هجوم لطالبان على مدينة أفغانية يفضح ضعف الدفاعات
تجري السلطات الأفغانية تحقيقات لمعرفة سبب تمكن مقاتلي حركة طالبان من اجتياز نقاط تفتيش أمنية في مدينة ترين كوت الوسطى بكل سهولة خلال هجوم شنوه في الآونة الأخيرة كشف عن هشاشة الدفاعات في كثير من المناطق النائية.
وأثارت الغارة التي وقعت في الثامن من سبتمبر الماضي على عاصمة إقليم ارزكان مخاوف لفترة وجيزة من حدوث انهيار مماثل لما وقع في مدينة قندوز العام الماضي وحققت فيه حركة التمرد الإسلامية نصرا قصيرا وإن كان رمزيا تؤكد به وجودها وقوتها.
وتم صد الهجوم في ترين كوت عندما وصلت تعزيزات دعمتها ضربات جوية أمريكية لكن المسؤولين المحليين كانوا قد فروا إلى المطار من شدة الخوف.
وقال دوست محمد نياب المتحدث باسم حاكم ارزكان “الشرطة هجرت نحو 100 نقطة أمنية دون أن تطلق رصاصة واحدة وعلينا أن نستوضح لماذا حدث ذلك”، وفق ما نقلت وكالة أنباء “رويترز”.
وما زالت الاشتباكات مستمرة على الطريق الرئيسي الذي يربط ترين كوت بقندهار في الجنوب وهو طريق مكشوف لا يزيد في بعض مناطقه عن ممر ترابي تجد العربات الثقيلة صعوبة في المرور عليه.
وتبادل المسؤولون اتهامات مريرة منذ وقع الهجوم. ولا تقتصر هذه المشاحنات على إقليم ارزكان وكثيرا ما تؤثر سلبا على فعالية قوات الأمن رغم تحسن إمكانياتها باطراد في مناطق كثيرة.
ويبرز ضعف سيطرة السلطات خارج العاصمة بفعل التطورات في إقليم ارزكان الذي يضم جماعات قبلية متنافسة ويقع على مسار المهربين ويتاخم اقليم هلمند المنتج للأفيون.
*تساؤلات حول المعركة
يقول بعض المسؤولين الغربيين وبعض القادة الأفغان إن عددا ضئيلا فقط من مقاتلي طالبان شارك في الهجوم وكان كثيرون منهم يتنقلون بسرعة على دراجات نارية.
وطلب مقاتلو طالبان من الشرطة ترك النقاط الأمنية وأرسلوا رسائل نصية للسكان الأمر الذي دفع أصحاب المتاجر للفرار بما استطاعوا تحميله من بضائعهم على السيارات. وتم التخلي عن كميات كبيرة من الذخائر والعتاد.
وقال مسؤولون أمريكيون إن طائرات المراقبة دون طيار لم تلتقط مؤشرات تذكر على وقوع اشتباكات ذات بال بل لم يكن هناك ما يؤيد تقارير إعلامية وما نشر على وسائل التواصل الاجتماعي عن اجتياح مئات المقاتلين المدينة.
وقال متحدث باسم الجيش الأمريكي في كابول إن الجيش “على علم بالاتهامات التي ثارت مؤخرا حول النقاط الأمنية في ترين كوت” لكنه أحال أي أسئلة إلى السلطات الأفغانية.
وقبيل مؤتمر ينعقد في بروكسل ومن المتوقع أن يؤكد فيه المانحون الدوليون دعمهم لأفغانستان لأربع سنوات أخرى ترسم الغارة التي وقعت في إقليم ارزكان صورة قاتمة للقوات المسلحة التي لا تسيطر سوى على ثلثي مساحة البلاد.
*”صفقات مع العدو”
سرعان ما تم صد المتمردين بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية بعد وصول تعزيزات بقيادة الجنرال عبد الرازق وهو أحد قادة الشرطة الأكفاء من إقليم قندهار المجاور اشتهر بأنه عدو لا يرحم لطالبان.
