَـانُـهُ الــذَّهَـبُ الْـمُـحَـمَّلُ رِفْــعَـةً … تَـتِـيـهُ عَــلَـى الْأَقْـــدَارِ وَالْــحَـظُّ عَـابِـرُ
أَبَــارِيــقُ حُــبِّــي بِــالْـغَـرَامِ تَـقُـودُهَـا … جِــمَــالٌ وَأَحْــمَــالُ الْــجِـيَـادِ فَــوَاغِــرُ
بَـرِيقُ الْـهَوَى قَـدْ نَـالَ مِنْ ضَوْءِ نَاظِرِي … فَــهِـجْـتُ وَأَطْــيَـافُ الْـبَـرِيـقِ تُـحَـاضِـرُ
وَهَــــا أَنَــــا ذِي بِـالْـعُـنُـفُوانِ مُــهَـيَّـجٌ … فَـأَقْـبِلْ بِـنَـارِ الـشَّـوْقِ وَالْـحُـبُّ غَـامِـرُ
عَسَانَا نُطَفِّي الشَّوْقَ فِي أَبْحُرِ الْهَوَى … وَنَـمْـضِـي مَـــعَ الـتَّـيَّارِ وَالْـحُـبُّ قَــادِرُ
كَـصَـفْـصَافَةِ الْأَقْـــدَارِ عَــمَّـتْ قُـلُـوبَـنَا … بِـــمَـــاءِ وَأَنْـــهَـــارٍ وَحُــــــبٍّ يُــعَــافِـرُ
وَصَــفْــصَـافَـةٍ بِـالْـكَـبْـرِيَـاءِ تَــجَـمَّـلَـتْ … تَــلَاقَـتْ بِـبَـحْـرِ الــحُـبِّ وَالْـحُـبُّ آمِــرُ
وَفَــارِسَــةٌ بِــالْـحَـرْبِ تُــعْـلِـنُ بَــدْأَهَـا … وَتُــعْـلِـنُ أَنَّ الْــحُــبَّ لَــيْــلاً يُــصَـاهِـرُ
فَـجُودِي بِـكَرْمِ الْـحُبِّ قَـدْ فَـاضَ خَـيْرُهُ … يُـــؤَسِّــسُ لِـــلْأَيَّــامِ عَـــمَّــا تُــنَـاظِـرُ
وَبُـثِّـي بِـحَـارَ الْـعِـطْرِ يَـا زَهْـرَةَ الْـكَرَى … وَنَـمِّـي غُـصُـونَ الْــوَرْدِ بَـاتَـتْ تُـشَاجِرُ
فَـــلَا الْــحُـبُّ مَــلَّاحٌ وَلَا الـدَّهْـرُ عَـابِـرٌ … وَلَا الْـمَرْكِبُ الـقَشَّاشُ- حُـبِّي- يُـنَاحِرُ
تَـشَـابَـكَـتِ الْأَيْــــدِي بِــحُـبٍّ يَـضُـمُّـنَا … وَبَــاتَـتْ شِــفَـاهُ الْــقُـرْبِ لَـيْـلاً تُـجَـابِرُ
وَعُـلِّـقَـتِ الْأَنْـــوَارُ وَالـشَّـعْـبُ حَــاضِـرٌ … دَخَـلْـنَـا بِــأَمْـرِ الْــحُـبِّ بَـيْـتـاً يُـشَـاطِرُ
أَضُــمُّـكِ وَالـلَّـيْـلُ الْـجَـمِـيلُ مُـشَـجِّـعٌ … وَأَخْــتَـطِـفُ الـتَّـقْـبِـيلَ وَالـثَّـغْـرُ فَــاغِـرُ
وَتَـفْـتَـتِـحِـيـنَ الْــمَــهْـرَجَـانَ بِــقُـبْـلَـةٍ … تَــنِـمُّ عَـــنِ الْــحُـبِّ الْـجَـمِـيلِ يُــبَـادِرُ
أَهِـيـجُ مَــعَ الْأَشْــوَاقِ أَشْـتَمُّ مَـرْكِبِي … وأَسْـــبَــحُ وَالــتَّــيَّـارُ نِـــسْــرٌ يُــعَـاقِـرُ
تُـنَـادِيـنَ يَـــا أَحْــلَـى مَـــلَاكٍ عَـرَفْـتُـهُ … تُـجِـيـبِينَ حَـرْفِـي وَالْـحُـرُوفُ سَـوَاعِـرُ
تَـذُبِّـيـنَ عَـــنْ ذَاكَ الْـحِـمَـى بِـنَـوَاهِـدٍ … يَــــزِدْنَ فُــجُــورِي وَالـشِّـفَـاهُ دَوَاعِـــرُ
وَتَـرْتَـجِـفِـينَ الْــجَـفْـنُ أَسْـــوَدُ قَـــادِحٌ … وَتَـسْـتَـعِرِينَ الْــحُـبٌّ جَــلْـدٌ وَشَــاطِـرُ
فَــلَا الـلَّـيْلُ يُـضْـنِينِي وَلَا الْـوَجْدُ قَـادِحٌ … وَلَا الْآهُ تُـثْـنِـيـنِي وَلَا الــرِّمْــشُ ثَــائِـرُ
وَأَبْـحَـثُ عَــنْ نَـهْدَيْكِ أُلْـفِي شَـوَامِخاً … تَــقُــولُ تَـفَـقَّـدْنِـي بِــشَـوْقٍ أَظَــاهِـرُ
فَـأُمْـسِـكُ بِـالـنَّهْدَيْنِ أَجْـتَـثُّ شَـوْقَـهَا … وَأَسْـتَـلْـهِمُ الْأَشْــوَاقَ وَالـنَّـجْمُ بَـاهِـرُ
وَأَسْـتَـلْمِسُ الْـجَـنْبَيْنِ حِـضْـناً وَمَـرْكِباً … وَأَسْـتَـعْـلِـمُ الْأَخْــبَـارَ مِــمَّـنْ يُـسَـافِـرُ
