مصطفى جودة يكتب: النقراشي وترومان ويوميات فلسطين

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

إنه من المؤسف حقا ما حدث لليهود من اضطهاد في بعض البلاد الأوروبية في النصف الأول من القرن العشرين ومعاناتهم منذ قدوم النازيين، وما ترتب على ذلك من استغلال من قبل مجموعات سياسية للدفع بأفكار الصهيونية لجعل برامجها بديلا مقبولا لدى العالم كله ودعمها. والأمر الذي يدعو يا للأسف أن جل اهتمامهم تركز على فلسطين رغم أن العرب كانوا عبر تاريخهم كله من أكثر الأمم تسامحا وكرما مع اليهود ومعاناتهم والعيش معهم بسلام. لسوء الحظ أصبح عرب فلسطين الأبرياء عرضة وضحايا للبروباجندا والضغط والحرمان وكلها أمور تفوق طاقاتهم.

اسمح لي سيادة الرئيس أن أطرح على سيادتكم سؤالا موضوعيا: لماذا تفرض عملية تهجير لشعب غريب بالقوة لمدة خمس وعشرين سنة على دولة صغيرة يقطنها مليون نسمة يعيشون في منطقة محدودة صغيرة؟

 لقد ترتب على ذلك صعوبات بالغة لدرجة أن العرب أصبحوا غير قادرين على استيعاب المزيد من هؤلاء المهاجرين، وأنهم أصبحوا مصرين على عدم قبول المزيد منهم، وهو المبدأ الذي وافق عليه الإنجليز في وثائقهم الحكومية.

وأخطر من ذلك كله هو أن المهاجرين الأجانب الذين استقر بهم الحال في فلسطين أصبحوا يطالبون بإحضار أعداد كبيرة من ذويهم، كما أنهم أصبحوا يستولون على معظم الأراضى الفلسطينية وأصبحوا يتولون الحكم.

 لقد أصبح الواقع المفروض أمرا واقعا على العرب الفلسطينيين، وأن يقبلوا العيش في بلادهم أقلية غرباء أو يضطروا إلى الهجرة من بلادهم، وهو الأمر الذى خلق بداخلهم قوة دافعة للمقاومة مهما تكن التكاليف.

هذا نص الرسالة المهمة التي أرسلها محمود فهمى النقراشي باشا رئيس الوزراء المصري الى الرئيس الأمريكي هاري ترومان بتاريخ 30 أبريل 1945.الرسالة تعكس القدرات الكبيرة المشهود بها لوزارة الخارجية المصرية وللدبلوماسية المصرية عبر العصور.

لا يوجد نص للرسالة باللغة العربية رغم أهميتها القصوى كوثيقة تاريخية توضح الاهتمام المصري والدور المصري الحقيقي المستدام في مناصرة القضية الفلسطينية. الرسالة موجودة باللغة الإنجليزية في كتاب يوميات فلسطين، وقمت بترجمتها بقصد إتاحتها للقارئ العربي.

لقد حان الوقت لجمع هذا التراث المهم وجمعه وتوثيقه وعدم ترك صغيرة أو كبيرة منه.

في 4 يونيو 1945، رد الرئيس الأمريكي هاري ترومان على رسالة النقراشي باشا، وكتب له: أود أن أؤكد لكم وأطمئنكم أن رسالتكم وما ورد فيها حظيت باهتمامنا وكامل رعايتنا وانتباهنا. كما أود أن أؤكد لكم وأطمئنكم أيضا أننا نولى المصالح العربية كامل العناية للتوصل الى حل عادل للمسألة الفلسطينية، وأود تجديد طمأنتكم أنه سبق للحكومة أن توصلت الى ضرورة وجود حل عادل للقضية الفلسطينية.

 وأود أن أجدد التأكيدات التي مفادها أن الإدارة الأمريكية لن تأخذ قرارا يخص الموقف الأساسي لفلسطين دون الرجوع والتشاورات الكاملة مع كل من العرب واليهود.

