هل تعلم أن الرئيس السويسري لا يقوم أبدا بزيارة دولة؟
في سويسرا يُوجد أكبر عدد من “الرؤساء السابقين”.. إليك الأسباب!
تقارير – سويسرا – التلغراف: في فرنسا وألمانيا يُوجد رئيسان سابقان فقط على قيد الحياة، في حين هناك لدى بريطانيا ستة، بينما يعيش في الولايات المتحدة خمسة رؤساء سابقون. أما في سويسرا، فيمكن إحصاء 18 عضواً في “جمعية الرؤساء الأحياء السابقين”. لكن ما الذي يعنيه هذا الرقم القياسي بالنسبة للإستقرار السياسي والقيادة في الكونفدرالية؟
إنه لا يعني الكثير في الواقع، فصيغة السؤال المطروح خادعة إلى حدٍ كبير. إذ لا يُمكن مُقارنة الرئاسة الدورية الفريدة في سويسرا، التي لا تزيد عن عام واحد فقط، مع رؤساء الحكومات في أي بلد آخر (كما هو الحال مع مستشار/ مستشارة ألمانيا أو رئيس/ رئيسة وزراء بريطانيا مثلاً).
فهل كنت تعلم مثلاً أن الرئيس السويسري لا يقوم أبدا بزيارة دولة؟
فالرئيس السويسري ليس رئيساً للدولة ولا رئيساً للحكومة. وتُعتَبَر الحكومة الفدرالية (أو مجلس الحُكم الفدرالي) المكونة من سبعة أعضاء (وزراء)، رئيساً جماعياً للدولة وللحكومة في نفس الوقت. وقد يكون رئيس الكنفدرالية هو “الأول بين أعضاء متساوين”، لكنه لا يتوفر على أي صلاحيات مضافة أو سلطة أكبر بالمقارنة مع بقية زملائه الأعضاء في الحكومة.
علاوة على ذلك، يحتفظ أعضاء الحكومة السبعة خلال العام الذي يتولون فيه رئاسة الكنفدرالية بمناصبهم كمُشرفين على وزاراتهم. ففي عام 2022 على سبيل المثال، يشغل إينياتسيو كاسيس منصب رئيس سويسرا ووزير الخارجية في نفس الوقت.
الشعار التقليدي لسويسرا هو “واحد للجميع، والجميع للواحد”. فالحكومة الفدرالية تتولى جميع المهام مُجتمعة، مِن اتخاذ موقف بشأن السياسات، وحتى توقيع المعاهدات واستقبال رؤساء الدول الزائرين (على الرغم من عَدَم تواجد جميع أعضاء الحكومة السبعة دائماً في هذه المناسبات).
إذن، ما هو الهدف من وجود الرئيس السويسري؟ وما الذي يفعله هؤلاء الرؤساء في الأشهر الإثني عشرة التي يتولون فيها تقلد هذا المنصب الفخري؟
اقرأ ايضاً | وسائل إعلام سويسرية تحاول التكيّف مع مجتمع متعدد الأعراق
تتضمن مهام الرئيس السويسري ترؤس اجتماعات الحكومة الفدرالية والإضطلاع بواجبات تمثيلية خاصة. كما يقوم رؤساء الكنفدرالية بإلقاء الكلمات بمناسبات رأس السنة الجديدة، والعيد الوطني في أول أغسطس، والتي تُبث من على شاشات التلفزيون ومن خلال موجات الإذاعة (باللغات الوطنية وبالإنجليزية والبرتغالية وألإسبانية أيضاً). كذلك يُرحب الرؤساء السويسريون بأعضاء السلك الدبلوماسى – جميع السفراء الأجانب فى سويسرا – فى حفل الإستقبال التقليدي الذي يُقام بمناسبة حلول العام الجديد.
لعبة الإنتظار
بالمُقارنة مع الدول الأخرى، فإن تولي منصب الرئاسة في سويسرا سهل نسبياً. وباختصار، يكفي أن يتم إنتخابك لعضوية الحكومة الفدرالية من طَرَف مجلسي النواب والشيوخ، ومن ثم ما عليك سوى الإنتظار. وعندما يكون جميع الوزراء الذين انتخِبوا قبلك قد شَغلوا منصب الرئاسة خلال فترة وجودك ضمن الحكومة الفدرالية، فسوف يحين دورك. أي أنه يتعيّن عليك الإنتظار مدة ست سنوات كحدٍ أقصى.
