قرار الترشح لفترة رابعة يضع ميركل أمام أصعب اختبار
تواجه أنجيلا ميركل بإعلانها يوم الأحد أنها ستسعى للفوز بفترة رابعة في منصب المستشارة الألمانية أصعب اختبار في حياتها السياسية ويتمثل في مهمة الدفاع عن الوضع الراهن في أوروبا وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي وسط غموض شديد يكتنفهما معا.
ويتعين على ميركل التي تتولى المستشارية منذ 11 عامًا أن تعمل الآن على تثبيت التحالف الغربي الذي تعرض لهزة بانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة والعمل على تماسك الاتحاد الأوروبي الذي صاغت ألمانيا من خلاله هويتها بعد الحرب العالمية الثانية وأصبح يواجه الآن مخاطر التفكك.
الأكثر من ذلك أنه برحيل الرئيس الأمريكي باراك أوباما قريبا عن البيت الأبيض تقف ميركل وحدها آخر أمل كبير لدى الغرب في الحفاظ على الديمقراطية الليبرالية. وعليها أن تضطلع بهذا الدور رغم تراجع مكانتها في الداخل.
وقال أوباما للصحفيين خلال زيارة وداع إلى برلين الأسبوع الماضي “إذا قررت الاستمرار فستواجه أعباء جسيمة. وددت لو كنت موجودا للتخفيف من حملها بعض الشيء لكنها قوية”، وفقًا لما نقلته وكالة “رويترز” للأنباء.
وستحتاج ميركل إلى هذه القوة. فلكي تنجح على الساحة الدولية في فترة رابعة سيكون عليها أولا رأب الصدوع التي أحدثتها سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها مع اللاجئين وأدت إلى استعداء الجناح البافاري في تحالف المحافظين الذي تتزعمه.
وتقدر استطلاعات الرأي شعبية حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه بنحو 33 في المئة بانخفاض نحو عشر نقاط مئوية عن مستواها في صيف العام الماضي.
وستخوض ميركل الانتخابات في سبتمبر أيلول المقبل في مناخ سياسي تتزايد فيه الصدوع ومن المرجح أن يدخل فيه حزب البديل من أجل ألمانيا من تيار أقصى اليمين البرلمان الوطني للمرة الأولى في العام المقبل.
والشركاء المحتملون لتشكيل ائتلاف معها هم الديمقراطيون الاشتراكيون الذين تحكم بالتحالف معهم حاليا وتقل شعبيتهم حوالي عشر نقاط عن المحافظين الآن. لكن صعود نجم حزب البديل من أجل ألمانيا يزيد من تعقيدات تشكيل الائتلاف كما أن الناخبين ربما يشعرون بالملل منها.
وقال جوزيف جوف رئيس تحرير مجلة دي تسايت الأسبوعية “الملل يضعفك بل ويفتح الباب أمام السخرية مثلما فعل في فترة كول الرابعة والأخيرة” مشيرا إلى هيلموت كول المستشار السابق الذي قام بدور المرشد والناصح لميركل.
وأشرفت ميركل التي فازت بلقب شخصية العام بمجلة تايم في العام الماضي على استيعاب أوروبا أكبر تدفق للمهاجرين إلى القارة منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن تولت قيادة الاتحاد خلال أزمة منطقة اليورو.
وقال مسؤول قريب منها مشترطا عدم الكشف عن اسمه “هي شخص يجد الشعور بالرضا في كل هذه التحديات”.
وإذا احتفظت ميركل بالسلطة في العام المقبل كما هو متوقع على نطاق واسع فسيكون عليها دفع المشروع الأوروبي في وقت دخل فيه الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي نزاعا مريرا مع برلين بالضغط عليها من أجل زيادة الإنفاق لرفع مستوى النمو في منطقة اليورو.
ويشير الضغط القادم من بروكسل مقر المفوضية الأوروبية التي حاولت ألمانيا من خلالها فرض انضباطها في السياسات المالية على بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى حدود قدرة ميركل على القيادة في أوروبا بعد أن ثبت أن سياستها إزاء المهاجرين لم تلق الترحيب لدى دول شرق أوروبا بصفة خاصة.
وأشار جوف إلى دول جنوب الاتحاد الأوروبي “لم تستطع ميركل فرض إرادتها في توزيع اللاجئين ولا في الانضباط المالي بغرض الإصلاح في نادي البحر المتوسط”.
غير أن الضغوط الجيوسياسية أكبر من الخلاف حول السياسة المالية.
فتصويت الناخبين في بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي يفتح الباب أمام خروج دولة عضو من الاتحاد للمرة الأولى. وعلى ميركل بوصفها أقوى زعماء أوروبا الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع بريطانيا دون أن تبرم اتفاقا لانسحابها يغري دولا أخرى تواجه ركودا اقتصاديا ومخاوف بشأن الهجرة على الانسحاب أيضا.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في برلين يوم الخميس “أوروبا تواجه خطر التفكك. ولذلك فعلى ألمانيا وفرنسا مسؤولية هائلة”.
ويعني صعود نجم الجبهة الوطنية التي تمثل أقصى اليمين بزعامة مارين لوبان أن الرئيس الفرنسي المقبل سيحكم بلدا مقسما لن يكون بوسعه بعد الآن أن يلعب دورا مساويا للدور الألماني كما جرت العادة في أوروبا.
كما أن رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينتسي يواجه خطر خسارة استفتاء على إصلاح دستوري الشهر المقبل علق عليه مستقبله السياسي.
كل هذا يجعل من ألمانيا قوة مهيمنة رغما عنها في وسط أوروبا المقسمة والتي تحاول أن تفرض فيها روسيا نفوذها. وكانت ميركل قد قالت إن موسكو قد تحاول التأثير في الانتخابات الألمانية لعام 2017 من خلال الهجمات الالكترونية وحملات التشويه.
ويحد نزوع ألمانيا للمسالمة وقدراتها العسكرية المتواضعة من قدرة ميركل على تحقيق التماسك لحلف شمال الأطلسي الذي هاجم ترامب أعضاءه خلال الحملة الانتخابية لعدم إنفاق ما يكفي لتغطية نفقات الدفاع عنهم.
وسعت ميركل نفسها للتخفيف من التوقعات بما يمكنها أن تفعله.
فقالت للصحفيين لدى إعلان ترشيحها “لا يمكن لفرد واحد – حتى بأعتى الخبرات – أن يغير الأمور في ألمانيا وأوروبا والعالم للأفضل ومن المؤكد أن هذا الشخص ليس هو مستشار ألمانيا”.