وَأَسْـتَـقْطِبُ الْأَفْـخَـاذَ وَالْـحُـفْرَةَ الَّـتِـي … تُــدَوِّي بِـأَمْـرِ الْـحُـبِّ وَالـشَّوْقُ شَـاكِرُ
وَأَسْـتَـسْـمِحُ الْأَجْـفَـانَ أُلْـغِـي ثُـبَـاتَهَا … تُــرَحِّــبُ وَالـتَـرْحِـيبُ لِـلْـحُـبِّ نَــاشِـرُ
وَقِـدِّيـسَةٌ فِـي الْـحُبِّ فَـاقَتْ عَـوَاشِقاً … تُــلَــبِّـي نَـــــدَاءَ الــرَّاهِـبَـاتِ عَــوَامِــرُ
فَـنِـمْـتُ وَمَـــا نَـــامَ الْــفُـؤَادُ بِـحُـلْـمِهِ … وَسِـــرْتُ وَمَـــا سَـــارَتْ لَـهُـنَّ حَـوَافِـرُ
فَـأَبْـشِرْ بِـتِـلْكَ الْـكَأْسِ وَامْـلَأْ جِـلَاصَهَا … وَلَا تَــبْـتَـئِـسْ فَـالـنَّـاعِـمَـاتُ حَـــرَائِــرُ
سَـأَمْـلَـؤُهَا بِـالْـحُـبِّ أَسْـقِـيكِ يَــا أَنَــا … وَأَرْوِيــــكِ وَالْأَضْـــلَاعُ تَــتْـرَى تُـسَـامِـرُ
وَأَسْـتـقْبِلُ الْأَشْــوَاقَ أُطْـفِـئُ جَـمْرَهَا … وَعَــيْـنَـاكِ بِــالْـحُـبِّ الْـكَـبِـيـرِ تُــجَـامِـرُ
أَدِرْ كَـأْسَ إِنْـعَامِي وَحُـبِّي مَـعَ الْـهَوَى … وَأَشْــهِــدْ بَــنَــاتَ الْــحُـورِ أَنَّـــا نُـثَـابِـرُ
وَرَقِّـــصْ بَــنَـاتَ الْـحُـورِ حَــالاً وَهَـاتِـهَا … فَـكَـأْسِي بِـتِـلْكَ الْـخَـمْرِ بَـاتَتْ تُـجَاهِرُ
رَأَيْــتُـكَ مِـــنْ فَـــوْقِ الـسُّـفُوحِ مُـلَـبِّياً … نِـــــدَاءَ فُـــــؤَادِي والْـــفُــؤَادُ يُــصَـاقِـرُ
وَتَـقْفِزُ مِـنْ أَعْـلَى الـتِّلَالِ عَـلَى الْـمُنَا … لِأَنَّـــكَ فَـــوْقَ الْـعَـقْـلِ وَالْـحُـبِّ طَـافِـرُ
تُـنَـادِي عَـلَـى قَـلْـبِي بِـشْوْقٍ وَلَـهْفَةٍ … أيَـا زَهْـرَةَ الْأَشْـوَاقِ مَا الْحُبُّ صَائِرُ؟!!!
أَجِـيبِي بِـنَارِ الـشَّوْقِ سَـوْسَنَةَ الْكَرَى … وَسَـوْسَـنَـةَ الْـــوَادِي الْـجَـمِيلِ تُـؤَاجِـرُ
أَنَـا الْـحُبُّ وَالْأَشْـوَاقُ كُـونِي حَمَامَتِي … عَـلَى الـصَّخْرِ ظَـلَّ الْـحُبُّ صَـلْباً يُـجَائِرُ
وَصَـارَتْ شُـقُوقُ الـصَّخْرِ تَحْكِي هُيَامَنَا … وَتَــفْــتَـحُ أَطْــيَــابَ الْــجِـبَـالِ تُــصَــادِرُ
وَأَزْهَـــارُ ظَــهْـرِي بِـالْـجَمَالِ تَـشَـهَّدَتْ … وَغَـنَّـتْ جُـمُـوعُ الـزَّهْـرِ وَالْـحُـبُّ آسِــرُ
بِـأَرْضِـيَ كَــانَ الْـحُـبُّ يَـجْرِي كَـطِفْلِنَا … تَــشُــبُّ بِــأَمْــرِ الْـمُـلْـهَـمِينَ أَزَاهِــــرُ
تَـشُـقُّ يَـبَـاسَ الْأَرْضِ تَـمْـحُو عُـقُومَهَا … فَــتُــخْــرِجُ بِـــالْأَرْحَـــامِ وَرْداً يُـــجَــاوِرُ
فَـيَـسْـمَعُ أَسْـــرَابَ الْـحَـمَـامِ بِـلَـحْنِهَا … هَـدِيـلاً جَـمِـيلَ الـطَّـبْعِ وَالْـكَوْنُ صَـاغِرُ
وَصَـــــوْتَ يَــمَــامٍ بِــالـدُّفُـوفِ مُــــوَزِّعٍ … حِــكَـايَـاتِ لَــحْــنٍ يَـجْـتَـلِـي وَيُــذَاكِـرُ
وَأَسْـتَعْجِلُ الْإِبْـحَارَ فِـي فِـيكِ وَالْـهَوَى … جَــمِـيـلُ الْـمُـحَـيَّـا وَالْــعَــذُولُ يُــعَـايِـرُ
تَـوَخَّـيْ لِـحَـاظَ الْـحُـبِّ وَارْعَـيْ أُصُـولَهُ … وَنَــامِـي بِـأَحْـضَـانِي وَسُــكْـرِي يُـزَائِـرُ
تَــعَـالَـيْ بِــأَشْـوَاقِ الْــكَـرَى وَرَبِـيـعِـهِ … وَسَـلِّـي فُــؤَادَ الـصَّـبِّ فَـالْحُبُّ شَـاعِرُ
أَنَـا الْـحُبُّ يَاعُمْرِي فَنَادِي عَلَى الْهَوَى … بِــشَــوْقٍ وَأَحْــــلَامٍ وَعُــمْــرٍ يُــنَـاصِـرُ