غربت الشمس عن بريطانيا العظمى بعد أن مزقت الأمة العربية شر ممزق وجعلت أهلها شيعا وقبائل بالمعنى الحرفي للكلمة.

ما كان يخطر على بال أحد أن لحظة الأفول حتمية وسريعة.

 حلت هذه اللحظة بنهاية الحرب العالمية الثانية، وتسلمت أمريكا المنتصرة الكبرى بالحرب العالمية الثانية الراية والإرث الغربي لتفعل بالعرب ربما أكثر مما فعلت بريطانيا.

المتأمل لنتائج الحرب العالمية الثانية يدرك أن العرب كانوا هم الخاسر الأكبر، والصهيونية هي الفائز الأكبر بها.

كان الرئيس الأمريكي ترومان أول المعترفين بإسرائيل كدولة في 14 مايو 1948، بعد 11 دقيقة من إعلانها. كان مستشاروه منقسمين حول ضرورة الاعتراف بالدولة اليهودية الوليدة، منهم من نصحه بأن الاعتراف بالدولة الوليدة هو خير خدمة للهولوكوست الذى تعرض له اليهود من النازيين وقتل الكثيرين منهم، وبالتالي فإن الاعتراف سيدعم المصالح الأمريكية. أما الطرف الآخر المعارض للاعتراف بالدولة الوليدة فكان مبنيا على أن ذلك سيسبب الكثير من القلاقل في منطقة الشرق الأوسط.

يغطى الجزء الثاني من كتاب يوميات فلسطين الفترة من 1945- 1948، وهى ثلاث سنوات حافلة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وفي تاريخ إسرائيل على وجه الخصوص، بدأت بنهاية الحرب العالمية الثانية، وانتهت بإعلان الدولة اليهودية. عبر هذه السنين الثلاث العجاف وضع البيت الأبيض كل ثقله لتحقيق المطالب الصهيونية وأحلامها، كما صوتت الأمم المتحدة على تقسيم فلسطين. يغطى هذا الجزء موضوعات تشمل بداية الدور الأمريكي وتدخل الامم المتحدة، وهى خمسة موضوعات تشمل آخر المجهودات البريطانية في المنطقة وبداية التدخل الأمريكي وتولى الأمم المتحدة الأمر، ثم تقسيم فلسطين، ثم الصراع العربي الإسرائيلي، ثم ميلاد الدولة اليهودية.

كان المناخ العالمي مثاليا بالنسبة للصهيونية العالمية ولمستقبل إسرائيل. في أمريكا كان هناك الرئيس ترومان، وفي بريطانيا كان تشرشل الذي يفضل تقسيم فلسطين وكان أكثر ميلا وتعاطفا للجانب الصهيوني على حد تعبير كتاب يوميات فلسطين. تقدمت الوكالة اليهودية بسلسلة من المطالب الى الحكومة البريطانية بتاريخ 22 مايو 1945، منها ضرورة إصدار قرار فورى ينص على عدم تقسيم فلسطين، وأن تكون دولة يهودية، وأن تتولى الوكالة اليهودية التحكم في عملية الهجرة الى فلسطين، كما يجب تخصيص سلفة دولية لتمويل هجرة المليون الأولى لفلسطين، كما يجب إجبار ألمانيا على دفع تعويضات تمنح للشعب اليهودي تستخدم لبناء فلسطين، وأن يكون القسط الأول منها من جميع الممتلكات الألمانية الموجودة في فلسطين، وأن تستخدم قيمتها المادية في توطين اليهود الأوروبيين، كما يجب السماح باستخدام التسهيلات الدولية لخروج ودخول كل اليهود الراغبين في الهجرة الى إسرائيل. كان هناك ردود فعل واحتجاجات عربية لما تقدمت به الوكالة اليهودية من مطالب.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: يوميات فلسطين «2»

شكرا للتعليق على الموضوع