من يحمي «مستشار السيديهات»؟

لا أعرف لماذا تصمت الدولة على شخص لم يترك كبيرًا أو صغيرًا إلا وتقيأ في وجهه بالبذاءات، وهو يدعي أنه فوق القانون، ويتعامل بكبرياء منقطع النظير، مع كل من يخالفه الرأي، أو حتى يفكر في الاعتراض على فكره المحدود أو رؤيته القاصرة أو توجهاته الشاذة في أي قضية تخصه أو تبتعد عنه.

قد لا أدرك حجم علاقاته، التي مهما علت لا تمثل جناح بعوضة، في دولة وقفت في وجه أعتى القوى، وانهارت على يد شعبها أقوى الأنظمة، ووقف العالم يتأمل، بل يتعلم من إرادتها وقوتها في مواجهة كل معتدٍ على حريتها وكرامتها.

أتساءل عن هذا الكائن المزعوم؟ الذي ملأ الدنيا بضجيجه اليومي، وبلسانه الذي إذا بحثت عن فضائله لن تجد منها إلا ما ندر، وإذا قادك سوء الحظ أن تعبر عن رأي مخالف يناقض رأيه، أو تفعل شيئًا- بقصد أو دون قصد- لا يرضى عنه، ستسبقك أمك، في الإهانة قبل أن ينالك ما يحقق لديك الاكتفاء الذاتي منها.

من هذا الشخص الذي يهدد دائمًا الجميع بعبارة “ماتعرفوش أنا مين؟ “، هل أصبحنا في غابة يتقمص فيها هذا الكائن دور الأسد، وأصبحنا نحن نتوسل الرضا من هذا الأسد؟ هل وصل الحال بمصر، أن يخرج منها من يتطاول بعبارات خادشة ويهدد الجميع بما يحمله من “سيديهات”؟!

إذا كانت الدولة تعتبر وجود شخص بهذه الصفات، أمرًا عاديًا، فهذه كارثة، وإذا كانت الدولة تعرف حجم الغضب على ما يفعله، وتصمت خشية من أن ينال بعض كبارها قسطًا من الإهانة، فالكارثة أكبر.

لا يمكن بأي حال، أن تعدم أجهزة الدولة، وسيلة لضبط هذا الشيء، أو ترويضه بأي شكل، خاصة أن هذه الدولة بقوتها، كانت ومازالت، لديها القدرة على أن تفعل ما تشاء، مع من تشاء، إذا خرج عن المألوف، أو لم يخرج، طالما أرادت فهل أصبح هذا الكائن محصنًا أمام أجهزة الدولة.

إذا كنت تدّعي البطولة، فلن تكون نقطة من بحر بطولات أقل جندي، وإذا كنت تدّعي الثورية، فأنت في بلد علّم العالم أسمى معاني الثورية، ولا تنسى أنك أقسمت، أنك أول من نزل إلى ميدان التحرير، في مشهد يكشف كذبك وتعاملك بازدواجية مفضوحة.

آثرت السباب بأبشع العبارات، في كثير من ردود فعلك على منتقديك، على الرغم من كونك ترأس مؤسسة عريقة، لديها من المبادئ ما يكفي لتعليم أجيالٍ كيف تكون مكارم الأخلاق.

ليس بالصوت العالي تنال احترام غيرك، فمن شيم الرجال التعفف ولم يكن أخذ الحق يومًا مرتبطًا بالضرب في “أماكن حساسة”، ولا بإهانة الآباء والأمهات، مثلما تعودت، على غرار “ابن الكلب”، و”وحياة أمك”، (أعتذر عن هذه الألفاظ جدًا؛ لأنها لا تمت للأدب والأخلاق بصلة).

صحيح أن التاريخ يسجل للأشخاص بطولة، قد تكون “دوري أو كأس”، أو بناء حمامات سباحة، لكنه لا يسجل عبارات الوقاحة، وسفالات الألسنة، ولا كلمات التهديد، وأساليب الوعيد، بقدر ما يفخّم ويمجد من دماثة الخلق ورقي المواقف ونبل الشخصية وعفة اللسان، التي ضلت طريقها إلى بعض المسئولين – بالخطأ- عن حقوق الإنسان.

ليس من قبيل الشرف أن أذكر اسم هذا الكائن احترامًا لقرار نقابتي بعدم كتابة اسمه من قريب أو بعيد، فالجميع يعرفه عن ظهر قلب، ولست بحاجة إلى حتى الإشارة إليه بلقب قضائي، لأنه لم يصبح مستشارًا أو ينتمي للقضاء بصلة كما يدّعي.

لكن دائمًا يبقى الفخر موصولًا برجال اشتهروا بعفة اللسان، ويبقى القبح عنوانًا لمسيرة لأشباه رجال اشتهروا بطول اللسان.

بقلم : أحمد حافظ

صحفي في الأهرام

شكرا للتعليق على الموضوع