مات آخر سلالته قبل 5 قرون.. العلماء يقتربون من إعادة ثور “الأُرْخُص” العملاق.. ما المهمة البيئية التي يقوم بها؟
بقرونه المستديرة، وحجمه الضخم، ومزاجه المهتاج، أصبح ثور الأرخُص عدواً لصيادي ما قبل التاريخ. لكنَّ العلماء يقتربون الآن من تحقيق الحلم طويل الأمد بإحياء هذا الحيوان، الذي كان أكثر وحوش أوروبا إبهاراً.
جاب هذا المخلوق، الذي يعد جد البهائم الموجودة حالياً، الغابات الكثيفة والمستنقعات العامرة من بريطانيا حتى البلقان، وما وراء ذلك إلى آسيا وشمال إفريقيا، قبل أن يختفي من الجزر البريطانية في العصر الحديدي لينقرض من باقي أوروبا بحلول القرن السابع عشر، عندما مات آخر أفراده في غابة جاكتورو عام 1627، وفق ما جاء بصحيفة التلغراف.
يعمل الباحثون حالياً على إعادة هذا المخلوق إلى الحياة من خلال عملية تعرف بالتوليد العكسي، تتضمن التزاوج الانتقائي بين سلالات من الماشية “البدائية” التي ما زالت تحظى بالكثير من الحمض النووي لثور الأرخُص.
منذ إطلاق المبادرة عام 2009، حدث تطور دراماتيكي، إذ نتجت عدة مئات من العجول التي ولدت في مواقع البحث في جميع أنحاء أوروبا، ليقترب حلم إعادة التخليق، قدر الإمكان، لواحد من أكثر مخلوقات القارة إثارة للإعجاب.
تتبع السلالة
كل جيل جديد يقترب خطوة في المظهر والسلوك والتركيب الجيني، من هذا الحيوان الأسطوري. فقد اختار العلماء عدداً من السلالات “البدائية” من الماشية ذات صفات أكثر شبهاً بثور الأرخُص، بما في ذلك ثيران ماريمانا وبودوليكا في إيطاليا، وسلالة بوشا البلقانية.
وقال البروفيسور دوناتو ماتاسينو، العالم الإيطالي المشارك في هذه الخطة التي تشمل أوروبا بأسرها، وتسمى عملية توروس: “هذه السلالات لديها أعلى نسبة مئوية من المادة الجينية للأرخص”.
وتربى سلاسة ماريمانا في جنوب توسكاني، حيث ما زال يرعاها الـ”بوتيري” -المقابل الإيطالي لرعاة البقر- والبودوليكا كذلك، وهو حيوان ضخم البنيان كان يستخدم فيما مضى في الأعمال الشاقة.
وقد ولد، في إطار عملية توروس، حوالي 300 من الثيران المولدة في مواقع في المجر وهولندا. وقال البروفيسور ماتاسينو، من الجمعية الحكومية الإيطالية للتجريب وتطبيق ابتكارات التقنية الحيوية: “لا أعتقد أننا سوف نكون أبداً قادرين على تخليق حيوان يشبه الأرخُص بنسبة 100%، لكن يمكننا أن نقترب من ذلك كثيراً”.
وقد تعرف العلماء على أقرب السلالات المعاصرة للأرخص من خلال مقارنة حمضها النووي بالمواد الجينية المستخلصة من بقايا الأرخُص التي وجدت في مواقع في أماكن مختلفة في أوروبا. وفي عام 2014، تم تجميع جينوم متسلسل كامل للأرخص من عظام عضد محفوظة جيداً يعود عمرها إلى 6700 عام، وجدت في كهف في مدينة دربشاير في إنكلترا.
ويأمل الخبراء أنه إن أمكن استعادة بوس بريميجينياس، (الاسم اللاتيني للأرخُص) فمن الممكن إطلاقه في البرية، ليسد بذلك حاجة بيئية مهمة. وقال البروفيسور ماتاسينو: “سوف تقوم هذه الثيران بدور محوري في النظام البيئي للغابة، عن طريق الدوس على الغطاء النباتي، وأكل الشجيرات وتنظيف المروج والمراعي”.
استعادة الحالة الطبيعية لملايين الهكتارات من الأراضي
هذا العمل من أجل استرجاع ثور الأرخُص إلى الحياة تدعمه حركة ريوايلدينج يوروب، وهي حركة محافظة على البيئة أنشئت عام 2011، هدفها استعادة الحالة الطبيعية لملايين الهكتارات من الأراضي، من البرتغال إلى وادي الدانوب، بحلول عام 2022. وتتلقى الحركة تمويلاً لمشروعاتها المتعددة من اللجنة الأوروبية، اليانصيب الهولندي (داتش لوتري)، صندوق تمويل الطبيعة العالمي في هولندا والعديد من المانحين الآخرين.
ولا تهدف المنظمة إلى إعادة الأنواع القريبة من ثور الأرخُص فحسب إلى البرية، وإنما تهدف أيضاً لإعادة الأحصنة البرية والوعول والبيسون الأوروبي.
وقال ووتر هلمر، المؤسس المشارك في المنظمة: “إنَّ الماشية البرية واحدة من الأنواع التي شكلت المشهد الأوروبي لمئات آلاف السنين”.
وأضاف هلمر: “لو لم تكن هناك حيوانات ضخمة من آكلي الأعشاب، فإنَّ الغابة تتجدد بسرعة كبيرة. الحيوانات الراعية كبيرة الحجم تبقي قطاعات من الأرض مفتوحة وتخلق تنوعاً في المشهد يساعد عدة آلاف من أنواع النباتات والحشرات والحيوانات”.
