عباس الطرابيلى يكتب : المهاجرون.. هرباً!

لا أقصد الشباب الذين يحاولون الهروب إلى الشمال سعياً وراء فرصة عمل، أو طلباً للقمة عيش أفضل مما هو متوافر داخل مصر.. ولكننى أقصد أبناء الساسة بل وأبناء الزعماء الذين كانوا يتصدرون الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر.. ولكنهم فضلوا الهروب، حتى لا يتعرضوا إلى ما سبق أن تعرض له آباؤهم أو يساقوا إلى المحاكم – وأكثرهم مظلومون – بسبب وشاية من حاقد.. أو ساع للشهرة.. وهؤلاء نوعان:

الأول هو أبناء الساسة قبل ثورة يوليو 1952، والثانى هو هؤلاء الساسة والخبراء الذين هربوا خشية إملاق أو اتهامات أو محاكمات، غالباً ما يحصلون على البراءة.. وأقصد بهؤلاء الساسة الذين هربوا عقب ثورة 25 يناير بالذات.

النوع الأول هربوا بعد حملات التشويه والمطاردة فى أعقاب ثورة يوليو 1952 حيث قادت الثورة ورجالها حملات منظمة لتشويه حياة وسير كل من عمل بالسياسة والاقتصاد فى فترة ما قبل يوليو 1952، وهذه الحملات تبدأ من رأس النظام السابق أى الملك فاروق وكل أفراد الأسرة المالكة.. ثم امتدت إلى رؤساء الوزارات والوزراء وكل رجال الاقتصاد والمال، الذين صنعوا الكثير لهذا الوطن.. وللأسف قام رجال يوليو ومن انساق وراءهم بتعميم الفساد على كل باشوات مصر ورجالها.. فهؤلاء هم الرجعية.. وهم كبار ملاك الأراضى.. والمصانع ممن طاردتهم تهم امتصاص دماء الشعب.. وكانت النتيجة أن هرب من استطاع الهرب حتى وإن لم يستطع أن ينقذ بعض أمواله ليعيش منها خارج مصر، أما من لم يستطع الهروب فكان مصيره المحاكمات أمام محاكم الشعب ومحاكم الغدر ومحاكم الثورة.. وغيرها.

وهكذا فقدت مصر كل خبراتها السياسية والاقتصادية.. وهؤلاء الذين أقاموا صناعات متطورة فى كل المجالات، ووفروا عشرات الألوف من فرص العمل، فى صناعات الغزل والنسيج والسكر والصناعات الغذائية، بل ومنهم من أقام مدناً سكنية لعمال مصانعه.. ومن استصلح مئات الألوف من الأفدنة وحولها من أرض بور إلى أخصب الأراضى الزراعية.. ودون أن نذكر أسماء عائلات أو ساسة نالهم من حملات التشويه ما لم ينله الشيطان نفسه.. وفى هذه الفترة عزلوا ملكاً واحداً ليحكم مصر بدله 11 ملكاً.. وبدلاً من الساسة ومصلحى الأراضى وجدنا من يستولى على القصور – وكلهم بلا استثناء – لينعم بخيرات البلد.. أما عامة الشعب فقد قدموا له أفيون الشعوب.. أى السيطرة على العقول.. بالإعلام الموجه!!

وأما النوع الثانى فمنه من هرب بجلده بينما كان المركب على وشك أن يغرق.. ومنهم من نجح فى الهروب فى الأيام الأولى، وهكذا فقدت مصر كل هذه الخبرات التى تلقفتها المنظمات الدولية بل والدول المتقدمة.. وأثبتوا جدارتهم.. بينما مصر هى الخاسرة وهى التى تتخبط. وليس فقط الساسة.. ورجال المال والأعمال.. ولكن أيضاً ممن كانوا نجوماً فى الصحافة وطاردتهم الشائعات والاتهامات والمحاكمات حتى الذين نالوا الخير من هؤلاء الأعلام.. ونسوا ما حصلوا عليه من هؤلاء العظماء.

وإذا كانت روسيا الآن تحاول استعادة رجالها الذين هربوا بسبب المد الشيوعى.. فلماذا لا نحاول ذلك.. لكى يساهموا بكل علمهم وخبرتهم فى إنقاذ البلاد مما هى فيه الآن.

حقاً تعددت أسباب الهروب والهجرة.. ولكن كل هؤلاء يحنون ويشتاقون للعودة إلى مصر.. بشرط التسامح، والكف عن المطاردة وأن نوقف حملات التشويه من المعتوهين الذين ينتفعون من كل عصر ولون.

المصري

شكرا للتعليق على الموضوع