محمد شوارب يكتب : اليقظة والدأب من عصور الانهيار إلى عصور الإزدهار
الدنيا والعالم أجمع يشهد لنا ولا أحد ينكر أن الأمة لها أثاراً ومفاخر. أتت من وراء الهمم وصدق العزائم، تلك هي صفات أمتنا التي دوماً نفتخر بها، صفات التعقل والتروي، وإنطلاق الفكر من الأوهام والعفة والسخاء والدماثة ولين الجانب والوقار والتواضع وعظمة الهمة والصبر والحلم والشجاعة، فبكل هذه الإيجابيات تعجب الآخرون من الأمم لما نمتاز به من ميراث الأجداد الذين نتحلى ونتمسك بفضائل الماضي والسلف والتخلق بأخلاقهم والنسج على منوالهم وإلتزام ما لزموه بالقول والعمل، إذ كفانا من الذل ما لاقينا ومن البلاء ما عانينا.
نحن أمة عاشت وسوف تعيش إلى الأمد الطويل، ها نحن أصحاب أهل الدنيا والحضارة، وأذكانا فكراً، وأشرفنا سيرة، وأنقانا سريرة، فلقد أمتدت العصور من ماضي إلى حاضر من تدهور إلى إزدهار، ونحن منفردون، فلا يكاد أحد أن يعطل مسيرة هذه الأمة، لولا أن البعض شغل بعضهم ببعض في فترات متراخية ما ردهم عن إمتلاك المشارق والمغارب أحد، فإن تفوقنا أعجز غيرنا عن بلوغ المستوى الذي أحرزناه.
… حقيقة أن المرء يشعر بغصة عندما يقارن بين القمة التي اعتليناها والوهدة التي انحدرنا إليها، إن اليقظة والدأب مطلوبة لنا الآن من أجل أن تحيا هذه الأمة وأن تنطلق من عصور انهارت إلى عصور ازدهرت وتفتخر بخلق أجيالاً جديدة تكون بارعة في الكيمياء والرياضة والهندسة، فلابد من وجود روح الأمل، مثل رجل يسير في طريق وله غاية تقوده إلى نهاية سعيدة يعرف كيف يبدأ وكيف يستمر وكيف يتغلب على كل الصعاب والتحديات ويفتخر بما أنجزه.
هناك من ينادون بصيحات واعية هائلة لليقظة والدأب الذي تعيشه الشعوب، فإنه لا العمال ولا الموظفون، ولا سائر الطوائف يستطيعون الإسهام في إقامة مجتمع مزدهر ويزدهر إلا بترسيخ اليقين والتقوى الغالبة والترابط والالتحام بالفضائل لمصلحة الأمة واستقرار الأمن والطمأنينة في النفوس، فلا يزال الجهد الأكبر ينتظر أهل هذه الأمة.
قد تنبهت منذ فترة ليست ببعيدة عندما استيقظت على صيحة وأكذوبة بالغة الحقارة من أهل الغرب حديثو عهد النهضة الذين يطلقون علينا بأننا متخلفين، ومازالوا هم متقدمين، والحق الذي يعيه التاريخ لماذا قتلوا علماؤنا وباحثينا عندما حاولوا العودة لأوطانهم؟ على حين كان هؤلاء العلماء والخبراء والباحثين مبرزين في العلوم على الإجمال، ولقد اقتبس هؤلاء الأوروبيون منهم علومهم ولموا بهذه العلوم في أرضهم. من هنا علينا أن نتأمل في ذاتنا وخصوصاً ونحن نحمل نور العقل وصحة الفكر وإراق البصيرة في أحوال عصرنا الذي تاهت في عالم لم يجمعوا هممهم على إعلاء كلمة الأمة، فقد خارت عزائم وتنحت ببذل الجهود وأن نفرض أفكارنا من التدهور إلى الإزدهار لكي يتعلم هؤلاء منا. فنحن ندرك تماماً أن أمتنا أدركتها فترة عصيبة جداً من الانهيار الشنيع بعد هذه المدة الطويلة، ولكن هل معنى ذلك أن نقف أمام عصور الإزدهار.. طبعا.. لا.. علينا أن نتماشى مع التقدم والحضارة والإزدهار مهما كلفنا الأمر وأن ننتبه إلى الحقائق ونلتمس من عالم الواقع لا من عالم أسمى من الواقع.
… وحتى لا ينسى أحد أننا قمنا بتحويل فكرنا الإنساني إلى وجهته الصحيحة الجديدة في عصور الإزدهار، وفضل هذه الأمة على أوروبا في نقلها من ظلمات الماضي والعصور القديمة إلى عصور حديثة. فيحق العجب كل العجب ممن يجهل هذه الحقيقة التاريخية المسجلة، منذ عهود مضت.
ولعلني في نهاية حديثي، قد اتضح لنا ما هو المقصد الذي أسردناه، فلابد من تصحيح المفاهيم والأوهام الشائعة بين الغربيين عند تخلف أمتنا العربية في ميادين العمل، والحكم عليها أبداً وفي جميع الأحوال فإن أمتنا لا تخفى تراثها التاريخي، فنحن نريد أن نقضي على هذه اللجاجة البغيضة التي يريدون أن نقضي على عصورنا المزدهرة ونقضي على آثارنا في أذهان المتأثرين. فنحن أصحاب ذوق عربي كصاحب نخلة عربية بقامتها العالية، وفروعها التي تتلاقى في عقود وعصور كما تتلاقى الأركان والأعمدة في البناء.
.. علينا أن نزداد قوة على شئون حياتنا وعلومها، وأن نكون مجتمع محكوماً بمنطق العقل والمصلحة العامة لهذه الشعوب العربية وأن نبتعد عن التعصب والتعسف والفساد على أن ندخل في إطار قومية عربية واحدة انتلقت من عصور إنهارت واستيقظت على عصور ازدهار، فنحن الذين والينا الله على معالم الحضارة لن ننكمش قيد أنملة عن مواجهة كل التحديات والصعاب التي تحيط بهذه الأمة.
.. علينا أن نرجع إلى قلوبنا ونمتحن مداركنا ونسير بخطى ثابتة ونراقب مسالك سيرنا لنعلم هل نحن سير الذين سبقونا؟ هل نحن نكتفي بغيرنا؟ هل غير الله ما بنا قبل أن نغير ما بأنفسنا؟
بقلم : محـمد شـوارب
كـاتب حـر
اقرأ للكاتب :
المتعصبون لحرية السياسة والفكر والدين