مصطفى جودة يكتب: يوميات فلسطين «2»

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

رأينا فى الأسبوع الماضى توضيح أرنولد توينبى فى أن بريطانيا اتبعت الخداع والتضليل فى تعاملها مع العرب , فبعد أن وعدتهم باستقلال فلسطين غيرت رأيها لتمنح اليهود وطنا لهم فى فلسطين, وأضاف أنها قصة مأساوية كما يسردها كتاب يوميات فلسطين الذى صدر بالإنجليزية عام 1970, نجد فيه تفاصيل المؤامرة الصهيونية والمجهودات الخارقة التى قام بها هيرتزل والذين اتبعوه لتأسيس الدولة اليهودية. فى البداية انعقد مؤتمر بازل الأول فى 29 أغسطس 1897, وحضره 197 مشاركا يمثلون كل الاتجاهات اليهودية منهم المحافظ والقومى والمتحرر والملحد والفوضوى والاشتراكى والرأسمالى, والذى أرسى فيه أحلامه وإستراتيجيته لتأسيس الدولة اليهودية. المتأمل لفكره يلاحظ أنه كان حريصا على لم الشمل اليهودى فهو لم يقصر إخلاصه على فئة منهم دون فئة.

قال فى خطابه فى المؤتمر: « نحن نريد أن نرسى حجر الأساس لتأسيس الدولة اليهودية لتكون مأوى وملجأ للأمة اليهودية، وأن الصهيونية تعمل على الحصول على اعتراف قانونى يضمن إنشاء وطن قومى لهم فى فلسطين». وأضاف قولته المأثورة موجها كلامه للمناهضين لفكرته عن الصهيونية قائلا: «الصهيونية هى عودة للحظيرة اليهودية حتى قبل كونها عودة لأرض اليهود». صدرت توصيات المؤتمر وعرفت ببروتوكول بازل والتى صارت حجر زاوية لحركة الصهيونية العالمية وهو خلق وطن لليهود فى فلسطين متمتعا بالأمن. ولتحقيق ذلك ارتأى المؤتمر الوسائل الآتية لتحقيق أربعة أهداف:

1-تنمية إنشاء مستوطنات يهودية فى فلسطين بواسطة عمالة زراعية وصناعية.

2-يكون تنظيم وربط جميع اليهود من خلال المؤسسات المحلية والعالمية طبقا لقوانين البلاد التى يأتى منها المستوطنون.

3-العمل على تذكية المشاعر القومية وإحياء الضمير لدى اليهود.

4-أخذ الخطوات الأولية للحصول على موافقات الحكومات فى حالة طلبها لتحقيق الأهداف الصهيونية.

 لم يحظ المؤتمر بإجماع القوى الصهيونية، حيث رفض اتحاد محبى الصهيونية ببريطانيا الدعوة لحضور المؤتمر كما رفضته لجنة منظمة الحاخامات بألمانيا, وذكرت فى حيثيات رفضها أن إنشاء دولة يهودية فى فلسطين يتناقض مع الديانة اليهودية، وأن اليهودية، تحتم الولاء لخدمة أرض الأوطان التى ينتمون إليها.

تلى ذلك حوادث مهمة متتابعة تذكيها وسائل إعلام تشكل جماعات ضغط فى بريطانيا منها صحيفة ديلى كرونكل وصحيفة بول مول جازيتكانتا بوقين لخدمة الحركة الصهيونية وتقودان جماعات الضغط وتلحان على ضرورة عقد مؤتمر للدول الكبرى للنظر فى طلب الصهيونية بخصوص ضرورة إيجاد وطن لليهود.

من هذه الضغوطات ترتيب مقابلة هيرتزل للسلطان عبد الحميد الثاني والذى حدد له ليكون بالقسطنطينية فى الثامن من مايو 1901، بغية الحصول على رضا السلطان وللحصول على موافقته على إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين.

