صباح ناهي يكتب : بعيدا عن السياسة وقريبا من المسرح
في مسرح العرائس ثمة دمية خشبية اسمها “عروس الماريونيت” وهي نجمة بلا منازع في ذلك المسرح الصغير الذي يقف خلفه محرك دمى ماهر يحكي قصتها، بل قصته وهو يصرخ حينا ويبكي أخرى، والأطفال المتحلقون حوله من أمام فسحة العرض الصغيرة يضحكون متفاعلين مع جودة الرقص الذي تؤديه عروس الماريونيت، التي لا حول لها ولا قوة ولا تفهم لماذا تضحكهم أو تبكيهم قطعا، لأنها مجرد قطعة خشبية نُحتت بعناية وألبُست ملابس مزركشة، يحركها من يحركها في مسرح العرائس، الذي يقدم فرجة، وتسلية يتفاعل معها الناس.
في السياسة قد يكون مسرح الأحداث على الأغلب هكذا، متى ما رأيت إصرارا على مواقف لا ينطبق عليها أنها نتاج “فن الممكن” الذي يحرك السياسة ويلخصها، حين تكون لعبة مصالح باحترافية الخبرة والحنكة التي تجعلها مجدية وتحصد النتائج المخطط لها، فكل فعل سياسي يبدو شاذا وغريبا ومضحكا ومصرا على المخالفة والسير عكس التيار، والوقوف بوجه القطار المتوجه شمالا بسرعة قياسية، لا تشك أبدا بأن وراءه محرك يسّيره كمحرك دمى عروس الماريونيت بجدارة، وهنا لا بد من تقع، في حال الغرابة والعجب عند التفسير والتحليل، على إصرار البعض على المغامرة بحد ذاتها والتي تبدو خاسرة في المحصلة.
فحين تقارن كل ما درسته من نظريات في السياسة بل العلوم السلوكية كلها تهالك بعض المواقف لزعماء وصناع قرار وبرلمانيين وهم يغردون خارح سرب مصالح بلدانهم، لكن صديقا لي لم يدرس كل العلوم التي أحكي عنها، يلخص رأيه وهو يستمع لمواقف هؤلاء بـ”قابض” وأحيانا يتمادى في تحليلاته ليجاري الحوار بيننا بقوله “هذا مشدود رأسه” وتعال فسر ما الذي يعنيه بمصطلحات لا تمت لمنطومة السياسة بشيء وتؤول قطعا إلى ثقافة الشارع التي فيها الكثير من الحكمة والاتعاظ.
وبين فن الممكن وصراع الإرادات، و”قابض” و”مشدود رأسه” على حد زعم صاحبي، تقف ثقافات ونزعات وتحليلات، لكنها كلها تدعوك إلى مراقبة ما يقوم به الصانع الأمهر في مسرح العرائس، مع عروس الماريونيت، لابد لك أن تُعاين أن خلاصات الشارع هي حكم التجربة والفرز الذي لا بد أن يأخذ به صانع ثقافة السياسة، التي تحذر من أن أخطر ما تواجهه البلدان حين يسيطر رجل الشارع على رجل السياسة ويأخذه حيث يشاء، كما يأخذ في الوقت نفسه بعض المستشارين والخبراء بعض البلدان لحتوفها، أو لتجنح لقرارات .
العرب