رانيا كفروني فرح تكتب: الإنتاجية في الحياة كيف نحققها؟!

لو نظرنا إلى انسان الزمن الراهن لوجدناه في منافسة مستديمة مع الوقت، وفي صراع مستمر يهدف إلى تحديد سُلَّم أولوياته في الحياة. أيضًا نراه يخوض حروبًا ضروس مع كل ما يعيق سبيله نحو تأدية التزاماته ومسؤولياته الحياتية والمتكاثرة في زمننا. ولعل تزايد المقالات في الصحف وعلى مواقع الانترنت، إضافة إلى تكاثر الأبحاث في مختلف أنحاء العالم حول كيفية تحقيق الإنتاجية، لهو دليل قاطع على حاجة الانسان الملحة ’لخلطة سحريّة‘ تساعده في تحقيق انتاجية حياتية متقدمة.

تفيدنا علوم الإيزوتيريك-علوم باطن الإنسان أنّ الإنتاجية الحياتية لا تقاس بعدد الأعمال التي ينجزها المرء في فترة محددة (ساعة أو يوم أو اسبوع أو شهر أو سنة، الخ…)، وإنما هي تأدية الأعمال التي يحتاج الإنسان إلى إنجازها فعلًا، وتأديتها بإتقان ضمن المهلة المحددة. بمعنى آخر ليس المهم مقدار الأعمال التي ينجزها المرء. وإنما أهمية تلك الأعمال ونوعيتها، أي هدفها وهذا ما يحدد انتاجية المرء الفعلية. من هنا لو نظر المرء إلى برنامج عمله المحدد ليوم واحد على سبيل المثال لا الحصر، قد يراه للوهلة الأولى لا يتسع لأي إضافة، ولو تعمق في التحليل يجد في أغلب الأحيان كي لا نقول في معظمها أنه بإمكانه إلغاء نصف تلك الأعمال، لأنّها لا تصب في سلم أولوياته ولا تخدم أهدافه الحياتية. ناهيكم أنّ الانتاجية الواعية تراعي مبدأ اعطاء كل حق حقه في الحياة، واعطاء كل بعد من أبعاد النفس البشرية حقه في التفاعل والتفتح (جسد – مشاعر – فكر). وفي هذا السياق تفيدنا علوم الإيزوتيريك أنّ ساعات العمل في المستقبل ستتقلص حتى يتسنى للإنسان إيلاء الاهتمام بالشق الباطني من كيانه وما يتضمن ذلك من تمارين نفسانية باطنية كالتركيز والتأمل إلخ… إلخ…

ولما كانت علوم الإيزوتيريك علوم معرفية انسانية تطبيقية ممنهجة في أكثر من مئة مؤلف حتى تاريخه وبثماني لغات، وانطلاقًا من معرفة الإنسان لكيانه بشقيه الباطن والظاهر، قدمت هذه العلوم وسائل عملية تشحذ انتاجية الفرد الحياتية. حيث تبدأ تلك الوسائل من الداخل الإنساني نحو الخارج العلمي، أو من الباطن المعرفي نحو الظاهر العملي.

ونوجز بعضها فيما يلي على سبيل المثال لا الحصر:

أولًا – الصدق في تحديد الأولويات وفي التخطيط لتحقيق كل ما يصبّ في خدمتها. وما يتطلب ذلك من تنظيم حياتيّ جديّ إن في الأعمال الماديّة أو المشاغل الحياتية او الحياة الخاصة التي تشمل الحياة الباطنية. أي تلك الأعمال التي تصبّ في تفتيح كيان الإنسان الباطني وشحذ مقدراته الداخلية، على سبيل المثال تقنيات التركيز والتأمل كما تقدمها علوم الإيزوتيريك في كتاب “التأمل والتمعن”، وغيرها من تمارين تطبيقية تهدف إلى تقويّة عمل الفكر وتصنيع الذكاء وتوسيع الوعي الواردة في مؤلفات الإيزوتيريك “تعرف إلى فكرك”، “تعرف إلى ذكائك” و”تعرف إلى وعيك” بقلم الدكتور جوزيف مجدلاني (ج ب م) مؤسس مركز علوم الإيزوتيريك في لبنان والعالم العربي.

