ياسمينا شاهين تكتب: نخلة رأس السنه
عندما تتوارى الثوابت خلف جدران الضجيج ، عندما يخيمها ظلام العبث و تسدل عليها ستائر الغفلة .
عندما ترتجف أطرافها في ماء الصقيع رعبا من أمواج في بحر لجي ، يغشاه موج من فوقه موج ، ظلمات بعضها فوق بعض .
عندما تمكث مرتعدة في غياهب الجب الحزين ، تخشى أن تطل ولو برأسها قلقا من مجون الماجنين .
عندما تتلعثم الكلمات على شفاهها وهي (صدق) خاشية من بتر لسان الفضيلة .
فيتهادى صوتها رعبا و هي (حق) خوفا من بطش الباطل .
نحن بكل الأسف نعيش في عالم يخاف فيه صوت الحق من صوت الباطل ، لأن الباطل أصبح الآن بكل الأسف ذو قوة غاشمة ساحقة ماحقة لا تبقي و لا تذر .
نعيش في هذا الزخم من التهلهل الفكري والأخلاقي في غياب أو -بمعنى أصح- تغييب لمصطلحات يعدونها اليوم ( Old fashion) (موضة قديمة ) .
هي مصطلحات :- (الثوابت) و (المعايير) و (المبادئ )و (القيم )و( الضمير الإنساني) و (الحق) و( الباطل) و( الجائز )و (اللاجائز) و (العيب) و( الحرام) و( الحلال ) و( السفور) و (الحياء) و( المعقول) و( اللامعقول )و( المنطقي) و( اللامنطقي).
حالة تخبط في الأفكار والمشاعر والقناعات
أيضا حالة يرثى لها الضمير الإنساني و يستاء منها كوكب الأرض الذي يحملنا على سطحه و ضج بنا و منا .
فطول الوقت نتأمل هذا الصخب ونراقب ما يحدث حولنا والآية القرآنية ترن في ذلك الذهن الشارد المندهش دائما :
(و تركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعض ).
فلنتأمل معا مثلاً على سبيل المثال لا الحصر ، “بزوغ ليلة رأس السنة الميلادية ” والعالم بأثره شمالا و جنوبا ، شرقا وغربا ، ينفقون الأموال الطائلة – كل حسب إمكانياته – في الاستعداد المثير والبراق عالميا لاستقبال تلك الليلة الليلاء .
في تنافس واضح على مستوى الدول و الأفراد .
فألعاب نارية وضوئية وزينات وحفلات وملابس تستعد لها مصانع بأثرها ومطاعم و ملاهي تلهي الجميع ، سفر وفنادق ومنتجعات و … و … و …..
إنفاق ضخم وميزانية عتيدة .
الدول و الأفراد فقيرهم وغنيهم
يخرجون من أموالهم بكل الرضا والقناعة والسعادة والابتهاج .
الكل معه الآن والكل قادر في هذه الليلة !!
تعالوا نقول لهؤلاء ، هناك مساكين على هذا الكوكب الحزين ، ينظرون بغصة وحسره وحيره ودهشه عليكم .
حين تصرخون أنتم فرحاً برأس السنة ، يصرخون هم جوعاً .
عندما تتراقصون أنتم على أنغام موسيقى الليلة السافرة ومنكم من يتزين بالعري والسفور ، يرتعشون هم وصغارهم من ضراوة البرد حيث لا يجدون ما يكفي لتغطية تلك الأجساد الضعيفة النحيلة الهزيلة الجائعه ..
أطفالهم يجوبون الشوارع تسولاً لفتاتكم وبقايا موائدكمو حفلاتكم وربما موبقاتكم .
وقت أن بعضكم يقضون ليلتهم تلك على أسرة الفنادق الفارهة والأغطية الناعمة الدافئة ، هم تكون أسرتهم الرصيف و ألحفتهم الفضاء .
تعالى ناشد هؤلاء باستبدال هذا الإنفاق بجمع الأموال تلك للفقراء و المحتاجين ، في تلك اللحظه ستتذكر فورا الآية الكريمة :-
( وأحضرت الأنفس الشح ).
أي يغلب على الأنفس البشرية في تلك اللحظة البخل و الشح والكل سيدعي عدم المقدرة و الفقر والعوز .
ليس المطلوب يا سادة هو “الكآبة” .
و لن يتفوه عاقل بالدعوة إلى الاكتئاب .
و إنما كله بالمعقول .
كله بميزان الضمير يكون أجمل و أبهج و أفيد أيضا .
و ليكن احتفالك بصحوة ضميرك أقوى من احتفالك بليلة ستمضي هباء إن لم تجني فيها من الخير ما يبقى .
و ليكن منهاجك في رأس هذا العام الجديد لا يثنيك عن إدراكك أنه عام قادم بإذن الله من عمرك ستحاسب عليه .
فالليلة ياعزيزي ربما تحتفل و أنت على سطح الأرض ، يا عالم ربما ستكون العام القادم في باطنها. حين لا احتفال إلا بالمتقين الصالحين المصلحين .
و لا مكان و لا مكانة للمفسدين في الأرض و هم يظنون أنهم مصلحون .
“و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون “.
المبادئ لا تتجزأ و الضمائر لا تموت و إنما تُغيب .
و المشاعر لا يمكن السيطرة عليها إجباراً بالقوانين.
فمن لم يحركه ضميره و إنسانيته ، لن يحركه أي قانون و لا أي عقوبة و لا أي ملامة أو توبيخ .
و لنتيقن جميعاً و دائماً و أبداً من تحقق قول الله تعالى :-
( فأما الزبد فيذهب جفاءً و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ).
و الحق دائماً ياساده فارساً مكتوباً له النصر
الحق هامة و قامة
رفيع القدر و المقام
عالياً ، ظاهراً ، أبلجاً
تماماً كالنخلة العالية ذات الطلع النضيد ذات الجلال و البهاء .
((( والنخل باسقات لها طلع نضيد ))) صدق الله العظيم
✍د: ياسمينا شاهين
اقرأ للكاتبة
ياسمينا شاهين تكتب: جيبك يا افندم اللي عايز كدة