ومن التعزيزات التي نقلت إلى الإقليم وحدات من قندهار وقوات خاصة من الشرطة من إقليم هرات.
وقال حاجي نذير خاروتاي حاكم الإقليم لوفد من السفراء الغربيين والجنرالات الأمريكيين زار ترين كوت الشهر الماضي معقبا على أداء رجال الشرطة في المدينة “بعضهم أبرم اتفاقات مع العدو وسمح له بدخول ترين كوت. وما زالوا في وظائفهم لأننا لم نستطع إثبات مسؤوليتهم”.
واستدعت السلطات ويس صميم قائد الشرطة في الإقليم وكذلك رئيس جهاز الأمن عبد القوي إلى كابول وعزلتهما من منصبيهما وستجري المزيد من التحقيقات.
وقالت قيادات محلية إن تفتت القيادة أسهم في المشكلة أيا كان ما ستسفر عنه التحقيقات. وتتباين الآراء تباينا شديدا في تحديد الطرف المسؤول.
وقال أمان الله هوتاكي أحد أعيان ارزكان ورئيس مجلسها المحلي السابق “لم يكن هناك تنسيق بين قوات الشرطة. وإذا لم يتعلموا من أخطائهم فستهاجم طالبان مرة أخرى وتنتصر”.
*ولاءات قبلية
تعكس المشكلة في جانب منها تعقيد الوضع في ارزكان ذي التضاريس الوعرة الذي أمضت فيه قوات هولندية واسترالية وأمريكية سنوات في محاولة إقامة حكومة مستقرة.
وكما هو الحال في الأقاليم الأخرى فقد أعاقت شبكة الجماعات القبلية والقادة المحليين محاولات فرض السيطرة المركزية على الإقليم كما أنها تؤثر على معظم نواحي الحياة السياسية والأمن بما في ذلك الشرطة.
وقال حياة الله حياة حاكم هلمند لمجموعة من أعيان المنطقة “ليس لدينا شرطة وطنية حتى الآن. فهم يخدمون في الشرطة بناء على صلات قبلية وصداقات. وإلى أن نصلح هذا الأمر سيظل الوضع على ما هو عليه”.
وكان الرئيس السابق حامد كرزاي منح المناصب في حكومة ارزكان المحلية لأفراد من قبيلة بوبالزاي التي ينتمي إليها الأمر الذي أثار استياء قبائل أخرى مثل باراكزاي وأشيكزاي ونورزاي.
ورغم أن قائد الشرطة صميم تحمل المسؤولية عن نقاط التفتيش فقد وجهت انتقادات لواحد من كبار الشخصيات من قبيلة بوبالزاي الرئيسية في الإقليم وهو نائب قائد الشرطة رحيم الله خان.
وقد ورث رحيم الله قاعدة قوته عن شقيقه الراحل مطيع الله قائد الميليشيا الذي حقق ثروة من خلال الرسوم التي كانت قوة شرطة الطرق شبه الرسمية التابعة له تفرضها وذلك قبل اغتياله في ظروف غامضة العام الماضي.
وفي وقت سابق من العام الجاري حاول الرئيس أشرف عبد الغني عزل رحيم الله لكن عدة مسؤولين قالوا إنه فشل بسبب قوة مركز أسرته في ارزكان وصلاتها في كابول.
وقال عبيد الله باراكزاي عضو البرلمان وخصم رحيم الله القديم “الحكومة لا يمكنها التعامل مع طالبان ورحيم الله في وقت واحد.” وأضاف أن رجال نائب قائد الشرطة سلموا نقاطهم الأمنية.
وقال رحيم الله إن الاتهامات بوجود صفقة مع طالبان لا أساس لها و”إذا كان لديهم أي دليل على أننا أبرمنا صفقة من أي نوع مع طالبان فعليهم أن يكشفوا عنها”.
ويقول رحيم الله إن رجاله حاربوا حتى نفدت ذخيرتهم واتهم مسؤولين آخرين بالهرب من مواقعهم.