نوفوستي: ما حاجة روسيا إلى الهدنة وسط سوريا؟
نقلت وكالة نوفوستي، مقالة كتبها كيفورك ميرزايان، الأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة موسكو المالية، سلط الأضواء فيها على دور موسكو في تسوية الأزمة السورية.
العامل التركي
وجاء في المقالة أن كلاً من روسيا وتركيا وإيران وسوريا، إضافةً إلى المعارضة السورية السلمية، اتفقت أثناء مفاوضات أستانا الأخيرة، على إنشاء “مناطق خفض التوتر” في بعض الأراضي السورية التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في الوقت الحالي.
الحديث يدور عن مناطق في محافظات أدلب واللاذقية وحمص ودرعا، حيث يفترض إحلال نظام الهدنة فيها، والمحافظة على الوضع القائم حتى انتهاء الحرب الأهلية في البلاد.
ومن المفترض أيضًا أن تضمن قوات أجنبية نظام الهدنة في تلك المناطق، إلا أن تنفيذ هذه الخطة يثير تساؤلات عدة، وخاصةً ما يخص تبعية القوات التي ستراقب الوضع في “مناطق خفض التوتر” وتضمن نظام وقف إطلاق النار هناك.
ويرجح ميرزايان أن تقوم القوات التركية بهذه المهمة في إدلب، إلا أن بعض الخبراء يرون أن أنقرة تسعى لفرض نفوذها في الأراضي السورية التي تسيطر عليها، وذلك عن طريق أذرع اقتصادية – اجتماعية، وفي حال دخول القوات التركية إلى هناك من أجل ضمان الأمن، فلن يغادر الأتراك تلك الأراضي أبدًا.
وتابع كاتب المقالة أن هذه المخاوف لا أساس لها، لأن تركيا في الوقت الحالي تعاني عزلة دولية، وقد تدهورت علاقاتها مع أوروبا، ولديها مشكلات مع الولايات المتحدة بسبب “المسألة الكردية”.
ووفقًا لميرزايان، فإن روسيا هي الدولة العظمى الوحيدة التي تقيم مع تركيا علاقات عملية جيدة، ولا مصلحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الإساءة إلى هذه العلاقات.
وبالإضافة إلى ذلك، فاحتلال جزء من الأراضي السورية من قبل تركيا سيؤدي إلى نزاع بين أردوغان وعدد من البلدان العربية، التي لا تريد أن تكون داخل مناطق النفوذ التركي، ولذلك، فلن يقوم أردوغان بالاستيلاء على شمال سوريا، وسوف يغادرها عندما يقترحون عليه “التعويض المقبول”.
“لا” إسرائيلية
وأشار كاتب المقالة إلى أن هناك تساؤلات عدة أيضًا فيما يخص مراقبة الوضع في جنوب سوريا، وفي منطقة هضبة الجولان، ويسأل ميرزايان: هل يمكن لإيران أن تنفذ هذه المهمة؟
فينتهي إلى أن إسرائيل تعارض أي وجود إيراني في مناطق سوريا الجنوبية، وفي محيط مرتفعات الجولان، فتل أبيب ترى أن طهران ستبدأ، بعد انتهاء الحرب الأهلية في سوريا، العمل على إعادة هضبة الجولان إلى سيطرة دمشق.
وينتقل ميرزايان إلى دور الولايات المتحدة فيتساءل: هل يمكن لواشنطن القيام بمهمة مراقبة الأوضاع في جنوب سوريا؟
على الرغم من أن الولايات المتحدة تحاول فرض السيطرة على المقاتلين في هذه المنطقة، الا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ربما يكتفي باستخدام “الورقة الكردية” لحل مهام تكتيكية (تحرير الرقة)، واستراتيجية، باستخدام الورقة نفسها، للتأثير على الوضع في سوريا وتركيا والعراق.
ويتساءل الكاتب: “هل تستطيع روسيا أن تقوم بهذه المهمة، وهل موسكو بحاجة إلى ذلك؟”.
كان بعض الخبراء تحدثوا في وقت سابق عن أن موسكو قد تحصل على أفغانستان ثانية في سوريا، إلا أن روسيا منذ تدخلها في سوريا تكتفي بتوجيه ضربات جوية، وتقديم مساعدات عسكرية، وطبية، وغيرها من المساعدات.
“الأهم أن لا يعرقلوا”
وبحسب ميرزايان، فإن موسكو مهتمة، في الوقت الحالي، بتحرير الأراضي السورية الشرقية من تنظيم “داعش” الإرهابي، وأما الجيش السوري فلا يستطيع خوض القتال في الجبهتين الشرقية مع “داعش”، والوسطي مع المعارضة المسلحة، في الوقت نفسه.
وتتلخص الأولوية في القضاء على “داعش”. ولذلك، فلا بد من التوصل إلى هدنة مع المعارضة السورية في مناطق وسط البلاد، الأمر الذي سيتيح فرصة لسلاح الجو الروسي والجيش السوري لتركيز الجهود على محاربة مسلحي “داعش”. وأما بعد هزيمتهم، فمن الممكن العودة إلى حل مشكلة الموجودين في “مناطق خفض التوتر”.
واستغل الجيش السوري نظام وقف إطلاق النار، ويتقدم إلى مدينة الطبقة، ويعد هجومًا بالقرب من تدمر في اتجاه دير الزور، ويمشط المناطق الجنوبية من البلاد.
لا بد من التوصل إلى حل وسط
وتابع ميرزايان أن العودة ستتم، عاجلًا أم أجلًا، إلى مسألة حل مصير المعارضة السورية، وبحسب الكاتب، هناك خياران: عسكري، وسياسي.
وفي حال التوصل إلى اتفاقية بشأن وجود قوات أجنبية في وسط سوريا بغية ضمان الأمن هناك، فمسألة عودة تلك الأراضي إلى سيطرة دمشق بالقوة ستكون صعبة جدا. ولذلك، فالتسوية السياسية هي الخيار الأكثر احتمالا.
إلا أن موسكو، برأي ميرزايان، مهتمة بتحقيق نصر مزدوج، عسكري ودبلوماسي، على حد سواء.
وتستطيع روسيا أن تُظهر في سوريا قدرتها على تحقيق الانتصار في الحرب، وتحقيق السلام، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف المعنية، وذلك سيعني أنها تعمل كدولة عظمى حقيقية، وكأحد المراكز المحورية في عالم متعدد الأقطاب.