ياسمينا شاهين تكتب: القانون بين العقل و القلب ! ( الجزء الأول)

في ميزان أحكام الحياة الذي وضعه الله تعالى لينظم الكون وييسر أعمال البشر وفق القوانين المحكمة ، حاول البشر كعادتهم أن يتدخلوا ويضعوا بصماتهم التاريخية كالعادة .

منهم من حاول أن يتدخل إيجابيا بحسن النية وبحسب المقدرة ووجهة النظر ، ومنهم من يتدخل سلبيا بتعمد بغرض كسر كل القواعد والقيود و تيسيرها لأهوائه الشخصية ومنهم من يقف صامتا متفرجا بدعوى :- ” وأنا مالي مش أنا اللي هغير الكون ” !

واستمر الصراع ، وبات السؤال الأزلي دائما و أبدا  :

” لمن الحكم و لمن اليد المُطلقة ؟” ..

أيحكُم القلب أم العقل ؟

أيفوز المنطق ؟ أم ينتصر الواقع ؟ أم يستطيع الضمير أن ينهي الأزمة بكلمة حق تساوي الكثير في كفة العدالة و إرضاء الرأي العام ؟!!

من يتحكم في مجريات الأمور والقضايا المفصلية في الحياة ؟!

الحدث ؟  القاضي ؟ الرأي العام ؟ الصحافة ؟ الدفاع ؟ المجني عليه ؟ أم حتى الجاني؟!

كيف ننظر في الأمور ؟ وكيف نبحث عن دوافع الأشياء ؟

أنبحث بالمعلومات المجردة ؟ أم نبحث بعين ثاقبة فلسفية تنظر وتبحث فيما وراء الأشياء ؟!

و ما هي المرجعية ؟ و المرجعية ذاتية أم قانونية ؟ و هل يمكن أن ينال الحكم رضا الجميع ؟!

وماذا يجب أن يكون رد الفعل ؟!   الصمت أم الكلام ؟ الواقع أم الأحلام ؟

الرضا أم الاعتراض ؟

التشجيع على الاستمرار أم الإجبار على التراجع ؟!!

وتكمن الكارثة عندما يلعب المال دوره الفتاك ، وتلعب الأنانية دور الأسد الذي يبحث عن إشباع ذاته أيا كانت الفريسة في أي وقت وأي زمان وأي مكان دون تفكير أو حسابات !!

وهذه ليست حسبة اليوم أو الغد ، ولكن يرجع بها الزمن منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل !! و ستزال حتى قيام الساعة …

والأغرب في الأمر ، أن الإنسان دائما ما يكون السبب الرئيسي والجاني الحقيقي ، فهو من يدع للشيطان مكاناً و يترك له المساحة والحرية التامة ليفعل ما يشاء وقتما يريد ويخطط للأمور كما يحلو له بكل سهولة دون أدنى مقاومة !!

وسبحان الله ، عندما يصل الإنسان لمراده بعد أن يدهس حلم أخ له في الإنسانية و يسرق من آخر ويذل هذا و يؤذي ذاك ، تجده لا يشبع ولا يكتفي وفي بعض الأحيان قد لا يكون سعيداً ونادراً ما يندم على ما فعل إذا كان متبقي له بضع من ضمير !!

ولكن من يدفع الثمن ؟

أول من يدفع من دمه و لحمه ، هم أقرب الناس إليه  ، أهله و ذويه !!

فهذه أم حرق الألم فؤادها

وهذا أب انقطعت أسباب الحيل لديه

وهذا أخ سقط صريعاً

وهذه زوجة تطلق

وهذا ابن يشرد

وهذا مجتمع يتوه و يتفكك يوماً بعد يوم …

لك أن تتخيل يا سيدي ، موقف القاضي ،فهو بشر مثلي ومثلك ، سخره الله ليحكم بين الناس وكلمته سيف يمكن أن يقطع به يداً أو رقبة ويمكن أن ينجي به بريئاً .

وبما أنه بشر ، فالبطبع قد يخطئ وقد يصيب وقد يتعامل بالقلب أو العقل وقد يتم خداعه أو تتزين الحقائق أمامه ، ولأنه يدرك كل ذلك ولأن  الخطأ في الأحكام في منتهى الخطورة والمسئولية ولأنه قد اختار بمحض إرادته أن يتولى هذا الأمر ، فهو يفكر ألف مرة مدام يرى الله دوما أمام عينيه ، خوفاً منه ورحمة بمصائر الناس ..

