الباصات المؤجرة والصيحات المهللة دُب مصري يجوب شوارع نيويورك
مثل الدُب الذي يكاد أن يقتل صاحبه دفاعاً عنه، أو السلاح الذي ينطلق في وجه الجندي بدل العدو، أو الهدف الذي يحرزه المهاجم في مرمى فريقه، جاء نشاط وفود مصرية سافرت قبل وبعد وأثناء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للولايات المتحدة الأميركية. جحافل من «الديبلوماسية الشعبية»، وجموع من الإعلام الخاص، ومجموعات من «المواطنين الشرفاء»، وتجمعات من المصريين الأميركيين، وترتيبات محكمة، وتجهيزات مفعمة بحب الرئيس وعشق البلاد ودعم البلاد في تلك الزيارة المهمة في عقر دار بلاد العم سام.
ويبدو أن قطاعاً من المصريين سأم ترك ملعب البروباغاندا الدولية وحملات التسويق الشعبوية وباصات الدعم الثنائية الطوابق ذات الأعلام المرفرفة والهتافات ذات الرسائل السياسية الموجهة إلى الخارج قبل الداخل، فانعكس هذا السأم صخباً وترتيباً غير مسبوقين على الجانب المؤيد للرئيس والداعم لنظامه والمناهض لـ «الإخوان» والموصل لرسالة إلى قادة الدولة الأعمق أثراً والأكبر تأثيراً والأعقد تدخلاً في المنطقة وارتباطاً بها، شعوباً وحكاماً وجماعات متناحرة بعلاقة حب كراهية متأرجحة دائماً وأبداً.
هذا المنهج في الدعم وتلك الطريقة في التعضيد ترجمها من بيده الترجمة موالد محبة ومحافل هتاف وموائد تجمع إعلاميين باتوا يصاحبون الرئيس في غالبية تحركاته الخارجية، ورجال أعمال يحفرون طريقهم في نظام الحكم الجديد ومواطنون مصريون أو من أصول مصرية لا تجمع بينهم إلا كراهية «الإخوان» ومن ثم دعم الرئيس في جميع الأحوال. وعلى رغم التنظيم المخطط والترتيب المدبر، فإن مراسم الاستقبال الشعبي ومظاهر الدعم المصري جذبت درجات متفاوتة من النقد والاستهجان التي تأرجحت بين الانتقاد البناء من بين صفوف المؤيدين للرئيس والضرب تحت الحزام من قبل الكارهين والمعارضين بأنواعهم.
أنواع مختلفة من الدعم يظهرها المصريون للرئيس، سواء من المقيمين في الولايات المتحدة أو أولئك الذين قدموا إليها خصيصاً لهذا الغرض، في كل حركة كبيرة وصغيرة يقوم بها، حيث وقفة هتاف «بنحبك يا سيسي» هنا، وجولة صياح «تحيا مصر» هناك، وباص جوال ترفرف منه الأعلام هنا وهناك. وعلى رغم أن ترتيبات مماثلة جرت من قبل في زيارة مماثلة للرئيس، فإنها هذه المرة أكثر ترتيباً، وأكبر عدداً، وأكثر تشبهاً بتجهيزات «الإخوان» المعتادة، حيث الحشد إطارها والباصات المؤجرة طريقها والهتاف بحب الرئيس منهاجها.
هذا النهج أثار غضب بعضهم في مصر من بين القطاعات المؤيدة للرئيس والداعمة له. فبين «الزفة البلدي» و «المولد القروي» و «الفرح الشعبي» دارت تعليقات رافضة لهذه النوعية من الدعم وتلك الكوكبة من الإعلام وهذا المكون من التأييد المصاحب للرئيس. دوّن أحدهم: «انتهى زمن التعبئة على طريقة الأفراح الشعبية، وزفة الكارو بعفش (أثاث) العروس وجهازها. هذه الأجواء انتهت، وعلينا أن نحترم صورة مصر أكثر من ذلك، ويكون العمل بمعايير الأداء والتعامل مع إعلام حقيقي». وغردت أخرى: «كنا نسخر من زفات الإخوان وعقولهم المسلوبة وباصاتهم التي يتم شحنهم فيها، فإذ بهؤلاء (المتظاهرين الداعمين) ينافسونهم، ما يسبب لنا حرجاً بالغاً».
حرج من نوع آخر يسميه بعضهم «حرية شخصية»، ويراه آخرون مشاعر طبيعية، ويستخدمه فريق ثالث للاستمرار في الصيد في المياه العكرة. أقباط المهجر الذي يلعبون دوراً واضحاً في الاستقبال الشعبي المؤيد للرئيس تلقوا دعوات من عدد من كنائسهم ورسائل تدعوهم إلى «الترحيب» بالرئيس أثناء فترة إقامته، ناهيك عن الكنيسة الإنجيلية التي خصصت يوماً للصلاة من أجل نجاح الزيارة ودعم مصر. كما أعلنت إحدى الهيئات الكنسية المصرية في أميركا توفير باصات لنقل الراغبين في المشاركة في وقفات الترحيب بالرئيس.
الرئيس كان أيضاً محور الاهتمام على الجانب الآخر المناهض القادم بباص ثنائي الطوابق أيضاً ولكن من ذوي اللون الأصفر والأصابع الأربعة الذين جالوا بباصهم شوارع في نيويورك أملاً في لفت الانتباه وتجييش الأميركيين وإفساد الزيارة.
لكن ما لم يدركه هؤلاء وأولئك أن الباصين المؤجرين المتناقضين لم يجذبا الكثير من اهتمام المارة من أهل نيويورك. صحيح أن الباص المعارض المردد عبارات عن الفاشية والديكتاتورية والقمعية عادة ما يجد طريقه إلى صحف بعينها وقنوات من دون غيرها، لكن الباص المؤيد كذلك لم يكن أفضل حظاً هناك. لكن هنا، أتى الباصان أكلهما مؤججين الاستقطاب الخامد بين المؤيدين من جهة والمعارضين من «إخوان» وثوريين من جهة أخرى.
وشهد «تويتر» بهاشتاغاته الأعلى على قائمة «تريند» حرباً ضارية، إذ تم الإبقاء على هاشتاغ «السيسي مشرف مصر» لليوم الثالث على التوالي ضمن القائمة رغم أنف الهاشتاغ المناهض، ورغم استخدام الهاشتاغ نفسه من قبل الفريق المضاد.
كما حفلت القنوات التلفزيونية الخاصة بتغطيات صاخبة عن زيارة الرئيس للولايات المتحدة، لكن الغريب أن التركيز الأعلى والاهتمام الأكبر كان من نصيب الوفود الشعبية والإعلامية وليس محتوى الزيارة.
وربما هذا ما يفسر غضب إعلاميي القنوات الرسمية الذين وجدوا أنفسهم خارج المنظومتين الشعبية والإعلامية اللتين تحولتا دباً يهدد صاحبه وسلاحاً معطوباً وهدفاً مسدداً في مرمى الذات.
الحياة

