محمد خضر يكتب : قضية الخلق بين القرآن الكريم والعلم الحديث (4)
الرسالة الرابعة تحت عنوان “قصة الخلق بين القرآن الكريم والعلم الحديث”
شرحت اولا كيف ان نظرية الصدفة في خلق الكون باطلة لا محالة وقد دعمت ذلك بالنتائج والآراء التي توصل اليها كبار العلماء في هذا الصدد, والان سأشرح كيف خلق الله سبحانه وتعالى الكون العجيب بناء على الافتراضات التي توصلت اليها نظرية الانفجار العظيم والتي تتفق في معظمها مع آيات الخلق في القران الكريم وهذا ما سأوضحه فيما يلى:
قبلنا بحوالي 14 بليون عام, وجود حزمة دقيقة من الطاقة, اصغر من الذرة ولأسباب مجهولة لا يعلمها احد حتى الان انفجرت هذه الحزمة فجأة, وفى جزء من مليون من مليون من مليون من مليون من الثانية زادت هذه الحزمة من اصغر من الذرة لأكبر من مجرة, وهذا الانفجار نتجت عنه الطاقة وهى المفتاح لفهم كل شيء, ففي جزء من الثانية يخلق الانفجار العظيم كل الطاقة المتواجدة فى الكون, كل الطاقة التي ستتولد منها النجوم, كل الطاقة التي ستدعم كل ما يحيا, كل الطاقة التي سيستهلكها البشر منذ بدء الزمان, عند قيام الشخص بتموين سيارته بالبنزين فانه يمونها بالطاقة التي خلقت اثناء الانفجار العظيم, تمون طاقة الكون نفسه, حوالى 4 مليون عام بين لحظة الانفجار وتكون الذرات الاولى, الهيدروجين وهو العنصر الاول والذى سيستخدمه الكون لصنع كل ما بالعالم حولنا, الهيدروجين مثل فريق كرة القاعدة, فأي لاعب تود بدء الفريق به؟, لو اردت بدء الكون فستبدأ بالهيدروجين, لأنه بالقليل من الحرارة والضغط يمكنك انشاء انواع اخرى من الذرات, تفجرت الذرات الاولى عبر الكون الناشئ, ولحكمة من الخالق سبحانه وتعالى لم ينتشروا بالتساوي, حيث تكونت جيوب صغيرة وكان بها ذرات اكثر, ولدينا ايضا العنصر الاهم وهو المشكل الاكبر لمهد الكون, فقد سببها الله عز وجل لتكون الساحر الذى سيشكل مهد الكون, تبدأ المجرات الاولى بالتكون, كاشفة سر الكون الأبدي, – عبر تاريخنا متى سيقت مادة وطاقة معا فى موضع واحد, تنبثق اشياء اكثر تعقيدا.
فالحضارة التي اقامها الانسان منذ فجر التاريخ وحتى العصر الحديث والمراكز الحضرية المنتشرة حول الارض مكونه من المادة والطاقة, فتجد الكثير من الابداع والفن والعلم والثقافة لان هذه الفرص هي لأشياء تتفاعل مع بعضها البعض, بمعنى حيثما تتواجد مادة تتواجد مادة جديدة وحيث لا يوجد شيء فلن يتكون شيء , قبلنا بحوالي 13.4 بليون عام وبعد الانفجار العظيم بحوالي 300 مليون عام, داخل المجرات المتكونة تستمر الجاذبية بضغط سحب الغاز والغبار معا – وهذ يتطابق مع قوله عز وجل فى القران الكريم ” ثُمَّ استوى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) سورة فصلت – , ليظهر الضغط والحرارة بعنف فعندما تصل الحرارة ثماني عشرة مليون درجة فهرنهايت تندمج ذرات الهيدروجين بقوة, صانعة عنصرا جديدا وهو الهيليوم, وتشع انفجارات من الطاقة, ولدت النجوم الاولى, وفجأة صدرت ومضات جديدة من اضواء تنشر الطاقة في الكون, ولكن هناك شيء مفقود في هذا الكون الاول, توجد بلايين النجوم دون كوب واحد, ولخلق الكواكب يحتاج الكون ما هو اكثر من الهيدروجين والهيليوم ليعمل به, فالعناصر المعقدة والاشياء الاثقل التي تصنع منها الادوات كالحديد مثلا, او احياء من الكربون وما شابه, انها تصنع بالفعل من النجوم, قد نرى النجوم كشمسنا كمصادر للطاقة, لكن يحدث شيء اكبر بالداخل, فالنجوم مصانع العناصر, بداخلها وبالضغط والحرارة تدمج ذرات الهيدروجين الى هيليوم, والهيليوم الى ليثيوم, وتشكل اكثر من 25 من اهم العناصر التي نحتاجها لنعيش, بما فيها الكربون والاوكسجين والنيتروجين والحديد, لذلك قبل اكثر من 12 بليون عام, تصنع النجوم بالفعل العنصر الذى سيبعث العصر الحديدي, ليسمح ببناء المدن وتشييد بعض اشهر صروح الانسان, ولكن التحدي التالي الذى ينتظر الكون الناشئ, فهناك عناصر اثقل على النجوم لتكونها, مثل الذهب, واليورانيوم, فهذه العناصر تتكون بطريقة اخرى, ليس للنجوم طاقة تكفى للقيام بالمهمة, ولكن ان لم يكن مصنع العناصر قوى بما يكفى, فماذا عن تفجير المصنع؟