(زابين) رقصة شعبية ذات أصول عربية لها دلالات عميقة في تفاصيل الحياة بماليزيا
على تقسيمات العود تُستهل رقصة (زابين) التقليدية في ماليزيا بحركات جسدية سلسة ومتداخلة، لها دلالات عميقة حول تفاصيل حياة المجتمع الماليزي لاسيما في المزارع والبحار والمنازل القروية.
وإلى جانب العود المسمى في ماليزيا بالـ (غامبوس)، يتم تصميم حركات رقصة (زابين) على ألحان آلات الأكورديون والطبول والدفوف والمراوس، ودخلت مؤخرا آلة الكمان لتضيف للرقصة لمسة مستحدثة.
تعتبر (زابين) أبرز أشكال الرقص والموسيقى الشعبية في ماليزيا لاسيما في ولاية جوهور الجنوبية، ويعتقد مؤرخون أن أصول الرقصة من جزيرة العرب وهي في الأغلب من جنوب اليمن عندما وصل تجارها إلى أرخبيل الملايو في القرن الرابع عشر ميلادي.
وتقام هذه الرقصة عادة في مستهل المناسبات والفعاليات الرسمية الوطنية على المستوى الحكومي في ماليزيا، لاسيما تلك المتعلقة بالسياحة والثقافة والتراث مثل عيد الاستقلال والاحتفال برأس السنة، كونها رقصة ترحيبية في تصميمها.
كما تؤدى (زابين) أيضا في المناسبات الاجتماعية والدينية الأخرى مثل عيد الفطر والاحتفاء بالمولود الجديد، وكذلك المولد النبوي وختم القرآن. وتؤدى أيضا بشكل واسع في حفلات الزفاف والاجتماعات العائلية.
ويلاحظ أيضا أنها تؤدى بشكل واسع مؤخرا في مراكز التسوق الكبرى مع اقتراب شهر رمضان، وذلك لأن جانبا من الرقصة لها دلالات دينية، ناهيك عن أصولها العربية، حيث يرتبط مسمى العرب في ماليزيا بالإسلام.
يقول رئيس جمعية (نشطاء زابين) في ولاية جوهور بماليزيا عبدالرزاق بن رحمت إن أصل كلمة (زابين) عربية من “زفن” أي رقص، حيث تُدعى أيضا رقصة (زافين). وأوضح عبدالرزاق أن الرقصة اشتهرت في جنوب ماليزيا بولاية جوهور أكثر من غيرها من المناطق، ربما لأن الولاية تحتضن العديد مما يسمونهم الماليزيين بالحضارم الذين قدموا إليها منذ قرون من جنوب اليمن.
قديما كان يسمح للذكور فقط بأداء هذه الرقصة التي كانت تؤدى بشكل حصري في الاحتفالات الدينية، ولكن مع مر السنين أضيف عليها الطابع المحلي الملايوي، وتم السماح بمشاركة النساء في الرقص، حتى باتت (زابين) شكلا من أشكال الترفيه الشعبي في الثقافة الماليزية.
وترى مصممة الرقصات في مؤسسة ولاية جوهور للتراث والثقافة نور فاليزا، أن “معظم حركات رقصة (زابين) مستوحاة من التعبد والصلاة وذلك لأنها متأثرة بالصوفية الإسلامية” حسب قولها، إضافة إلى حركات البحارة والصيادين والمزارعين حسب المنطقة التي تنسب إليها الرقصة.
ولرقصة (زابين) في ماليزيا أشكالا عديدة تصل إلى 20 شكلا منها (زابين تينغلو) و(زابين بولاو) و(زابين سري بينيان) و (زابين لينجا) و(زابين بيكاجانغ) نسبة إلى مختلف المناطق بالولايات الماليزية، رغم أن أصل جميع تلك الأنواع هي (زابين عرب). فيما تشير مصادر إلى أن أنواعها في دول منطقة جنوب شرق آسيا تصل إلى 118 نوعا، فالرقصة منتشرة أيضا في سنغافورة وبروناي وأجزاء من اندونيسيا.
وتضع مؤسسة ولاية جوهور للتراث والثقافة -وهي مؤسسة حكومية تعنى بحماية التراث- قواعد ولوائح متعلقة برقصة (زابين) على مستوى الولاية، حيث يتوجب على الراقص إتقان على الأقل 5 أنواع من أشكال (زابين) ليكون راقصا معتمدا.
عروض رقصة (زابين)، تبدأ بخطوات تسمى “تقسيم” ثم “سيبا” ثم “أساس″، انتهاءً بنمط إيقاعي يسمى “كوباك”، وتختلف أشكال الرقصات حسب المناطق، لكن جميعا تتفق في الخطوات الثلاثة الأولى التي يلاحظ أن اثنتين منها كلمات عربية وهي “تقسيم” و “أساس”.