وفي سياق مختلف، لكن متصل بموضوعنا، فإنَّ المجموعة قد أنتجت حتى الآن حوالي 500 من الأرخص العابرة للسلالات في كرواتيا ورومانيا وجمهورية التشيك، وبلجيكا، والبرتغال وهولندا.
وقال هلمر: “نعتقد أنه سوف يكون عندنا أول قطيع قابل للحياة خلال 20 أو 25 عاماً. لقد اخترنا سلالات يمكنها البقاء في البرية، وتستطيع الدفاع عن نفسها، ضد الذئاب مثلاً”.
واعترف هلمر بأنَّه من المرجح أن تكون هناك مقاومة لإطلاق هذه الثيران إلى البرية، خصوصاً من قبل المزارعين الذين ربما يخشون من انتقال الأمراض إلى القطعان المستأنسة. وسوف يكون حل تلك المشكلة في إطلاق الحيوانات الشبيهة بالأرخُص في المناطق النائية، بعيداً عن أقرب مكان تربى فيه الماشية.
وبعكس إعادة القندس إلى بريطانيا، مثلاً، فلن يكون ثمة تصريحات مطلوبة لإطلاق ثيران الأرخُص إلى البرية، لأنَّ هذه الحيوانات العابرة للسلالات سوف تعتبر من الناحية الفنية من الماشية المحلية. لكنها سوف تكون أبعد ما تكون عن وصفها بالمُروَّضة.
أعجب بها قيصر
وقال مؤلفو كتاب حديث عن مشروع التوليد العكسي بعنوان “الأرخُص، بريٌّ بالفطرة”: “إنَّ النتيجة النهائية سوف تشبه الأرخُص، وتعيش مثل الأرخُص، وتسلك وتأكل وتتزاوج وتتبرز وتموت في النهاية، مثل الأرخُص”.
وقد ساعد الجسد الأسطوري للأرخص على المرور في الغابات الكثيفة. كان الأرخُص يزن حوالي 2200 رطل، وطوله حوالي 7 أقدام من الكتف. ولمئات آلاف السنين، فإنَّ الحيوانات الوحيدة في أوروبا التي كانت أضخم من الأرخُص هي الماموث الصوفي ووحيد القرن الصوفي.
وقد كان الأرخُص محطَّ تقدير يوليوس قيصر بسبب قوته الغاشمة وحجمه “الفيليّ”، وظهوره في رسومات كهوف ما قبل التاريخ مثل ذاك الذي في لاسكو في فرنسا، وألتاميرا في إسبانيا.
فقد كتب يوليوس قيصر عن هذه الحيوانات في تعليقاته على الحرب الغالية واصفاً إياها بأنها: “أقصر قليلاً من الفيل حجماً، وتشبه الثور مظهراً ولوناً وشكلاً. قوتها وسرعتها غير عادية، فلا تترك رجلاً ولا وحشاً ما دامت قد لمحته”.
وأضاف: “أولئك الألمان يأخذون هذه الثيران، بشق الأنفس، إلى الحفر ويقتلونها هناك. يقوي الشباب أنفسهم بهذه العملية، ويدربون أنفسهم بهذا النوع من الصيد”. وكانت قرون الأرخُص، بعد إزالتها من الجمجمة، وتطعيمها بالفضة، أكثر آنية الفضة نفاسة.
ويعد جلب ثور الأرخُص إلى الحياة مثلاً بارزاً لما يسمى “علم عكس الانقراض”، أو استخدام المادة الوراثية لإحياء الأنواع المنقرضة.
وليس الأرخُص وحده من يمكن إحياؤه يوماً ما، فهناك خطط طموحة لإعادة الحمام الزاجل، الذي كان يوماً ما يحجب شمس أميركا الشمالية، حتى تم اصطياده إلى حد الانقراض، إلى جانب طائر الأوك العظيم، هذا الطائر البحري ذو اللونين الأبيض والأسود، الذي كان يشبه بطْرِيقاً ضخماً.
ويقول الخبراء إنَّ المخلوقات المثالية لاستهدافها هي تلك التي انقرضت مؤخراً نسبياً، وتلك التي سوف يكون لها دور إيكولوجي مهم.
ما الفائدة؟
ووفقاً لدوغلاس مككولي، أستاذ علوم البيئة بجامعة كاليفورنيا بسانتا باربارا، الذي كتب ورقة بحثية حديثة في مجلة علوم البيئة الوظيفية، فإنَّ تجاهل هذه الإرشادات سوف يكون مثل محاولة “إدماج مكبس من نموذج لسيارة فورد T لعام 1910 في سيارة تسلا كهربية لعام 2017”. وقال مككولي إنه ليس ثمة فائدة من محاولة إعادة “زومبي غير فعال وظيفياً إلى البيئة”.
ويأمل المحافظون على البيئة أنَّ تكون إعادة ثور الأرخُص مفيدة ليس البيئة فحسب، وإنما البشر أيضاً. فتريد منظمة ريوايلدينج يوروب مساعدة المجتمعات الريفية التي أثرت عليها عقود من هجرة السكان، عن طريق الترويج لسياحة الحياة البرية.
الفكرة أنَّ الناس يدفعون لمشاهدة الأرخُص، والوعل والذئاب والبيسون تتجول في البرية في الأماكن التي سوف تمتد من جبال البرانس إلى جبال كاربات.
وقال هلمر: “نريد أن نعيد بناء اقتصادات ريفية قائمة على الطبيعة، من أجل أن تكون هذه المناطق أكثر قابلية للحياة فيها”.
وأضاف: “بعد قرون من الزراعة المكثفة، فإنَّ مساحات واسعة من الأراضي سوف تعود لحالتها الطبيعية. هذا عهد جديد لأوروبا”.
هافينغتون بوست