أخطاء الدلالة والترابط في كتاب مؤتمر الأدباء (أدب الانتصار والأمن الثقافي)

دراسة بقلم: حسن الحضري عضو اتحاد كتاب مصر
دراسة بقلم: حسن الحضري – عضو اتحاد كتاب مصر

صدر عن هيئة قصور الثقافة بمصر كتاب “أدب الانتصار والأمن الثقافي”، وهو الكتاب البحثي الذي أفرزه مؤتمر أدباء مصر في دورته السادسة والثلاثين (24- 27 نوفمبر 2024م) بمحافظة المنيا، وهي الدورة التي شابَها قصور كبير؛ حيث غاب عنها رموز وقِمم الأدب والفكر من أبناء المحافظة التي انعقد بها المؤتمر، بعد أن تم تجاهلهم، بينما اقتصرت دعوات المشاركة والتكريم على موظفي وزارة الثقافة وإداراتها بالمحافظات، وأصدقاء منظمي المؤتمر على مواقع التواصل، فكان من النتائج الحتمية أن تخرج الكتب الصادرة عن المؤتمر بهذا الكم من الأخطاء التي نتناول شذرات منها في هذا المقال حول كتاب “أدب الانتصار والأمن الثقافي”.

  وأول ما نقف عليه من أخطاء في هذا الكتاب يتعلق بالعنوان (أدب الحرب والأمن الثقافي)؛ فهو عنوان مصطنَع اصطناعًا ولا أثر في الكتاب يوضح العلاقة بين المصطلحين الواردين في هذا العنوان بشكل دقيق ينطلق من تحديد أسبقية أحدهما على الآخر وتأثيره فيه بالصورة التي يُفترض أنها مصدر إلهام للباحثين الذين شاركوا في هذا الكتاب، أو أنها ركيزة دارت حولها الأبحاث التي يحتويها الكتاب أو استَقَتْ منها مادتها؛ والخلاصة أنَّ لكلٍّ من المصطلحَيْن الواردين في العنوان أبعادًا ودلالاتٍ جوهريَّةً ينبغي أن تحفظ له قيمته وتدفع عنه النِّدِّيَّة والمقاربة بغير قرينة قوية واضحة، وهذه القرينة غير موجودة، وهو الأمر الذي يجعل العنوان بهذه الكلمات خطأ فادحًا، يضاف إلى خطا انعدام الدلالة بين العنوان بمصطلحَيْه وبين الأبحاث التي يحتويها الكتاب.

  فإذا نظرنا في هذه الأبحاث وجدنا بعضها يسرد حال المجتمع المصري إبان حرب أكتوبر 1973م، وبعضها يتناول الجانب السياسي والعسكري، وبعضها يدور في فلك الحالة الاجتماعية الداخلية وما صاحبها من مؤثرات، وبعضها يتناول أثر انتصار أكتوبر في الأعمال الفنية دون تعمُّق في الجانب الأدبي بِوَصفِه علمًا له قواعد، وهويَّةً لها مؤثِّرات؛ وبعضها يتطرق إلى الحالة الأدبية التي واكبت حرب أكتوبر، مع الإشارة أحيانًا إلى الحالة وقت نكسة 1967م، والموازنة بين الحالتين من خلال عباراتٍ يغلب عليها طابع الارتجال مع الخلوِّ من التَّعمُّق الفكري والبحثي، فجاءت معظم مواد الكتاب في صورة مقالات مطوَّلة بشكل فضفاض يفتقر إلى عناصر البحث العلمي ويفتقد خطواته المنهجية.

  ونلاحظ أيضًا في بعض مواد هذا الكتاب خلطًا كبيرًا بين الأدب وبين الثقافة، وهذا الخلط يُفقِد الكتاب أهميته العلمية، ويساعد في انعدام الدلالة والترابط بين عنوان الكتاب وبين المواد التي يحتويها، وحين يكون هذا الكتاب صادرًا عن (مؤتمر أدباء مصر)، ويتم تعريفه وتوصيفه مِن قِبَل وزارة الثقافة بأنه (كِتاب أبحاث) من المفترض أن المشاركين في مواده باحثون؛ فإنه من الواجب الحتمي أن يتم التعامل مع المصطلحات وفقًا لمفاهيمها الصحيحة، ومراعاة المواءمة بين كلٍّ من: عنوان الكتاب، التذييل الملحق بالعنوان، عناوين المحاور، عناوين الأبحاث، المادة البحثية، منهج علمي واضح المعالم ومطبق تطبيقًا صحيحًا؛ وقد سبق الكلام عن عنوان الكتاب، أما التَّذيِيل الملحق به فهو جملة (خمسون عامًا من العبور) وهي جملة لم يتم مراعاتها في مواد الكتاب بشكل موافقٍ لأصول البحث العلمي؛ ولا أريد الاستطراد في التعقيب واستحضار أمثلة من صفحات الكتاب؛ لانعدام فائدة النصح والتوجيه؛ فالجهة المنظمة لهذا المؤتمر لا يرتقي فِكرها ولا يتغير منهجها.       

  أما أخطاء السياق فكثيرة جدًّا في هذا الكتاب، وكذلك الأخطاء الأسلوبية والتعبيرية، إضافة إلى الأخطاء النحوية والإملائية التي تُعَد عيبًا كبيرًا في حق من تقع منه، وتَعظُم فداحة العيب حين تقع هذه الأخطاء من أدباء وباحثين، وتكون أشد عِظَمًا حين يكون أولئك الأدباء والباحثون هم الذين مثَّلوا أدباء مصر في مؤتمرٍ عامٍّ يلتصق اسمه بأدباء مصر.

  وقد جاءت كلمة موجزة على ظهر غلاف الكتاب، ليس بها إشارة واضحة أو خَفِيَّة إلى مفهوم العنوان الرئييسِ للكتاب، ولا إلى التذيِيل الذي لحق بالعنوان، كما خلت أيضًا مواد الكتاب من الترابط الدلالي والنَّسقي مع هذا التذيِيل، ونستطيع أن نقول بشكلٍ مجملٍ: إن كتاب (أدب الانتصار والأمن القومي.. خمسون عامًا من العبور) قد سلك مسلكًا مغايرًا لِما كان ينبغي، ولا يمكن أن يعبِّر تعبيرًا صحيحًا عن النِّتاج الأدبي والبحثي في مصر.

اقرأ ايضاً

نظرات في موسوعة “ديوان القدس” للشاعر محمد ثابت

 

شكرا للتعليق على الموضوع