أَيَـا مَـرْكِبَ الْأَشْوَاقِ قَدْتُقْتُ فَاسْمَعِي … كَـــلَامَ الْــهَـوَى وَالْــحُـبِّ إِنَّـــا نُـحَـاذِرُ
وَدَاوِي جِــرَاحِـي بِـالـتَّـقَلُّبِ وَانْــظُـرِي … لِـحَـالِـيَ فَـالْـقُـبْطَانُ وَالْـعِـشْقُ فَـاخِـرُ
أَنَـــا الـتَّـائِهُ الْـحَـيْرَانُ كَـالـطَّيْرِ سَـابِـحٌ … أَنَـا الْـمَلِكُ الـضِّلِّيلُ فِـي الْـعِشْقِ صَابِرُ
غَــرِيــبٌ وَأَحْــــوَالُ الْـغَـرِيـبِ صَـعِـيـبَةٌ … إِقَــامَـتُـهُ بِــالْـحُـبِّ- رُوحِــــي- تُـــؤَازِرُ
يُـصَـوْصِـوُ لِـلْـشَّـوْقِ الْـجَـمِيلِ عُـصَـيْفِرٌ … يُــطِـلُّ مِـــنَ الـشُّـبَّاكِ وَالْـحُـبُّ خَـابِـرُ
أَبَـلْـقِـيسُ أَشْــوَاقِـي يَــزِيـدُ ضِـرَامُـهَـا … أَحُــطُّ عَـلَـى الـنِّـيرَانِ وَالْـحُـبُّ كَـاسِـرُ
فُـؤَادِي يُـنَادِي بَـضَّةَ الْـقَلْبِ فَـاسْقِنِي … حِــجَـالِـي وَرُمَّــــانٌ عَــتِـيـقٌ يُــخَـامِـرُ
فَـهَيَّا اعْـصُرِي الرَّمَّانَ فِي الْخَمْرِ هَائِجاً … يُـنَـادِيكِ بِـالْأَشْـوَاقِ فِـي الْـحُبِّ غَـامِرُ
فَـرُمَّـانُكِ الْـمَـجْنُونُ يُـذْكِـي مَـشَاعِرِي … فَــأَخْــلُــدُ لِــلْأَفْــكَـارِ فِـــيــكِ وَآمُـــــرُ
أَذُوقُ مِـــنَ الــرُّمَّـانِ شَــهْـداً وَمَـنْـبَعاً … يَـسِـيـلُ مِـــنَ الْـجَـنَّـاتِ وَالـنَّـهْرُ دَائِــرُ
وَأَسْـتَـجْلِبُ الْأَزْهَـارَ أَسْـقِيكِ شَـهْدَهَا … عَـلَـيْـكِ كُــنُـوزَ الـــدُّرِّ صَــلَّـتْ سَــرَائِـرُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المعلقة من بحر الطويل
ثاني الطويل :
العروض تام مقبوض
والضرب تام مقبوض
ووزنه :
فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِلُنْ = فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِلُنْ
بحر الطويل لا يكون إلا تاما
الْقَبْض (حذف الخامس الساكن) فتصبح به (مَفَاْعِيْلُنْ): (مَفَاْعِلُنْ)، وتصبح (فَعُوْلُنْ): (فَعُوْلُ).
الطويل التام :
هو الذي وُجدت تفعيلاته الثمانية في البيت مثل :
تَـأَلَّقْتُ فِي حُـبِّي وَقَـلْبِي يُـغَامِرُ … عَــسَـى أَنْ تَـهِـلِّي أَوْ تُزَاحَ السَّـتَائِرُ
قَـصِـيـدَةُ حُـبٍّ فِـي مَـلَامِحِ بَـضَّةٍ … تُـعِـيـدُ شَـبَـابَ الْـحُبِّ وَالْـقَلْبُ طَائِـرُ
مَـلَاحِـمُ لِـلْأَبْـطَالِ فِي بَـيْـدَرِ الْـهَـوَى … تُـدَاوِي جِـرَاحِ الـصَّبِّ وَالْـبَـدْرُ حَائِرُ
تَـمَـهَّـلْ فَـــإِنَّ الْــحُـبَّ فَــنٌّ وَبَـسْـطَةٌ … وَدُنْيَـا غَرَامٍ فِي الْـبِلَادِ تُـخَـاطِـرُ
عَـوَاطِـفُ فِـــي بَـحْرِ الْـفُـؤَادِ تَـقُـودُهُ … إِلَـى عَالَمِ الـنَّـجْـوَى وَتِلْكَ مَـآثِـرُ
قَـصَائِـدُ بَلْقِـيـسُ الْأَمِـيرَةُ ثَـرَّةٌ … فَفَاضَـتْ بِـأَطْـيَـافٍ وَهَــلَّـتْ خَــوَاطِـرُ
أَلَا يَـا سُـلَيْمَانُ الْــمُـكَـرَّمُ هَـاتِـهَـا … وَحَـاذِرْ فَـأَرْبَــابُ الْحَـيَـاةِ كَـوَاسِــرُ
————————————————————————————————————-
{2} تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ «سَمِيرَة َ» زَائرُ
محمود سامي البارودي
