محمد خالد الأزعر يكتب : دولة بلا يسار
انطوت المنافسة على رئاسة حزب العمل الإسرائيلي، التي جرت بالفعل قبل بضعة أيام، على عدد من المفاجآت، فمن ناحية، كان المرشحان الأساسيان المخضرم عمير بيرتس، وزميله الأقل خبرة القادم من خارج الهيئة النيابية آفي جباي، من أصول مغربية.
هذه سابقة لم تحدث من قبل، صفق لها طويلاً الدعائيون المروجون لـ «الديمقراطية الإسرائيلية» بحسبها سهلت الإطاحة بسيادة المتحدرين من طوائف الأشكيناز الغربيين.
من ناحية ثانية، انتهت الانتخابات بفوز جباي، بما خالف ميول قدامى رجالات العمل ومعظم التوقعات، وأشاع قدراً كبيراً من التفاؤل باحتمال عودة الحزب إلى قلب العملية السياسية، بعد عشرين عاماً من الانزواء والضعف، وبلغت الآمال ببعض الذين ينسبون أنفسهم إلى اليسار في إسرائيل، حد الاعتقاد بأن جباي الصاعد الواعد، ربما أمكنه دحر اليمين وزعيمه بنيامين نتنياهو عن التحكم بمقاليد السياسة والحكم في الانتخابات العامة القادمة.
بالنسبة لمن يقرأ المشهد السياسي الإسرائيلي العام، بمعزل عن خندق حزب العمل وأنصاره، يبدو هذا التوقع الأخير مبالغاً فيه إلى حد كبير.
كل الاستطلاعات الإسرائيلية اللاحقة ذات الصلة، تجمع تقريباً على أن الرهان الجماهيري ما زال معقوداً على نتنياهو، وبمعدل يفوق زعيم العمل الجديد بمعدل كبير (34 % مقابل 13 %).
أين هو التمايز الكبير بين الليكود والعمل وكاديما وسواهم بشأن قضايا القدس والاستيطان وحق العودة الفلسطيني وجدار الفصل العنصري وطبيعة الدولة الفلسطينية ومصير فلسطينيي 1948 ويهودية إسرائيل؟!
لو كان لمفهومي اليمين واليسار مبررات وموجبات حقيقية في المشهد الصهيوني الإسرائيلي، لما قامت حكومة ائتلافية إسرائيلية واحدة منذ 1948، ذلك لأن الحكومات الائتلافية لا تنشأ إلا عن قواسم مشتركة تمثل مجرى النهر الرئيس، وفيما عدا ذلك تفصيلات تخضع للاجتهادات.
لمزيد من الإيضاح، علينا أن نلاحظ كيف تتعرض الحركات والقوى السياسية والدينية اليهودية داخل إسرائيل وخارجها، الرافضة للمثل الصهيونية، للنبذ والعزل والتهديد، وغالباً ما تطلب الدوائر الصهيونية من هذه الحركات التزام الصمت، وأحياناً تلقي عليها تهمة الخيانة.
وليس بلا مغزى أن العماليين سبق لهم أن شاركوا في حكومة يقودها نتنياهو، بزعم أن مشاركة كهذه، سوف تخفف من غلواء الأخير وتطرفه، لكن التفسير المنطقي لهذا السلوك، أن التكاسر بين نتنياهو اليميني وخصومه «اليساريين»، لا وجود له من الأصل، وكل ما في الأمر، أن نتنياهو كان في مراحل معينة من زعامته راغباً في تجميل وجه بعض حكوماته بإدراج «يساريين» فيها.
وهذا ما حدث بالفعل بين يدي قضية الموقف من قضية الاستيطان. ففي الوقت الذي يُبدي فيه نتنياهو تشدداً في هذه القضية، راح شريكه العمالي ذات حين، إيهود باراك، يناور بالحديث عن وقف الاستيطان لثلاثة أشهر.
ولأن نتنياهو على دراية بالفعل الصهيوني المشترك لكل الأحزاب الفاعلة في المشهد السياسي من حوله، فإنه كان يعرض بين الحين والآخر الشراكة على بعض الموصوفين باليسار والميل للتسوية السلمية مع العرب والفلسطينيين، قاصداً بذلك مزيداً من تحسين صورة حكمه، عبر توظيف مفهومي اليمين واليسار.
الأرجح أن المشهدين الإقليمي والدولي من حول إسرائيل اليوم، يشعران نتنياهو بالارتياح، حتى إنه لن يسعى إلى التلطي خلف مشاركة جباي وحزبه.
الزمن الراهن ما زال حتى إشعار آخر، زمن نتنياهو ورهطه من أصحاب الأجندات الصهيونية السافرة.
البيان