نانسى فتوح تكتب : دعوات التقشف والإفلاس في بلد الإسراف ..

عند التأمل للمشهد الإعلاني في رمضان هذا العام ، نجد أننا أمام تجربة تدعوا الى الأسى والحزن والاستفزاز لكثير من الناس التي كانت تسمع دائما لدعوات التقشف والترشيد في الاستهلاك في نفس الوقت الذي قامت فيه الدولة بالاحتفال بذكرى ٣٠ يونيو التي كانت تكلفتها ملايين الجنيهات .

و يأتي الشهر الكريم بحملاته الاعلانية المنافسة التي قامت  بعملية اختطاف لهذا الشهر الكريم لتحوله عن مساره الذي أراده الله سبحانه وتعالى ،  فقد تحول شهر العبادة لكثير من الناس إلى شهر المعاصي والفتنة وتضييع الوقت ، بغض النظر عن المستوى السطحي التي تناولته تلك المسلسلات والاعلانات ، وزيادة الإسفاف والابتذال والإيحاءات والألفاظ الجنسية كإعلان شركة جهينة وقطونيل ، وهو ما لا يحترم عقلية وخصوصية الجمهور.

فما معنى أن نرى تلك المشاهد التي لا تعكس سوى حالة من الإفلاس والضحالة لهؤلاء القائمين على الانتاج ؟

لقد تحول سوق الإعلان من سوق إبداعي جاذب وقادر على خطف المشاهد في عشر ثواني، إلى صناعة طاردة للمشاهد تدفعه إلى تغيير المحطة بمجرد الدخول إلى فاصل إعلاني .

 وهو الامر الذى ينعكس بالسلب، على سوق صناعة الاعلان وعلى صناعة الاعلام ، باعتبار أن الإعلان أحد أهم روافد تمويل الاعلام ، كذلك الامر ينعكس بالتبعية وفى المقام الاول على السلعة المعلن عنها، لانها لم تجد الاسلوب اللائق بها لعرضها على الجمهور.

هذا النموذج الذي سيطر على حملة اعلانات البنك الاهلى ، ينسحب كذلك فى ضحالته وسطحيته على اعلانات الكثير من الشركات الاخرى، التى تطاردنا باسلوبها المستفز، الضحل الخالى من الابداع والابتكار.

فضلا عن التكلفة الانتاجية الباهظة والمبالغ الضخمة التي دفعت لتلك النجوم الكبار وأجور أبطاله التي وصلت إلى ٦٠ مليون جنيه ، فيفضل إنفاق تلك المبالغ الضخمة على تحسين خدمات الشركات المعلنة ، بدلا من أن تذهب كتسعيرة لإعلان ما، ثم يتم تحصيلها بعد ذلك من جيوب المستهلكين برفع الأسعار أو بالتبرع بها لتلك المؤسسات الخيرية أو دفع المستحقات المالية على الغارمات، حيث أن هناك ما يقرب من 3 آلاف سيدة مسجونة بإجمالى 6 ملايين جنيه مبالغ مستحقة عليهن .

فالمشاهد لا يهمه النجوم الذين يستخدمهم المنتج ، ولكن الأهم بالنسبة إليه هو ما هي جودة الخدمة المقدمة؟

 فضلا عن قيمة عرضه على كل القنوات بتلك الكثافة فليس لهؤلاء الفنانين حاجة إليها أو  إلى المزيد ، ولكنكم تزيدون الغني غني وسطوة ، والفقير يزداد فقرا وقحطا ..

وعلى الجانب الآخر تأتي إعلانات التسول ، فحدث عنها ولا حرج فهى صاحبة نصيب الأسد من كعكة الاعلانات هذا العام ، فالمتاجره بهموم وفقر البسطاء ومرضهم ، أصبح هو الوسيلة المثلى للاستيلاء على أموال المصريين ، مستفيدين من تدين هذا الشعب ، وتعاطفه مع ما يراه من مشاهد مأساوية ، لهؤلاء المرضى والفقراء.

 أى مجتمع هذا الذى يتخذ من فقرائه ومرضاه أطفاله وشيوخه، مادة رخصية لجلب الأموال؟

أي مجتمع هذا الذي يأتي بالتناقض بين الإسراف بالملايين في إعلانات ، والتسول بالتبرع للمؤسسات الخيرية في إعلانات أخرى ؟!

نحن أيضا نتساءل: كيف أن هذه الجمعيات تشكو ضيق ذات اليد، وكيف لها أن تنفق هذه الأموال الطائلة على الإعلانات التي تفقدها المصداقية ؟

وأين تذهب أموال المتبرعين؟

وما مصير تبرعات رمضان؟

 وهل تذهب هذه التبرعات إلى مستحقيها الفعليين أم يتم صرفها بعشوائية ؟

فهذه التبرعات أمانات يجب أن تؤدى إلى أهلها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  «أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك»

  فإن الدولة عليها واجب وطنى ومجتمعى تجاه تلك الفئات ، وهذه الشرائح التى تتجرع مرارة العوز والمرض ، بإنهاء الفقر أوتصليح خطوط الغاز ومصارف المياه وإعداد شبكات الكهرباء ، أو إصلاح البلاد من الفساد وتطوير التعليم وغيره من المشكلات اليومية التي يواجهها المجتمع المصري ، بدلا من أسلوب التسول التي تتبعه الدولة للحصول على أكبر قدر من أموال ذلك الشعب البسيط.

فالجهاز الرقابي الإعلامي في مصر هو المسؤول الأول عن تلك التجاوزات بظهور أجور خيالية لنجوم الإعلانات تستفز المواطنين في ظل حالة من ضيق العيش وتدني مستوى المعيشة لدى كثير من طبقات المجتمع المصري ، في وقت تدعوا الدولة دائما الشعب إلي التقشف وترشيد الاستهلاك.

نحن وصلنا إلى مرحلة الخلل ، الذى ينبغى أن يرشد، فهل من حكيم يوحد الجهود المبعثرة لاستثمار الأموال المتدفقة فى رمضان فى جهة واحدة ذات ثقة تضم من خلالها كل المؤسسات والجمعيات الصغيرة لتوحيد الجهود وإقامة عمل وطنى ناجح وضخم يشعر به فقراء مصر أجمعون؟

أسأل الله العظيم أن يرشدنا إلى طريق الصلاح والخير ويجنب مصر وشعبها من الأزمات من جانب ……  والبذخ والاسراف والاسفاف من جانب ،  والدهس والقهر والاستهانه  بالفقراء من الجانب الاخر.

شكرا للتعليق على الموضوع