تَـــأَوَّبَ طَــيْـفٌ مِــنْ «سَـمِـيرَة َ» زَائــرُ … وَمَـــا الـطَّـيْـفُ إلاَّ مَـــا تُـرِيـهِ الْـخَـوَاطِرُ
طَـوَى سُـدْفَة َ الـظَّلْمَاءِ، وَالـلَّيْلُ ضَـارِبٌ … بِــأرواقــهِ ، والــنَـجـمُ بِــالأفــقِ حــائـرُ
فــيـا لـــكَ مِـــن طــيـفٍ ألـــمَّ ودونَـــهُ … مُـحِـيـطٌ مـــنَ الْـبَـحْـرِ الْـجَـنُوبِيِّ زَاخِــرُ
تَـخـطَّى إلــى َّ الأرضَ وَجــداً ، ومـا لـهُ … سِـــوَى نَــزواتِ الـشَـوقِ حــادٍ وزاجــرُ
ألـــمَّ ، ولـــم يـلـبَث ، وســارَ ، ولـيـتَهُ … أَقَــــامَ وَلَـــوْ طَــالَـتْ عَــلَـيَّ الـدَّيَـاجِـرُ
تَــحـمَّـلَ أهــــوالَ الــظــلامِ مُــخـاطِـراً … وعــهـدي بِـمَـن جــادَت بــهِ لا تُـخـاطِرُ
خُـمَاسِيَّة ٌ، لَـمْ تَـدْرِ مَـا اللَّيْلُ والسُّرَى … ولــم تَـنـحَسِر عَـن صَـفحتيها الـسَتائرُ
عَــقِـيـلَـة ُ أتْـــــرَابٍ تَــوَالَـيْـنَ حَــولَـهَـا … كــمــا دارَ بــالـبـدرِ الــنُـجـومُ الــزَواهِـرُ
غَــوَافِــلُ لا يَـعْـرِفْـنَ بُـــؤْسَ مَـعِـيـشَةٍ … وَلا هُـــنَّ بـالْـخَـطْبِ الْـمُـلِـمِّ شَــوَاعِـرُ
تَـعـوَّدنَ خَـفضَ الـعيشِ فـى ظِـلِّ والـدٍ … رَحِـــيــمٍ وَبَــيْــتٍ شَــيَّـدَتْـهُ الْـعَـنَـاصِـرُ
فَـــهُــنَّ كَــعُـنْـقُـودِ الــثُّــرَيَّـا، تَــأَلَّـقَـتْ … كَـواكِـبُـهُ فــي الأُفْــقِ، فـهْـي سَـوَافِـرُ
تُـمـثِـلُـها الــذكـرى لـعـيـني ،كـأنَّـنـي … إلَـيْـهَـا عــلَـى بُـعْـدٍ مِــنَ الأَرض نَـاظِـرُ
فَــطَــوْراً إخَـــالُ الــظَّـنَّ حَــقّـاً، وَتَـــارَةُ … أهِــيـمُ، فَـتَـغْشَى مُـقْـلَتَيَّ الـسَّـمَادِرُ
فـيـا بُـعـدَ مــا بـيـني وبـيـنَ أحـبَّـتي ! … ويــا قُــربَ مــا الـتفَّت عـليهِ الـضَّمائر !
ولَــوْلاَ أَمَـانِـي الـنَّـفْسِ وَهْــيَ حَـيـاتُهَا … لـمـا طــارَ لــى فـوقَ الـبسيطة ِ طـائرُ
فــــإن تَــكُــنِ الأيــــامُ فــرَّقــنَ بـيـنـنا … فَــكُـلُّ أمــرئ ٍ يـوْمـاً إلَــى الـلَّـهِ صَـائـرُ
هِــي الــدَّارُ، مــا الأَنْـفَـاسُ إلاَّ نَـهَـائِبٌ … لــديـهـا ، ومـــا الأجــسـامً إلاَّ عـقـائـرُ
إذا أحـسَـنتَ يـوماً أسـاءت ضُـحى غـدٍ … فَـإِحْـسَانُهَا سـيْـفٌ عَـلَى الـنَّاسِ جَـائِرُ
تـــربُّ الـفـتـى ، حــتَّـى إذا تــمَّ أمــرهُ … دَهَــتْــهُ، كَــمــا رَبَّ الْـبَـهِـيمَة َ جَـــازِرُ
لـهـا تِــرة ٌ فــي كــلِّ حــيٍّ ، ومـا لـها … عَـلَى طُـول مَا تَجْني علَى الْخَلْق وَاتِرُ
كَــثِــيــرة ُ أَلْـــــوانِ الْـــــوِدادِ، مــلِــيَّـةٌ … بــــأَنْ يَـتَـوَقَّـاهـا الْــقَـريـنُ الْـمُـعَـاشِـرُ
فَــمـن نَــظـرَ الـدُنـيـا بِـحـكـمَة ِ نــاقـدٍ … دَرَى أنَّـــهــا بـــيــنَ الأنـــــامِ تُــقــامِـرُ
صَـبَـرتُ عـلـى كُــرهٍ لِـمـا قَـد أصـابَني … ومَــن لــم يَـجـد مـنـدوحة ً فـهـوَ صـابِرُ
ومـا الـحِلمُ عِـندَ الـخطبِ والـمرءُ عاجِزٌ … بِـمُـسْـتَحْسَنٍ كَـالْـحِـلْمِ والْـمَـرْءُ قَــادرُ
ولــكِــن إذا قــــلَّ الـنـصـيرُ ، وأعـــوزَت … دواعِــي الـمُـنى فـالـصَبرُ فـيهِ الـمَعاذِرُ
فَـــلا يَـشـمتِ الأعــداءُ بــي ، فـلـرُبَّما … وصــلْــتُ لِــمــا أَرْجُـــوهُ مِــمَّـا أُحَـــاذِرُ