ثانيًا – حسّ المسؤولية الذاتية، قبل المسؤولية تجاه الآخرين. بمعنى أن يتحلى المرء برقابة ذاتية فلا ينتظر من يذكِّره بمسؤولياته والتي إن أخفق فيها التجأ إلى التحايل في تبرير التأخير أو التأجيل، أو عدم الإنجاز، أو… أو…

ثالثًا – اقتناع ضمنيّ كليّ بأهمية العمل. ما يلغي عامل التردد في النفس، كما ويفرغها من عامل الخوف… مما يترجم ب’طحشة داخلية واثقة‘ لاتمام المسؤوليات بوقت مختصر وانتاجية عالية. وليس بهورة خارجية تمتص زخم العمل. ناهيكم عن الإندفاع والحماسة إلى جانب متعة الإنجاز. ما يعني أنّ الإنتاجية الحياتية تتطلب أكثر ما تتطلب دوزنة داخلية للكيان…

رابعًا – محبة العمل المقرونة بإرادة التصميم والتي تترجم عمليًا بجهوزيّة داخليّة لتأدية العمل على قدر ما يتطلب من مجهود (لا أكثر ولا أقل). وهذا ما يوَّحد باطن الإرادة بظاهرها مما يعني أن العمل تحقق بأقل مجهود وأقل وقت والأهم أنّه عمل نوعي يتكلم على صاحبه.

خامسًا– ذكاء حياتي اجتماعي يهدف إلى تحقيق معادلة attached & detached، في الوقت نفسه. حيث ينكب المرء على انجاز مسؤولياته المختلفة من دون تشويش والأهم من دون التأثر بالأمور التي لا تنفك تشدّه إلى الوراء كعنوان لمعاناته وتحفيزًا لارتقائه.

سادسًا – بلاغة كلامية واقتصاد في كل شيء. لا سيما في توظيف طاقات الكيان في المكان المناسب، وبالقدر المطلوب لإنجاز المهمات والمسؤوليات.

سابعًا– المثابرة إلى جانب سرعة في انجاز الأعمال وليس التسرع. فتفعيل المثابرة خطوة نحو تثبيت المهمات واتقان المسؤوليات وركيزة أساس في تحقيق انتاجية حياتية نوعية. على أن يطال ذلك أيضًا الاستثناءات والحالات الطارئة في ظل تمرّس المرء في مبدأ إيكال بعض المهمات والتنويع في انجاز مسؤولياته.

ثامنًا– الثقة بالنفس والإيمان بالمقدرات الذاتية وإيلاء الباطن حقه في التطور والتعبير. لشرح المقصود لنأخذ مسافة معينة على المرء اجتيازها، إن سهولة وصوله وسرعته منوطة بوسيلة النقل المتبعة. فإن استقلال الطائرة مثلًا أسرع بكثير من استقلال الباخرة أو السيارة… من هنا نجد أنّ تفعيل تكنولوجيا الباطن من فكر ثاقب متجرد وذكاء حياتي وتجدد مثمر وغيرها من المقدرات هو ما يلعب دورًا بليغًا في تطوير انتاجية المرء، حتى أحلامه وتأملاته ستحمل له رسائل تصبّ في انتاجيته الحياتية.

تاسعًا– التقاء الإنتاجيّة الفرديّة بالإنتاجيّة الجماعيّة حيث يعمل المرء في التزاماته العائلية والعملية على تعزيز مستوى التواصل داخلًا (على صعيد النفس البشرية أي وحدة الفكر والقول والعمل) وخارجًا مع الآخرين.

وعلى رأس تلك القائمة يأتي دور تفعيل الحبّ الواعي كما ورد في مؤلفات علوم الإيزوتيريك بقلم الدكتور مجدلاني (ج ب م). حيث الحبّ علاج النفس في حلحلة عقدها، ونور الفكر في تخطيط أهدافه، وحكمة الفؤاد في تحديد أولوياته… ناهيكم أنّ الحبّ الواعي راحة النفس من أعباء الحياة ومستلزماتها. وكما النور يوّضح الرؤية للعين، كذا الحبّ الواعي يجعل الرؤيا ممكنة للفكر والنفس، فتنجز الأعمال بمنتهى الجمال والخير فيحقق صاحبها انتاجية حياتية بارزة تنعكس في نفوس الآخرين نتيجة ما تقدم.

خلاصة القول، الإنتاجية الحياتية هي حال فكريّة (state of mind) تتطوّر لتصبح حالة باطنية منتجة تطال محاور حياة المرء كافة. تمامًا كالوعي الذي ينتمي إلى كل خليّة في الجسد.

هذا غيث من فيض الإيزوتيريك، وتبقى التجربة خير برهان.

د. رانيا كفروني فرح

www.esoteric-lebanon.org

اقرأ للكاتبة : 

السعادة…واقع أم وهم؟!

شكرا للتعليق على الموضوع