وفي ظل سعيه الدائم لإعمال القانون و بنوده ، فهو يسعى جاهداً في إعمال فطنته لبحث الدوافع العقلية والنفسية والمرضية وراء الحادث وله سلطة تقديرية لتخفيف العقوبة أو ربما إلغائها !!

ولم يكن هذا محض صدفة أو دستور ، بل يرجع الأمر إلى “شرع الله ” الذي حرص على الأحذ بالأعذار والظروف التي أحاطت بالمتهم على سبيل الرأفة دون دون الإخلال بالعدالة والحفاظ على الحقوق .

فلا يوجد أبيض أو أسود في المسائل القانونية بدليل وجود الاستئناف ومحاكم النقض والدستورية العليا وخاصة أن مشرعي القانون قد يدرجون العديد من المصطلحات التي قد تحمل أكثر من معنى ..

ولكي يصلح القانون ، لابد و أن يفسر تفسيراً يعطي للقاضي الحق لتطبيق الحد الأدنى والأقصى للعقوبة .

ولولا هذا الشعور وهذه الفطنة و الحكمة و الفلسفة التي تساوي في قدرها قدر الأدلة والمستندات بل قد تغلبها في أوقات كثيرة ،لاستطاع الجاني أن يصبح بريئاً و لحصل البرئ على الإعدام !!

فلا يمكن أن تحكم مجموعة أوراق فقط على مصير و مستقبل إنسان !!!

ولو كان هذا ممكناً ، لأصبحت الأحكام مميكنة وإلكترونية !!

أتعرف عزيزي القارئ علام أتحدث ؟

إني أتحدث عن “روح القانون # ..

وأتعجب كثيرا من البعض الذين يسفهون من هذه الكلمة  و يستهزئون بها و يسخرون من القضاة الذين ينظرون لبعض القضايا بالجانب الشعوري والفلسفي إلى جانب الوعي الحقيقي والعقلي !!

وكيف يحكم الرأى العام الدفة بمجرد الاضطلاع على مجموعة أخبار ، الله وحده من يعلم مدى صحتها أو دقتها ، دون دراسة أبعاد القضية أو  حتى ما يسمى ب “أ ب قانون” على أقل تقدير !

فإن كنا سنحكم في القضايا بوجهات نظر كل فرد منا الشخصية ، لما رسينا على حكم و لأصبحت الدنيا أشبه بالغابة !

فلا يمكن أن يتفق الكل على نفس الحكم !

ولكن الحكمة تقتضي أن ننظر في الأمور نظرة ثاقبة وأن نعمل العقل دون أن ننسى أننا بشر .

والبشر يشعر و يحس و يفهم و يتفهم و يخطئ و يغفل  و يصيب و يندم و يتوب و يعفو و يتسامح والعبرة بالنهايات وميزان الحسنات وعدم تكرار الأخطاء ..

وإن لم يستطع الإنسان العفو في مجمل حياته ، لأصبح جماداً أو ربما أسوأ بكثير ..

فالله هو الغفور الرحيم ، فكيف لبشر أن ينطق بعد هذه الجملة !!

القانون دستور حياة ، وعظمة القانون في كونه يرد الحقوق بأهدأ الطرق و أقلها أذى و دمار .

فلا يدهس أحلام البشر ولا يدمر ويشتت أسر .

به تستقيم الحياة وتهدأ النفوس ..

ونحن في النهاية بين خيارين :

* إما أن نحترم قوانين الكون الذي نحيا فيه

* إما أن نحوله إلى غابة ، يأكل فيها القوي الضعيف ، و يدهس فيها الظالم المظلوم ، و تكون السيادة فيها للمجرم بلا حساب ، بلا دليل ، بلا أمان ، بلا إنسانية ..

وسيبقى القانون دوما بين ميزان العقل و القلب و صراع الواقع وتغليب الضمير.

اقرأ للكاتبة

ياسمينا شاهين تكتب: نخلة رأس السنه

شكرا للتعليق على الموضوع