يقول المحاضر والمدرب في أكاديمية الرقص الماليزية عمران شفيق أن الخطوة الأولى “تقسيم” هي استهلالية لدخول المسرح أو القاعة، وعادة ما تكون بالطريقة التقليدية لدخول المنازل في ماليزيا حيث يقوم الراقص بالإنحاء ومد أحد الذراعين تعبيرا عن احترام الجالسين، مفيدا بأن هذه الاستهلالية تؤدى مع تقاسيم العود.
الخطوة الثانية “سيبا” هي للترحيب بالحاضرين والضيوف، حيث يؤخذ في الاعتبار عدم رفع المرأة عينيها على الحضور دلالة على الخجل، فيما تكون نظرات الرجال للأعلى دلالة على حسن الترحيب.
الخطوة الثالثة “أساس” هي للبدء بالرقص على إيقاع الآلات الموسيقية الأخرى، ويراعى في حركاته ارتفاع مستوى اليدين لدى الرجل عند صدره، والمرأة أسفل الصدر للدلالة على الاحترام المتبادل.
الخطوات التالية من رقصة (زابين) تختلف حسب المناطق والولايات، حيث تتأثر حركات الرقصة بالبيئة المحيطة، فالبيئة الزراعية تحاكي حركات فروع الأشجار وحصد الزرع وصغار الدجاج، في حين تحاكي البيئة البحرية حركات السمك والأمواج والتجديف بالقوارب.
أما ملابس هذه الرقصة، فيرتدي راقصوها من الرجال الزي الملايو المعروف بـ “باجو ملايو”، بما في ذلك قبعة سوداء تسمى “سونكوء”، فيما ترتدي الراقصات الأزياء التقليدية “باجو كورونج” أو “باجو كيبايا” وغالبا ما يضعن على رؤوسهن زهورا وتيجانا مذهبة. في حين تؤدى هذه الرقصة من قبل مجموعة من الراقصين والراقصات، لذا فهي تعزز روح الجماعة بدلا من الجهد الفردي.
في الآونة الأخيرة تم خلط رقصة وموسيقي (زابين) التقليدية بإيقاع الريمكس والموسيقى السريعة لخلق حركات جسدية معاصرة وجميلة تجذب الأجيال الشابة التي تعتبر الرقصات التقليدية مملة، وقد جذب هذا النوع من الموسيقى العديد من الشباب والشابات، حيث تظهر العديد من إبداعاتهم الفردية على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي. ورغم ذلك يواجه أولئك الشباب انتقادات من قبل التقليديين ودعاة الحفاظ على التراث.
حقيقة، يجب أن تبقى مثل هذه الرقصات التقليدية كما هي، لأن المتعة الحقيقة في مشاهدتها أن تكون كما هي رقصة شعبية قديمة، تحكي أغانيها وتصف مواضيع الحب والاشتياق والغرام، إضافة إلى الوطنية والشجاعة والقوة والجبروت، وذلك في إطار تفاصيل حياة المجتمع الملايوي القديم لاسيما في البحار والمزارع والقرى. وهذا مثال عن كلمات أغاني (زابين) مترجمة بالعربية:
أطفال المدارس يصطادون الأسماك
فقدت إحداهن حذاءها في مياه المانغروف
الحمد لله شهدنا وحدة ماليزيا
***
نفخ الناي في وسط المدينة
الدقات تزداد ارتفاعا
الركيزة والسلام هدفنا
بالوحدة نحن حازمون، وبالتفرقة ننهار
***
اذهب إلى المدينة في فترة ما بعد الظهر
اشترِ مشط قرن الوعل
دعونا نعمّر هذا البلد
حتى يعيش الناس بسعادة
***
الأطفال سعداء في مياه المانغروف
سمكة الساغي وصلت الشبكة
إذا كنت تريد منا أن نكون سعداء
ابتعد عن حرب الخيانة
خلال العشر السنوات الماضية، بدأت لجنة السياحة والبيئة والتراث والثقافة في ماليزيا بتوثيق رقصة (زابين) لضمان الحفاظ هذا التراث الملايوي، فيما تسعى وزارة السياحة والثقافة الماليزية إلى الارتقاء برقصة (زابين) إلى مستويات عالمية من خلال الحصول على اعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، كونها من أهم وأبرز أشكال الرقص والموسيقى الشعبية في ماليزيا.
اقرأ ايضاً
ماليزيا: أزمة الروهنغيا لم تعد قاصرة على ميانمار