حدث ذلك فى وقت كانت فيه الجاليات الأرمينية تثير الكثير من المشاكل للدولة العثمانية بخصوص اضطهاد الأرمن بواسطة الإمبراطورية العثمانية، وهو الأمر الذى كان يثير الرأى العام البريطانى ضد الإمبراطورية العثمانية. وقامت جماعات الضغط تلك بتهدئة تلك القلاقل، وهو الأمر الذى اعتبرته الإمبراطورية العثمانية معروفا كبيرا, مما جعل السلطان عبدالحميد يمنحه وسام المجيدية من الدرجة الأولى، والذى يمنح للأشخاص الذين يقومون بتقديم خدمات جليلة للامبراطورية العثمانية.

عندما عرض هيرتزل أن تكون الدولة اليهودية فى فلسطين وعرض مالا إضافيا مقابل ذلك، كما وعد بتنظيم الشئون المالية فى تركيا, أجابه السلطان بأننا دفعنا دمنا فى مقابل تأسيس امبراطوريتنا وملكيتها, وأفيد لليهود توفير أموالهم، لأنه يمكنهم الحصول على فلسطين مجانا فى حالة تقسيم إمبراطوريتي, ولن أوافق أبدا على تقطيع الإمبراطورية. بعدها تم ترشيح العريش بسيناء المصرية لتكون مستعمرة تقوم عليها نواة الدولة اليهودية, غير أن الحكومة المصرية اعترضت, كما اعترضت الحكومة التركية أيضا, وعليه أوصى اللورد كرومر الحاكم الفعلي لمصر حينها برفض الفكرة وتم إخطار هيرتزل بذلك بتاريخ 19 يونيو 1903، طبقا لما جاء فى الكتاب عن مصادر الأرشيف الصهيوني بالقدس.

بعدها عرض رئيس الوزراء البريطاني جوزيف تشيم برلين مقترحا عرف بمشروع أوغندا, وعليه قام هيرتزل بطلب إجراء الاستعدادات لمسودة الاستيطان فى أوغندا وهو الأمر الذى قامت به شركة لويد جورج, وعليه حث هيرتزل أتباعه بقبول مشروع أوغندا كحل مؤقت, غير أن اقتراحه هذا قوبل بالرفض من بقية أصحابه. ثبت بعدها أن هيرتزل ذكر فى يومياته التى نشرت بعد موته: أن فلسطين ستكون لنا نتيجة الصراع بين القوى الكبرى. بعدها مات هيرتزل فجأة بتاريخ 3 يوليو 1904.

في عام 1908, تم تأسيس مكتب صهيوني فى حيفا. فى مؤتمر بازل العاشر أعلن ولفسون خليفة هيرتزل فى خطابه أمام المؤتمر أن الصهيونيين يريدون وطنا لهم وليس ولاية يهودية، وقال ماكس نورد الذى كان الذراع اليمنى لهيرتزل أنه يتعين علينا ألا نلتف مثل الدودة على تركيا، ولكن يجب إقناعهم بأن الصهيونية أكرم صديق وأخلص حليف لهم, غير أن تلك الحيلة لم تنطل على الأتراك والذين زاد شكهم فيما ترمى إليه الحركة الصهيونية، وعملوا ما فى وسعهم لمنعهم من الحصول على فلسطين.

نشبت الحرب العالمية الأولى ونشبت الصراعات بين القوى العالمية وتغيرت الأمور كثيرا, فغيرت بريطانيا أساليبها ووعدت العرب بالاستقلال فوقعوا فى الفخ وقاتلوا تحت رايتها، وتم تعيين تى. إس لورانس والذى أطلق عليه بعدها لورانس العرب حيث استطاع كسب ثقة العرب من خلال عمله ملحقا عسكريا للأمير عبدالله ليقدم له النصح فى الموقف العسكري وليقود العرب في حربهم ضد الأتراك وقال قولته المشهورة: فى حقيقة الأمر نشر الفوضى عند الأتراك سيحقق الاتزان لدينا.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: يوميات فلسطين «1»

شكرا للتعليق على الموضوع