فَـقَـدْ يَـسْـتَقِيمُ الأَمْــرُ بَـعْـدَ اعْـوِجـاجِهِ … وتــنـهَـضُ بــالـمـرءِ الــجــدودُ الـعـواثِـرُ
ولــى أمــلٌ فــي اللهِ تـحيا بـهِ الـمُنى … ويُـشـرِقُ وَجـهُ الـظَنِّ والـخَطبُ كـاشِرُ
وَطِــيـدٌ، يَــزِلُّ الْـكَـيْدُ عَـنْـهُ، وتَـنْـقَضِي … مُــجَــاهَـدَة ُ الأَيَّـــــامِ وَهْـــــوَ مُــثَـابِـرُ
إذا الـمرءُ لـم يَـركَن إلـى اللهِ في الَّذي … يُــحَــاذِرُهُ مِـــنْ دَهْـــرِهِ فَــهْـوَ خَــاسِـرُ
وإنْ هُــوَ لَــمْ يـصْـبِرْ عـلـى مــا أصَـابَهُ … فَـلَـيْسَ لَــهُ فِــي مَـعْرِضِ الْـحَقِّ نَـاصِرُ
ومَـــن لــم يّــذق حُـلـوَ الـزمـانِ وَمــرهُ … فــمــا هــــوَ إلاَّ طــائـشُ الــلُّـبِّ نــافِـرُ
وَلَـــوْلاَ تَـكَـالِيفُ الـسِّـيادة ِ لَــمْ يَـخِـبْ … جَــبـانٌ ، ولَـــم يَــحـو الـفَـضـيلة َ ثـائـرُ
تـقـلُّ دواعِــي الـنَفسِ وهِـى َ ضـعيفَةٌ … وتَــقـوى هـمـومُ الـقـلبِ وهــوَ مُـغـامِرُ
وكَـيفَ يـبينُ الفَضلُ والنَّقصُ في الوَرى … إذا لَــم تَـكُـن سَــومَ الـرِجـالِ الـمَـآثِرُ ؟
وَمـــا حــمـلَ الـسَّـيْفَ الْـكَـمِيُّ لِـزِيـنَةٍ … ولـــكــن لأمـــــرٍ أوجــبــتـهُ الـمـفـاخـرُ
إذا لَـــم يــكُـنْ إلاَّ الـمـعيشة َ مَـطـلبٌ … فــكـلُّ زهــيـدٍ يَـمـسكُ الـنَّـفسَ جـابِـرُ
فَـلَـوْلاَ الْـعُـلاَ مــا أَرْسَـلَ الـسَّهْم نَـازِعٌ … ولا شــهـرَ الـسـيـفَ الـيـماني شـاهـرُ
مــنَ الـعـارِ أن يـرضـى الـدنـيَّة َ مـاجـدٌ … ويَـقـبلَ مَـكـذوبَ الـمُـنى وهــوَ صـاغـرُ
إذا كُـنتَ تخشى كلَّ شيء منَ الردى … فَـكُـلُّ الَّـذِي فِـي الْـكَوْنِ لِـلنَّفْسِ ضـائِرُ
فـمِن صِـحَّة ِ الإِنْـسَانِ مـا فِـيهِ سُقْمُهُ … ومـــن أمــنـهِ مـــا فـاجـأتـهُ الـمَـخـاطِر
عــلـى َّ طِـــلابُ الــعـزِّ مــن مُـسـتقرِّهِ … ولا ذَنــبَ لــى إن عـارَضـتني الـمـقادِرُ
فَــمَـا كُـــلُّ مَـحْـلُـولِ الْـعَـرِيكَة ِ خَـائِـبٌ … ولاَ كُــــلُّ مَــحْـبُـوكِ الـتَّـرِيـكَـة ِ ظَــافِـرُ
فــمـاذا عَــسـى الأعـــداءُ أن يـتـقوَّلوا … عـلى َّ ، وعِـرضي نـاصِحُ الـجيبِ وافِرُ ؟
فَـلـي فِــي مَــرَادِ الْـفَـضْلِ خَـيْـرُ مَـغَبَّةٍ … إذَا شَـــــانَ حَــيّــاً بـالْـخِـيَـانَة ِ ذَاكِــــرُ
مَـلَـكْتُ عُـقَـابَ الْـمُـلْكِ وَهْـيَ كَـسِيرَةٌ … وغـادرتُـها فــى وَكـرِهـا وهــى َ طـائـرُ
ولــــو رُمــــتُ مـــا رامَ امـــرؤٌ بِـخـيـانةٍ … لَـصـبَّـحنِي قِـسْـطٌ مِــنَ الْـمـال غَـامِـرُ
ولـكِـنْ أَبَــتْ نَـفْـسِي الْـكَرِيمَة ُ سَـوْأَةً … تُــعـابُ بِــهَـا، والــدَّهْـرُ فِــيـهِ الْـمـعَـايرُ
فــــلا تـحـسـبـنَّ الــمـالَ يـنـفـعُ ربَّـــهُ … إِذَا هُـــوَ لَـــمْ تَـحْـمَـدْ قِـــرَاهُ الْـعَـشَائِرُ
فَـقَـدْ يَـسْـتَجِمُّ الْـمَـالُ وَالْـمَـجْدُ غَـائِبٌ … وَقَــدْ لاَ يَـكُـونُ الْـمَـالُ والْـمَـجْدُ حـاضِـرُ
ولَـــو أنَّ أســبـابَ الـسِـيـادة ِ بـالـغنى … لــكـاثـرَ ربَّ الــفـضـلِ بــالـمـالِ تــاجــرُ
فـــلا غَـــروَ أن حُـــزتُ الـمـكارِمَ عـارِيـاً … فَـقَدْ يَشْهَدُ السَّيْفُ الْوَغَى وَهْوَ حاسِرُ