, بعد عدة ملايين من السنوات بعد تكون النجوم الاولى انفجر بعضها, وهذه الانفجارات معروفة بالمستعرات العظمى, وهى اكبر الانفجارات منذ الانفجار العظيم, والتى يمكنها تزويد الطاقة الكبيرة اللازمة لدمج العناصر الاثقل, فى انفجار ناري لتدميرهم, تصنع النجوم اليورانيوم والذهب وبقية العناصر التي ستملأ عالمنا بما فيها النحاس, فجدول العناصر الدوري هو بمثابة مكتبة للعناصر فى الكون وتلك العناصر هى وحداتنا البنائية, يأتي كل شيء من تلك المجموعة الكيميائية – الجدول الدوري – , المستعرات العظمى ضرورية للغاية لوجودنا, لدينا حديد بدمائنا ولدينا اجزاء صغيرة من المستعرات العظمى تطفو حولنا, وهذا معناه اننا جميعا خلقنا من غبار النجوم, النحاس والقصدير – العنصر البرنزي – , فبدون المستترات العظمى لا وجود للعصر البرنزي, وايضا عندم تقرأ مثلا مكونات بعض الفيتامينات من الدواء ستجد كل انواع العناصر التي لا تتكون الا من المستترات العظمى مثل الزنك والنحاس والسلينيوم, فالعناصر التي تصنعها النجوم والمستعرات العظمى ستصبح بذور الحياة على كوكب الارض, وتقود تاريخ البشرية, ولكن قبل وجود الحياة يجب ان يبنى لنا الخالق سبحانه وتعالى موطنا ملائما, لتبنى منزلا ملائما, عليك تجميع المواد المناسبة فى مكان واحد, فعندما تتكون الكواكب تحتاج نفس الامر, الحصول على ما يكفى من المواد المناسبة فى الموضع الصحيح معا يحتاج الى وقت طويل ودقة غير متناهية, على مر الثمانية بلايين عام التالية, تستمر مصانع العناصر فى عملها – النجوم والمستعرات العظمى او السوبر نوفا -, تنفجر النجوم وتولد من جديد, وكل جيل بعناصر اثقل من سابقه, حتى قبل حوالى 4.6 بليون عام, واخيرا, تجتمع مواد تكفى للخطوة التالية فى التمهيد الينا.
يولد نجم جديد, شمسنا, وهى عملاقة جدا حيث جمعت 99.9% من الغاز والغبار فى النظام الشمسي, ولكن تبقى ما يكفى للجاذبية لتبنى اشياء اخرى, كالكواكب, وثالث تلك الكواكب من الشمس هو موطننا – كوكب الارض – , وهنا نعود الى الآية 11 من سورة فصلت والتى يقول فيها الخالق عز وجل ” ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ”, الشرح السابق مطابق تماما للآية الكريمة, فالعلم يقول ان السماء كانت تتكون من الغبار والدخان كما فى قوله تعالى ” ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ”, والعلم يقول ان النجوم تكونت اولا ثم تكونت الكواكب, كما في قوله تعالى ” فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا “, وهنا السماء رمز للنجوم, والارض رمز للكواكب, وقوله تعالى ” قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ” معناه عملية الخلق والتي تتكون فيها النجوم وتتكون فيها العناصر الاثقل الكافية لتكون الكواكب وفيه اشارة ايضا الى الجاذبية وهى المشكل الاكبر للكون.
وقت ظهور الارض قبل اكثر من 4.5 بليون عام, فقد كان اول شروق للشمس يمسح كوكبا غريبا, عالم يدور بسرعة كبيرة حيث يدوم النهار ست ساعات فقط, فعندما تعود الى الارض الناشئة فستعتقد الارض كوكبا مغايرا للأرض التي نعرفها الان, فالشمس تطل فوق مشهد رهيب, فوق حمم مذابة ليس الا, واماكن ترى فيها زبدا من صخور بركانية سوداء, داخل هذه الصخور المذابة, تختلط العناصر, وهنا تأتى قدرة الخالق سبحانه وتعالى لتنظم هذه الفوضى, فيجعل الله عز وجل الجاذبية هى المنظم والمشكل الاكبر للكون بما فى ذلك التشكل الملائم للحياة لكوكبنا.
الجاذبية تجعل المواد الاخف نحو السطح وتكون قشرة صلدة, بينما تغوص المواد الاثقل نحو المركز لتكون لبا مذابا من الحديد والنيكل, وهذا المعدن الممخض المذاب يصنع مجالا مغناطيسيا حول الارض يصل الى الفضاء, كمجال قوة يحمى موطننا المستقبلي من جسيمات الشمس المشحونة المميتة, – فلا تتعجب لذلك فهي قدرة الخالق سبحانه وتعالى – وقريبا سيسمح هذا المجال المغناطيسي بنشأة الحياة على الارض, ولكن للملائمة ستحتاج الارض لشريك حيوي “القمر”.
قبلنا بحوالي 4.5 بليون عام اصطدم جسم بحجم كوكب المريخ بالأرض بسرعة 25 الف ميل فى الساعة … انتظرونا الرسالة القادمة.
تابعونا : الرسالة الخامسة