أمّا الحقيقة الأخرى غير المعهودة في بقية النظم السياسية، فهي أنه بوسع أي مواطن سويسري يزيد عمره عن 18 عاماً، ويرى في نفسه مؤهلات الوزير، أن يتقدم لترشيح نفسه لعضوية الحكومة الفدرالية. كذلك يُمكن للبرلمان أن يقوم باختيار شخص لم يُرشِّح نفسه إطلاقا لعضوية الحكومة الفدرالية. (ومن هنا نلاحظ الحملات والمناورات السياسية المُنتظمة لِدَفع روجيه فيديرر مثلا لتولي منصب من هذا القبيل). بيد أن اختيار مجلسي النواب والشيوخ كان يقع في جميع الحالات تقريبا على أعضاء يقدُمُون من داخل البرلمان.
وفى شهر ديسمبر من كل عام، يقوم البرلمان الفدرالي بانتخاب أحد الوزراء السبعة في الحكومة ليكون رئيساً للكنفدرالية، على الرغم من أن المسألة في الواقع لا تتعدى التمسك بترتيب الأقدمية وتأكيد شخصية نائب الرئيس. (يتولى حالياً آلا بيرسيه منصب نائب الرئيس، بينما يتولى إينياتسيو كاسيس منصب رئيس الكنفدرالية).
ليس للمواطنين والمواطنات في سويسرا رأي في عملية انتخاب الحكومة الفدرالية، وبالتالي، في عملية انتخاب الرئيس.
ولكن طالما ظل البرلمان يُعيد انتخابك لعضوية الحكومة الفدرالية كل أربعة أعوام (والإحتمالات القائمة هنا جيّدة، حيث لَم يتكرر انتخاب سوى أربعة وزراء لعضوية هذا المجلس منذ عام 1848)، لن يكون هناك حدّ لفترة بقائك ضمن تشكيلة الحكومة الفدرالية، أو لعدد المرات التي يُمكنك أن تصبح فيها رئيساً للكنفدرالية (الرقم القياسي حتى الآن هو ستة). مع ذلك، ومن الناحية العملية، لا يظل إلّا عدد قليل من الوزراء لفترة رئاسية ثالثة في أيامنا هذه. وكان آخر من فعل ذلك هو كورت فورغلر في عام 1985.
هكذا، لا تحتاج سوى أن تصبح عضواً في الحكومة الفدرالية، وتبقى بعيداً عن المشاكل، لكي تضمَن رئاسة الكنفدرالية السويسرية في نهاية المطاف. مع ذلك، يوجد هناك في سويسرا ثلاثة وزراء لا يزالون على قيد الحياة، لم يُصبحوا رؤساء للكنفدرالية. وكانت أولاهم السيدة أليزابيت كوب، التي التحقت بالحكومة الفدرالية في عام 1984 (بالمناسبة، كانت أول إمرأة تصبح عضوة في الحكومة السويسرية)، واستقالت في عام 1989. بدورها أصبحت روت ميتسلر، عضوة في التشكيلة الحكومية في عام 1999، ولم تُنتَخَب ثانية في عام 2003. كذلك لم تتم إعادة انتخاب كريستوف بلوخَر ثانية في عام 2007، بعد شغله منصب وزير العدل والشرطة في الحكومة الفدرالية في عام 2003.
اقرأ ايضاً | القضاء السويسري يتهيّأ لتحوّل عملاق “مركزيّ ورقميّ”
مسألة منظور
الآن، إليك هذا اللغز: الرئيس السويسري لا يقوم بزيارة دولة أبداً، مع ذلك لا يزال بالإمكان استقباله لزيارة دولة. فكيف يكون هذا؟
كما ذُكِر سابقاً، فإن الرئيس السويسري ليس رئيساً للدولة. لذلك فإنه لا يصحّ – من وجهة نظر سويسرية – التحدث عن “زيارة رئاسية”. مع ذلك، وكما توضح الحكومة، يختلف الوضع بعض الشيء بالنسبة للبلد المُضيف. فعلى الرغم من عدَم اعتبار أي فرد رئيساً للدولة في سويسرا، لكن ينبغي مَنح رئيس / رئيسة الكنفدرالية نفس مكانة نظرائه/ نظيراتها الأجانب في هذه الحالات”.
وهكذا “فإنه من المعقول تماماً أن تَنظُر الدول الأخرى إلى المناسبات التي تدعو أو تستقبل فيها الرئيس السويسري باعتبارها ‘زيارة دولة’، وبالتالي فإن استخدام هذا المُصطلح مُناسب تماماً. والأمر متروك للبلد الذي يُصدر الدعوة، للبت فيما إذا كانت الزيارة هي زيارة عمل، أو زيارة رسمية، أو زيارة دولة، مع الإيفاء الكامل لجميع المراسم التي يُمليها البروتوكول.
إنها بالنهاية مسألة منظور”. كما تضيف الحكومة السويسرية.
اقرأ ايضاً
حوار مع غي بار مولان الرئيس السويسري الجديد