أنـــا الــمـرءُ لا يـثـنيهِ عــن دركِ الـعُـلا … نَــعِـيـمٌ، ولاَ تَــعْــدُو عَــلَـيْـهِ الْـمـفَـاقِـرُ
قـــئــول وَأَحْــــلاَمُ الــرِّجــالِ عَــــوَازِبٌ … صَـــئُــولٌ وأَفْـــــوَاهُ الْــمَـنَـايَـا فَــوَاغِــرُ
فَـــلاَ أَنـــا إِنْ أَدْنَــانِـيَ الْــوَجْـدُ بَـاسِـمٌ … وَلاَ أَنَــــا إِنْ أَقْــصَـانِـيَ الْــعُـدْمُ بَــاسِـرُ
فَـمَا الْـفَقْر إِنْ لَـمْ يَـدْنَسِ الْعِرْضُ فَاضِحٌ … وَلاَ الْـمَـالُ إِنْ لَـمْ يَـشْرُفِ الْـمَرْءُ سـاتِرُ
إذا مــا ذُبــابُ الـسَّـيفِ لـم يـكُ مـاضِياً … فـحـيـلتهُ وصــمٌ لَــدى الـحـربِ ظـاهِـرُ
فـــإن كــنـتُ قــد أصـبـحتُ فــلَّ رَزيَّــةٍ … تـقـاسـمها فــي الأهــلِ بــادٍ وحـاضِـرُ
فــكَــم بــطـلٍ فَـــلَّ الــزَّمـانُ شـبـاتَـهُ … وكَــــمْ سَــيِّــدٍ دارتْ عــلَـيْـهِ الــدَّوائِـرُ
وأيُّ حــســامٍ لـــم تُـصـبـهُ كــلالَـة ٌ ؟ … وأيُّ جــــوادٍ لــــم تَــخـنـهُ الـحـوافِـرُ ؟
فَــسَـوْفَ يَـبِـيـنُ الْــحـقُّ يَــوْمـاً لِـنَـاظِرٍ … وتـــنــزو بِــعــوراءِ الــحُـقـودِ الــسَّـرائـرُ
وَمَـــا هِـــيَ إِلاَّ غَــمْـرَة ٌ، ثُــمَّ تَـنْـجلِي … غـيـابـتُـها ، واللهُ مــــن شــــاءَ نــاصِـرُ
فَقَدْ حَاطَني في ظُلْمة ِ الْحَبْسِ، بعْدَمَا … تَــرَامَــتْ بــأَفْــلاَذِ الْــقُـلُـوبِ الْـحَـنَـاجِرُ
فَـمَـهْـلاً بَــنِـي الـدُّنْـيَـا عَـلَـيْـنَا، فَـإِنَّـنَـا … إِلَـــى غَــايَـة ٍ تَـنْـفَـتُّ فـيـهَـا الْـمَـرائـرُ
تـطـولُ بِـهـا الأنـفـاسُ بُـهـراً ، وتـلـتوِى … عـلـى فَـلـكة ِ الـسَّـاقينِ فـيـها الـمآزِرُ
هُـنـالِكَ يَـعْـلُو الْـحَـقُّ، وَالْـحَـقُّ واضِــحٌ … ويَـسـفـلُ كَـعـبُ الــزُّورِ ، والــزُّورُ عـاثِـرُ
وَعَــمَّــا قَـلِـيـلٍ يَـنْـتَـهِي الأَمْـــرُ كُــلُّـهُ … فَـــــمــــا أَوَّلٌ إِلاَّ وَيَـــتْـــلُــوهُ آخِــــــــرُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمود سامي البارودي
محمود باشا سامي البارودي
البارودي
رئيس وزراء مصر
في المنصب
7 أبريل 1879 – 18 أغسطس 1879
العاهل الخديوي توفيق
سبقه محمد شريف باشا
خلفه أحمد عرابي
تفاصيل شخصية
وُلِد 6 أكتوبر 1839
القاهرة، مصر
توفي 12 ديسمبر 1904
القاهرة، مصر
محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري (و. 6 أكتوبر 1839 – ت. 12 ديسمبر 1904)، هو شاعر مصري، ورئيس وزراء مصر من 4 فبراير 1882 – 26 مايو 1882.
حياته
ولد محمود سامي الباروزي في 6 أكتوبر 1839 في حي باب الخلق بالقاهرة لأبوين من أصل شركسي من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي (أخي برسباي). . وكان أجداده ملتزمي إقطاعية إيتاي البارود بمحافظة البحيرة. يعتبر البارودي رائد الشعر العربي الحديث الذي جدّد في القصيدة العربية شكلاً ومضموناً، ولقب باسم فارس السيف والقلم.أتم دراسته الابتدائية عام 1851 م ثم التحق بالمرحلة التجهيزية من المدرسة الحربية المفروزة وانتظم فيها يدرس فنون الحرب، وعلوم الدين واللغة والحساب والجبر وتخرج من المدرسة المفروزة عام 1855 م ولم يستطع استكمال دراسته العليا، والتحق بالجيش السلطاني.
العمل السياسي
عمل بعد ذلك بوزارة الخارجية وذهب إلى الأستانة عام 1857 م وأعانته إجادته للغة التركية ومعرفته اللغة الفارسية على الالتحاق بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية وظل هناك نحو سبع سنوات 1857-1863. ثم عاد إلى مصر في فبراير 1863 م عينه الخديوي إسماعيل معيناً لأحمد خيري باشا على إدارة المكاتبات بين مصر والأستانة.ضاق البارودي برتابة العمل الديواني ونزعت نفسه إلى تحقيق آماله في حياة الفروسية والجهاد، فنجح في يوليو عام 1863 في الانتقال إلى الجيش حيث عمل برتبة البكباشي العسكرية وأُلحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائداً لكتيبتين من فرسانه، وأثبت كفاءة عالية في عمله. تجلت مواهبه الشعرية في سن مبكرة بعد أن استوعب التراث العربي وقرأ روائع الشعر العربي والفارسي والتركي، فكان ذلك من عوامل التجديد في شعره الأصيل.اشترك الفارس الشاعر في إخماد ثورة جزيرة أقريطش (كريت) عام 1865 واستمر في تلك المهمة لمدة عامين أثبت فيهما شجاعة عالية وبطولة نادرة. وكان أحد أبطال ثورة عام 1881 م الشهيرة ضد الخديوي توفيق بالاشتراك مع أحمد عرابي، وقد أسندت إليه رئاسة الوزارة الوطنية في 4 فبراير 1882 م حتى 26 مايو 1882 م.
بعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية في (ربيع الآخر 1295هـ = إبريل 1878م)، وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده “جمال الدين الأفغاني” لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ النائم وتنبه الغافل، وهي قصيدة طويلة، منها:
جلبت أشطر هذا الدهر تجربة …. وذقت ما فيه من صاب ومن عسل
فما وجدت على الأيام باقية …. أشهى إلى النفس من حرية العمل
لكننا غرض للشر في زمن …. أهل العقول به في طاعة الخمل
قامت به من رجال السوء طائفة …. أدهى على النفس من بؤس على ثكل
ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت ….. قواعد الملك حتى ظل في خلل
وبينما كان محمد شريف باشا رئيس مجلس النظار يحاول أن يضع للبلاد دستورًا قويمًا يصلح أحوالها ويرد كرامتها، فارضًا على الوزارة مسؤوليتها على كل ما تقوم به أمام مجلس شورى النواب، إذا بالحكومة الإنجليزية والفرنسية تكيدان للخديوي إسماعيل عند الدولة العثمانية لإقصائه الوزيرين الأجنبيين عن الوزارة، وإسناد نظارتها إلى شريف باشا الوطني الغيور، وأثمرت سعايتهما، فصدر قرار من الدولة العثمانية بخلع إسماعيل وتولية ابنه توفيق.ولما تولّى الخديوي توفيق الحكم سنة (1296هـ = 1879م) أسند نظارة الوزارة إلى شريف باشا، فأدخل معه في الوزارة البارودي ناظرًا للمعارف والأوقاف، ونرى البارودي يُحيّي توفيقًا بولايته على مصر، ويستحثه إلى إصدار الدستور وتأييد الشورى، فيقول:
سن المشورة وهي أكرم خطة ….. يجري عليها كل راع مرشد
هي عصمة الدين التي أوحى بها …… رب العباد إلى النبي محمد
فمن استعان بها تأيد ملكه …. ومن استهان بها لم يرشد
غير أن الخديوي توفيق نكص على عقبيه بعد أن تعلقت به الآمال في الإصلاح، فقبض على جمال الدين الأفغاني ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكلها تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف والأوقاف، بعدها صار وزيرًا للأوقاف في وزارة رياض.وقد نهض البارودي بوزارة الأوقاف، ونقح قوانينها، وكون لجنة من العلماء والمهندسين والمؤرخين للبحث عن الأوقاف المجهولة، وجمع الكتب والمخطوطات الموقوفة في المساجد، ووضعها في مكان واحد، وكانت هذه المجموعة نواة دار الكتب التي أنشأها “علي مبارك”، كما عُني بالآثار العربية وكون لها لجنة لجمعها، فوضعت ما جمعت في مسجد الحاكم حتى تُبنى لها دار خاصة، ونجح في أن يولي صديقه “محمد عبده” تحرير الوقائع المصرية، فبدأت الصحافة في مصر عهدًا جديدًا.ثم تولى البارودي وزارة الحربية خلفًا لرفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته في 22 أغسطس 1881، نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.
وزارة الثورة
حكومته
“تشكيل الحكومة من 4 فبراير 1882 – 17 يونيو 1882”
حسن باشا شريعي نظارة الأوقاف
عبد الله باشا فكري نظارة المعارف العمومية
علي باشا صادق نظارة المالية
محمود باشا سامي البارودي نظارة الداخلية
محمود بك فهمي نظارة الأشغال العمومية
مصطفى باشا فهمي نظارة الحقانية، نظارة الخارجية
عاد البارودي مرة أخرى إلى نظارة الحربية والبحرية في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب مظاهرة عابدين التي قام بها الجيش في 9 سبتمبر 1881، لكن الوزارة لم تستمر طويلاً، وشكل البارودي الوزارة الجديدة في (5 من ربيع الآخر 1299هـ = 24 من فبراير 1882م) وعين “أحمد عرابي” وزيرًا للحربية، و”محمود فهمي” للأشغال، ولذا أُطلق على وزارة البارودي وزارة الثورة، لأنها ضمت ثلاثة من زعمائها.
وافتتحت الوزارة أعمالها بإعداد الدستور، ووضعته بحيث يكون موائمًا لآمال الأمة، ومحققًا أهدافها، وحافظا كرامتها واستقلالها، وحمل البارودي نص الدستور إلى الخديوي، فلم يسعه إلا أن يضع خاتمه عليه بالتصديق، ثم عرضه على مجلس النواب.
الثورة العرابية
المقالة الرئيسية: الثورة العرابية
تم كشف مؤامرة قام بها بعض الضباط الجراكسة لاغتيال البارودي وعرابي، وتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين، فقضت بتجريدهم من رتبهم ونفيهم إلى أقاصي السودان، ولمّا رفع “البارودي” الحكم إلى الخديوي توفيق للتصديق عليه، رفض بتحريض من قنصلي إنجلترا وفرنسا، فغضب البارودي، وعرض الأمر على مجلس النظار، فقرر أنه ليس من حق الخديوي أن يرفض قرار المحكمة العسكرية العليا وفقًا للدستور، ثم عرضت الوزارة الأمر على مجلس النواب، فاجتمع أعضاؤه في منزل البارودي، وأعلنوا تضامنهم مع الوزارة، وضرورة خلع الخديوي ومحاكمته إذا استمر على دسائسه.
انتهزت إنجلترا وفرنسا هذا الخلاف، وحشدتا أسطوليهما في الإسكندرية، منذرتين بحماية الأجانب، وقدم قنصلاهما مذكرة في (7 من رجب 1299هـ = 25 من مايو 1882م) بضرورة استقالة الوزارة، ونفي عرابي، وتحديد إقامة بعض زملائه، وقد قابلت وزارة البارودي هذه المطالب بالرفض في الوقت الذي قبلها الخديوي توفيق، ولم يكن أمام البارودي سوى الاستقالة، ثم تطورت الأحداث، وانتهت بدخول الإنجليز مصر، والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين بها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف، في 3 ديسمبر 1882، إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب (سري لانكا).
البارودي في المنفى
أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعض عام، وأقام مع زملائه في كولومبو سبعة أعوام، ثم فارقهم إلى “كندي” بعد أن دبت الخلافات بينهم، وألقى كل واحد منهم فشل الثورة على أخيه، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام.
وطوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، واشتدت وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد إلى مصر في 12 سبتمبر 1899 وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد أنشودة العودة التي قال في مستهلها:
أبابلُ رأي العين أم هذه مصرُ فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ
شعر البارودي
يعد البارودي رائد الشعر العربي في العصر الحديث، حيث وثب به وثبة عالية لم يكن يحلم بها معاصروه، ففكّه من قيوده البديعية وأغراضه الضيقة، ووصله بروائعه القديمة وصياغتها المحكمة، وربطه بحياته وحياة أمته.
وهو إن قلّد القدماء وحاكاهم في أغراضهم وطريقة عرضهم للموضوعات وفي أسلوبهم وفي معانيهم، فإن له مع ذلك تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة.
وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا نهج الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم، فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي.
وترك ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في أربعة مجلدات، وقصيدة طويلة عارض بها البوصيري، أطلق عليها “كشف الغمة”، وله أيضًا “قيد الأوابد” وهو كتاب نثري سجل فيه خواطره ورسائله بأسلوب مسجوع، و”مختارات البارودي” وهي مجموعة انتخبها الشاعر من شعر ثلاثين شاعرًا من فحول الشعر العباسي، يبلغ نحو 40 ألف بيت.
من قصائده
أبشروا بمحمد
إلى الله أشكو
خوف معشوقة
بادر الفرصة
أعد يا دهر
الفؤاد المفجع
أحموقة الغي
أفتانة العينين
يا من رأى
أراك الحمى
في رثاء أمه
قلدتُ جيدَ المعالى ِ حلية َ الغزلِ
طربتْ ، وَ لولاَ الحلمُ أدركني الجهلُ
مَضَى اللَّهْوُ، إِلاَّ أَنْ يُخَبَّرَ سَائِلُ
عَصَيْتُ نَذِيرَ الْحِلْمِ فِي طَاعَة ِ الْجَهْلِ
ردوا عليَّ الصبا منْ عصريَ الخالي
سَمَا الْمُلْكُ مُخْتَالاً بِمَا أَنْتَ فَاعِلٌ
أَلاَ، حيِّ مِنْ «أَسْمَاءَ» رَسْمَ الْمَنَازِلِ
ردَّ الصبا بعدَ شيبِ اللمة ِ الغزلُ
عَمَّ الْحَيَا، وَاسْتَنَّتِ الْجَدَاوِلُ
وَذِي حَدَبٍ يَلْتَجُّ بِالسُّفْنِ كُلَّمَا
أَهِلاَلٌ بَيْنَ هَالَهْ؟
يَا نَاصِرَ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ!
لأمرٍ ما تحيرتِ العقولُ
ما الدهرُ إلاَّ ضوءُ شمس علا
لاَ تَرْكَنَنَّ إِلَى الزَّمَانِ، فَرُبَّمَا
إنْ شئتَ أنْ تحوى المعاليَ ، فادرعْ
لاَ تَحْسَبِ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثِقَة
ألا ، إنَّ أخلاقَ الرجالِ وَ إنْ نمتْ
تسابقْ في المكارمِ تعلُ قدراً
إِذا سَتَرَ الْفَقْرُ امْرَأً ذَا نَبَاهَة
لَعَمْرُكَ مَا الإِنْسَانُ إِلاَّ ابْنُ يَوْمِهِ
طهرْ لسانكَ ما استطعتَ، وَ لا تكنْ
لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ
الْحُبُّ مَعْنى ً لاَ يُحِيطُ بِسِرِّهِ
لَيْسَ لِي غَيْرَ ذلكَ الْحَجَرِ الأَسْـود
يا هاجري ظلماً بغيرِ خطيئة
منْ ظنني موضعاً يوماً لحاجتهِ
عَاتَبْتُهُ، لاَ لأَمْرٍ فِيهِ مَعْتَبَة
دعِ المخافة، وَ اعلمْ أنَّ صاحبها
يُعَزَّى الْفَتَى فِي كُلِّ رُزْءٍ، وَلَيْتَهُ
وفاته
بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم “مدرسة النهضة” أو “مدرسة الأحياء”. ولم تطل الحياة بالبارودي بعد رجوعه، فتوفي في 12 ديسمبر 1904 .
اقرأ للشاعر